توقع صندوق النقد الدولي في آخر تحديث له لأداء الاقتصادات الخليجية الذي صدر الأسبوع الماضي انخفاض متوسط النمو غير النفطي لاقتصادات دول التعاون إلى 1.75% في 2016 مع تشديد السياسة المالية العامة وتناقص السيولة في القطاع المالي، في حين أنه كان يتوقع سابقا نموه بنسبة 2.5% عام 2016 وذلك مقارنة مع نمو بنسبة 3.75% العام الماضي. ومع ذلك سوف يظل القطاع غير النفطي هو المحرك الرئيسي للتنمية الخليجية، حيث إن الصندوق لا يتوقع نمو نسبة القطاع النفطي عام 2016 إلا بنسبة 1% فقط. ولو نظرنا لدول مجلس التعاون الخليجي فإننا سوف نجد أنها جميعها ركزت خلال السنوات الماضية وحتى ما قبل انخفاض أسعار النفط في منتصف 2014 على تنويع القطاعات غير النفطية وقد حققت في هذا المجال نجاحات متفاوتة. فلقد سعت المملكة العربية السعودية على مدار العقود الأربع الماضية إلى خلق توازن اقتصادي يمكنها من مواجهة التحديات من خلال تعزيز الإيرادات في القطاعات غير النفطية، لا سيما أن المملكة تعتمد بشكل كبير على النفط كمحرك أساسي لاقتصادها، وتشير إحصاءات ذكرها رئيس غرفة الشرقية عبدالرحمن العطيشان إلى بلوغ مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي لعام 2015 بالأسعار الثابتة ما نسبته 39,46% بنسبة نمو 3.74% ما يعكس حالة النمو الإيجابي الذي يشهده القطاع في أغلب نشاطاته رغم التحديات المحيطة به، وأسهم قطاع الإنشاءات فيه بما نسبته 7.5% وقطاع تقنية المعلومات بنسبة 1% بين إجمالي القطاعات الأخرى. وركزت رؤية المملكة 2030 على تحقيق مزيد من التنوع في الاقتصاد من خلال إشراك القطاع الخاص. فكلما ارتفعت مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي كلما كان القطاع الخاص المشارك الأكبر في الناتج المحلي، وهو ما سيمكن المملكة من خفض اعتمادها على النفط ويعزز اقتصادها الوطني، وذلك عندما يشكّل القطاع غير النفطي جزءًا أكبر من الناتج المحلي الإجمالي. وتهدف الرؤية الاقتصادية إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في القطاعات غير النفطية تساعد على خلق قطاعات إنتاج جديدة تسهم في زيادة حجم مشاركة القطاع غير النفطي في الاقتصاد السعودي من خلال تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية في المملكة العربية السعودية ومن خلال الشراكة بين الحكومة وبين القطاع الخاص لخلق مزيد من قطاعات الإنتاج المعززة لحجم القطاع غير النفطي. أما في الإمارات فإن القطاع غير النفطي يمثل قرابة 69% من حجم الاقتصاد حيث شهد نموا ملحوظا بلغ 8٫1% عام 2015 مما ساعد الإمارات على تحقيق معدل نمو جيد، حتى مع تراجع القطاع النفطي. ويشمل القطاع غير النفطي الخدمات المالية التي نمت بقرابة 15% وكذلك قطاع السياحة حيث استقبلت الإمارات ما يزيد على 20 مليون سائح. وانعكس هذا النمو على احتلال الإمارات المركز الأول إقليميا من حيث حجم التبادل التجاري مع أكبر عشرة اقتصادات في العالم. كما سمح للإمارات أن تتحول لمركز عالمي جاذب للمهارات تستطيع الشركات متعددة الجنسيات أن تستخدمه، كمقر لإدارة أعمالها الإقليمية كما تشير العديد من استطلاعات الرأى العالمية. وحسب الخطة المُعلنة من الحكومة الإماراتية، فبحلول عام 2020 سيصل إسهام القطاع غير النفطي لقرابة 80% من حجم الاقتصاد عن طريق الاستثمار في البنية التحتية وقطاع النقل. أما في دولة قطر، فيشير التقرير الصادر عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء بقطر، إلى أن المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد القطري عام 2015 هو القطاع غير النفطي كما هو الحال في السنوات القليلة الماضية، حتى وإن كان بدعم من القطاع الهيدروكربوني هذا العام مع انطلاق مشروع برزان للغاز. وبحسب تحليل لمجموعة بنك قطر الوطني فقد كانت أكثر القطاعات إسهاما في النمو الحقيقي غير النفطي هي الخدمات المالية، والتشييد والبناء، والتجارة والفنادق والمطاعم. حيث زاد نشاط التشييد والبناء بنسبة 19.7 في المائة على أساس سنوي على خلفية مشاريع البنية التحتية الجاري تنفيذها. كما يولد النمو السكاني السريع (الذي يعود بالأساس إلى موجة العاملين الأجانب الذين يجتذبهم تنفيذ المشاريع الضخمة) زيادة في الطلب على الخدمات، ونتيجة لذلك، فقد تم تسجيل نمو قوي في قطاع الخدمات المالية (10.0 في المائة عام 2015 مقارنة بالعام الماضي)، وقطاع التجارة والمطاعم والفنادق (12.5 في المائة)، وقطاع الخدمات الحكومية (6.3 في المائة). أما في البحرين فتشير بيانات مجلس التنمية الاقتصادية إلى نمو القطاع غير النفطي بنسبة 3.9% في 2015 في حين بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام 2015 معدل 2.9%. وبلغ النمو في قطاع البناء نسبة 6.4%، وقطاع الخدمات الاجتماعية والخاصة -الذي يتضمن بشكل أساسي التعليم الخاص والرعاية الصحية الخاصة - نسبة 6.9%، وقطاع الفنادق والمطاعم نسبة 7.3% إذ حققت جميع هذه القطاعات نمواً قوياً على أساس سنوي. كما احتفظ القطاع الخاص بدوره المحوري في تحقيق النمو الاقتصادي للمملكة من خلال مساهمته بما يقارب 3% من إجمالي النمو في عام 2015. انخفضت حصة القطاع النفطي من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لتصل إلى 19.7%، مقابل نحو 80% للقطاع غير النفطي مما يعكس جهود التنويع الاقتصادي. وبلغت حصة قطاع الخدمات المالية من الناتج المحلي الإجمالي 16% وحصة قطاع الصناعات التحويلية 15% وقطاع البناء 7%، وقطاع المواصلات والاتصالات 7%، وقطاعا الخدمات الاجتماعية والخاصة والأنشطة العقارية والتجارية 6%. وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة والإصلاحات الاقتصادية الجاري تنفيذها، فإن المطلوب ليس فقط توجيه المزيد من الاستثمارات للقطاعات غير النفطية الراهنة، بل السعي لتعزيز دور القطاعات غير النفطية القادرة على توليد وظائف مجزية لباحثي الوظائف من الشباب الخليجي. فلا بد أن تتزامن جهود تنويع الاقتصاد مع ارتفاع مسيرة خلق الوظائف للمواطنين، وهو التحدي الرئيسي في الوقت الراهن. الاقتصادات الخليجية تنبهت إلى أهمية تنمية القطاعات الصناعية غير النفطية