التغيير الحكومي الذي تم في سورية الاسبوع الماضي، قد يكون بداية لمرحلة جديدة تشهد تحديثاً فعلياً واصلاحاً اقتصادياً حقيقياً. فالرئيس الشاب الدكتور بشار الأسد كان تناول مطولاً، في الخطاب الذي ألقاه لدى تسلمه الرئاسة، موضوع تحديث واصلاح اقتصاد بلاده، ووضع هذا الهدف في مقدم أولويات رئاسته. إلا أنه وبعد مضي سنتين على توليه منصبه، تأخر الاقلاع في هذه المسيرة ولم يتم التحديث ولا الإصلاح. وخاب أمل الأوساط الاقتصادية الدولية التي رأت ان القطاع المصرفي السوري لم ينشأ، والبطالة استمرت في اتجاه التزايد وباتت تشمل حوالى 20 في المئة من اليد العاملة. أما أرقام نمو الناتج الداخلي الخام التي تم تسجيلها سنة 2001 الحالية، فإنها نتجت عن تحسن مستويات اسعار النفط وتحسن العائدات النفطية نظراً الى ارتفاع حجم صادرات النفط السورية التي تمثل 65 في المئة من الصادرات. وما أتاح لسورية رفع حجم صادراتها النفطية، هو استيراد النفط العراقي وتخصيصه للاستهلاك المحلي. اما القطاع الزراعي فإنه شهد تحسناً في موسم الشتاء الذي توافرت خلاله كميات أكبر من المياه. والانطباع السائد لدى الأوساط الدولية عن الاقتصاد السوري، مفاده انه يعاني من الجمود والبيروقراطية ولا يزال يسير على النمط السوفياتي القديم. أما الآن ومع انضمام عناصر عملت في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الى الحكومة الجديدة، اضافة الى وجود وزراء ماهرين منهم عصام الزعيم الذي تولى وزارة الصناعة، فإن الأمل أصبح اكبر في الأوساط الاقتصادية العالمية، بتحول رغبة الأسد في تحديث اقتصاد بلاده الى حقيقة. ومن بين الوجوه الحكومية الجديدة، وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، الدكتور غسان رفاعي وهو من الاقتصاديين المعروفين والمحترمين في الأوساط الدولية، كونه عمل لفترة طويلة مستشاراً لدى البنك الدولي. وهناك ايضاً وزير المال الجديد محمد الأطرش وهو اقتصادي بارز، عمل في صندوق النقد الدولي وشارك في مفاوضات مالية دولية. اما وزير الطاقة الجديد الدكتور ابراهيم حداد فكان مديراً في منظمة الطاقة النووية السورية، فيما وزير السياحة الجديد سعد الله آغا، من الشخصيات المقربة الى الرئيس السوري، وعمل ناطقاً رسمياً له، وجاء تعامله مع الاعلام حديثاً ومتطوراً. فدخول مثل هذه العناصر الى حكومة يترأسها محمد مصطفى ميرو الذي يحظى باحترام دولي لنزاهته، ينبغي ان يسفر عن نتائج على صعيد تحديث الاقتصاد السوري. فالمهمة ضخمة لأن الاصلاحات المطلوبة والمنتظرة عديدة. فرجال الاعمال، مثلاً، يتوقعون ان يتم انشاء قطاع مصرفي سوري. وحسب التقديرات فإن الودائع السورية في المصارف اللبنانية تبلغ حوالى 6 بلايين دولار، اذ ان رجال الاعمال السوريين يعتمدون كلياً على القطاع المصرفي اللبناني. فكيف يمكن لسورية جذب الاستثمارات الخارجية في غياب قطاع مصرفي عملي وفي غياب اصلاحات كانت حتى الآن اشبه بحبر على ورق؟ وفي ظل أجواء سياسية سيئة جداً في منطقة الشرق الأوسط نتيجة سياسة رئيس حكومة اسرائيل ارييل شارون المدمرة للمنطقة العربية، فإن التحديات الاقتصادية في مجمل هذه المنطقة صعبة وضخمة. ولا شك ان التعديل الوزاري في سورية له مدى ايجابي على المستوى الدولي. والتمني هو ان يكون بداية اقلاع المسيرة التحديثية التي التزمها الرئيس السوري.