كان أمس يوماً أشد مرارة من الأيام المريرة التي يمضيها الزميل في "الحياة" حبيب يونس في سجن رومية، فهو لم يتمكن من القاء نظرة وداع أخيرة على والده الذي غاب ليل أول من أمس ودفن بعد صلاة جناز حافلة شارك فيها أهل الفقيد وعدد كبير من الاصدقاء والزملاء ووجوه سياسية ودينية واجتماعية. وروى الذين زاروا الزميل يونس أمس في السجن، ناقلين اليه الخبر الأليم، انه لم يحتمل الصدمة، فبكى كالطفل، كيف لا هو الذي لم يتعلم على والده اسرار الحياة ومعاني الوطنية وأبعاد المحبة والوفاء والايمان فحسب، وانما ايضاً فن الشعر العامي الذي كان الوالد يجيده وله فيه ديوان صدر قبل أشهر وبه حاز جائزة سعيد عقل الشهيرة. لم يستطع حبيب يونس ان يودع والده، لكنه ذرف من وراء القضبان دمعاً غزيراً لم يتوقف عن الانهمار أصلاً مذ زج هذا الصحافي والشاعر الذي يبكيه أي مشهد مأسوي في السجن. غير ان حبيب الذي علم قبل فترة بحال الاحتضار الذي خامر والده إثر تفاقم مرضه العضال، كتب قصيدة يرثيه فيها مخاطباً اياه مخاطبة ملؤها الحنين والألم. وكان النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم رفض طلباً قدمه اليه وكيل الزميل حبيب يونس لاتخاذ القرار باعطاء الاذن لمن يلزم لمؤازرة حبيب من أجل حضور مراسم جنازة والده ودفنه. وتضمن الطلب اشارة الى انه سبق ان تمت مؤازرة الوزير السابق شاهي برصوميان حين كان موقوفاً لحضوره دفن والدته، كما تمت الموافقة خلال هذا العام على مؤازرة شخص آخر لحضور دفن والده. واضافة الى طلب الاذن، أجرت "الحياة" سلسلة اتصالات مساء أول من أمس وصباح أمس، مع كبار المسؤولين للسماح للزميل يونس بالخروج من السجن لحضور الجناز ومراسم الدفن، ساهم فيها نقيب المحررين ملحم كرم مع عدد من كبار المسؤولين والمراجع القضائية والسياسية، وأحد وكلاء الزميل يونس النائب الشيخ بطرس حرب. الا ان هذه الاتصالات لم تفلح، خصوصاً ان عدداً من المسؤولين أخذوا يتقاذفون المسؤولية عن اتخاذ قرار من هذا النوع. وقام كل منهم برميها على الآخر على رغم اعتراف كل منهم بأحقية الطلب، وبان ابقاء الزميل يونس في السجن اثناء مراسم دفن والده، حال غير انسانية. وشيع الراحل في كاتدرائية مارجرجس - جبيل، في حضور الوزير جان لوي قرداحي والنائب منصور البون والمطران بولس اميل سعادة، وحشد من الآباء وأهل الصحافة والاعلام والفكر والفن أبرزهم الفنانة ماجدة الرومي. وترأس الصلاة الاباتي اثناسيوس الجلخ الذي أشاد بمزايا الراحل "اديباً وشاعراً مؤمناً"، وببروز "ابنائه علماً وفكراً وفناً"، منوهاً بحبيب "الصحافي الرصين صاحب الموقف الجريء والكلمة الحرة". ثم ووري الجثمان في تنورين. الرثاء يمكن يا بيّي، بغَيبْتي تروح، وما اقدر ودّعك. بس البِيعزّي حرقْتي اني قبل ما تشْتريني غربتي بلحظا، بستَك، غمرْتَك، بسْتني وغمَرتني، ومن دون ما تحكي قلت: زُوّادتك، بغربْتك قلبي المَعَك، يابْني والله يكون مَعَك.