يتنافس المشاركون في لعبة «المونوبولي» على شراء الأراضي المقسّمة على لوحة اللعبة. وفي النهاية يمتلك الفائز كل هذه الأراضي، قاهراً خصومه. لعل فكرة اللعبة كانت سبب اختيار المخرج بدر الحمود «مونوبولي» عنواناً لفيلمه القصير الجديد. عبر هذا الفيلم يعود الحمود إلى شاشة «يوتيوب»، بعد فيلمه السابق «التطوع الأخير» الذي صاحب انتشاره جدل واسع. وعبر الكوميديا السوداء، يسلط «مونوبولي» الضوء على قضية الإسكان، التي تعانيها فئة كبيرة من السعوديين في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وبالتالي المساكن، فساق الهمّ الشعبي الفيلم إلى تحقيق انتشار لافت إذ شاهده حوالى مليون شخص بعد أقل من أسبوعين على طرحه. تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الشبان، تختلف قصصهم لتلتقي عند المشكلة نفسها، وهي العجز عن تأمين السكن، إذ تختار الشخصية المحورية في الفيلم السكن في سيارة من نوع «فان» تتنقل بها بين الشاطئ وأحياء راقية، ويوفر صاحبها لنفسه، داخل المركبة، سريراً للنوم مع مستلزمات الحياة الأساسية. لكنه يكتشف سوء وضعه بعد أن يقرر الزواج إذ لا يجد من تقبل العيش معه في هذه الأوضاع. وفي واحد من الإسقاطات الكثيرة التي يتضمنها الفيلم، يعمل البطل السعودي الثاني مدرب كرة القدم في البرازيل، مستعيناً بما يملكه من خبرة محلية. وقرار هجرته يأتي مبنياً على فشله في العثور على سكن. هكذا، تتعامل شخوص الفيلم المختلفة مع المشكلة ذاتها، وكل على طريقته، بحثاً عن حل جذري. سخرية وجدية وعلى رغم السخرية التي تغلف أجواء الفيلم، فإنه استعان بالكاتب الاقتصادي عصام الزامل ليبدي وجهة نظره في قضية أزمة السكن. وهي الخطوة التي يبدو أن المخرج أراد منها إضفاء المزيد من الجدية على أحداثه، ما ساهم في خروج الفيلم مدعماً بآراء علمية مختلفة وبإحصاءات دقيقة تدل على المجهود المبذول في الإنتاج. هنا رجال يرتدون الزي السعودي، في أفخم صورة، يحاولون الانقضاض على مواطن فقير... يتحول البشر في المشهد إلى وحوش، وهذه هي اللقطة التي قرر الحمود أن يختم بها عمله، إذ سعى إلى تشبيه الجشعين من تجار الأراضي بالوحوش. وفي شكل عام، حقق الفيلم نجاحاً مميزاً، إذ يتجاوز عدد متابعيه اليوم المليون شخص، على رغم أن عرضه الأول انطلق قبل أسبوعين فقط. ويؤكد الحمود، في حديث تلفزيوني، أن اختيار العنوان كان متعمداً، كون «مونوبولي» تعني الاحتكار. وأوضح أنه استشار اقتصاديين قبل تصوير الفيلم «بقصد التحقق من صحة المعلومات التي توصلنا إليها»، رافضاً تهمة المبالغة في المعالجة، ومشدداً على أن «المبالغة، إن حدثت، فهي ليست مستغربة، كونها من طبيعة الكوميديا السوداء التي تهدف إلى إيصال الفكرة في شكل مضحك وساخر مع الاعتماد على تصوير الواقع». وعن الكلفة المالية لإنتاج الفيلم، قال الحمود: «لعلني أفاجئكم بالقول إن الفيلم لم يكلف شيئاً، فالممثلون متطوعون، وقد حرصوا من خلال مشاركتهم على تقديم تجاربهم الشخصية». تفاؤل بتجاوب المسؤولين والتقت «الحياة» كاتب سيناريو الفيلم ومساعد المخرج عبدالمجيد الكناني، الذي قال إن «رد فعل المتلقين أشعرني بسعادة بالغة، كوننا كفريق استطعنا ملامسة قضية تشغل الناس. وأتمنى أن يصل الفيلم إلى المسؤولين ليتفاعلوا مع القضية بوعي، فيُنظر في المشكلة بجدية». وعن فكرة العمل، قال: «الفكرة كانت متداولة قبل حوالى سنة، لكن العمل الفعلي عليها انطلق قبل سنة تقريباً»، موضحاً أن تسيير الفيلم على نمط الكوميديا السوداء «كان هدفاً من أهدافي، كوني مؤمناً بأن الكوميديا هي أصعب الفنون وأرقاها، لذلك أعتمدها في المسرح والسينما على حد سواء. وقد أولينا جمالية الصورة اهتماماً شديداً، كما حرصنا على الإبداع في إيصالها إلى الجمهور، وكانت هذه مهمة الحمود في المقام الأول». ولا يقلق هذا النجاح الكناني، على رغم أنه يأتي بعد نجاح الفيلم السابق مع الحمود «التطوع الأخير»: «بكل تأكيد أن ذلك يضعنا أمام تحد كبير، لكن الفن بحر لا ينضب، وبإذن الله سنغرف من هذا البحر ما يليق ونقدم أعمالنا المقبلة بكل صدق وجدية». أما الكاتب الاقتصادي عصام الزامل، فيقول: «اقترحت قبل مدة على بدر الحمود أفكاراً عامة، حول تصوير فيلم وثائقي تقليدي عن أزمة السكن واحتكار الأراضي، لكنه فاجأني قبل أشهر بفكرة جديدة تحقق الغرض ذاته، وهي فكرة الفيلم الوثائقي الكوميدي الممزوج بمشاهد توضيحية جادة. وكانت الفكرة غريبة بالنسبة إلي، بل أني قلت لبدر إن المزج قد يضر بالفيلم، لكنه كان واثقاً من نجاح الفكرة ونجاح المزج، وفعلاً صُوّر لقاء توضيحي معي، وأضافه بدر إلى الفيلم بأسلوب محكم، فكان له دور في إيصال الرسالة». ووصف الزامل ردود الفعل بأنها استثنائية، قائلاً: «شخصياً لم أشاهد مثيلاً لهذا التفاعل، فالفيلم بات في وقت قصير حديث الشارع». وأبدى تفاؤله بتجاوب المسؤولين. وعن لب المشكلة، أي أزمة الإسكان، وحلّها الأمثل قال: «لو حُلّت مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي، فستُحلّ مشكلة الإسكان كلياً، وأي حلول أخرى لا تعالج جوهر المشكلة، أي ارتفاع أسعار الأراضي، لن تكون لها فائدة تذكر».