زائر "معرض الستة" الثاني المقام في "اتيليه جدة للفنون الجميلة" سيقف مبهوراً امام التجارب التي جسدها الفنانون، فالستة المشاركون يتكئون على تجارب فنية عميقة ومتميزة، مبحرين في مدارس فنية متعددة، مقدمين ألواناً من الابداع الفني المتمايز على مستوى الشكل او اللون او التكوين. وسواء من وجد نفسه في التجريد او نصف التجريد، او الهندسة القريبة من التكعيب وتحليل عناصر الطبيعة، او الرمزية او الحس السوريالي وعالم الاحلام، والمزج بين الشعور واللاشعور. فكل فنان من المشاركين له خطابه الخاص المتبلور في الشكل كأداة للتواصل... هذا ما توحي به اعمال "الستة" في مجموعها. يشارك الفنان بكر شيخون بثلاثة اعمال هي: السلم المقلوب، الميزان والغرفة. وبهذه الاعمال يتواصل بكر شيخون مع تجربته التي بدأها عام 1986 متقاطعاً مع التجارب العالمية. وفي هذه الاعمال الثلاثة لبكر شيخون يتماس الفن مع الواقع السياسي العالمي. فالسلم المقلوب مصطلح سياسي تعرفه دول العالم الثالث، كما ان الميزان الذي لا تستقر كفتاه عبر وجود كتلتين مختلفتي الحجم تتغلب فيه قوة واحدة على الكتلة الاكبر حجماً اشارة الى انقلاب مفاهيم الوجود او تغلب قوة واحدة على بقية القوى. ويأتي عمل الغرفة مجسداً عبثية الاشياء. فالعمل عبارة عن غرفة يدخلها الزائر ويغلق على نفسه ويقوم بنفخ بالون ويتركه ينفجر عند اسفل قدمه ويخرج. هذا الفعل العبثي ربما يسوقنا الى عبثية الواقع اذ يبحث المرء عن اي شيء يفعله حيال احداث ليس له منها سوى المشاهدة ويتحول فعله حالياً الى نوع من المشاركة في صوغ احداث مضحكة لا تستهدف سوى الانغلاق والانفجار. ويأتي طه صبان محملاً بخبرة طويلة يحاول اختزانها من خلال اللوحة ذات العمق او الثنائية التي ترفض الوحدة فيشكل بعداً انسانياً من خلال اللون في تمازج تجريدي يدخل المتلقي في تداعيات لونية لتلك التيمة التي تشكل البعد الفني للوحة، متعمقاً في تأسيس لغة تشكيلية تسعى الى ارساء حوار اللون وتلك الخطوط التي تحرض ثنائيتها المتلقي للتواصل مع الحميمي الابعاد العميقة في اللوحة. ويواصل عبدالله حماس اللعب على التشكيلات التراثية متخذاً من المستهلك خلفيات للوحته. ويقوم بتشطير العمل تشطيراً يمنح المشاهد القراءة بانفصال الماضي عن الحاضر من خلال ذلك التشطر والألوان الباهتة في جزئيات من اللوحة. وتعمد شاليمار شربتلي الى اللون الصارخ في تشكيلات مستفزة لخلق الدهشة لدى المتلقي موحية ان اللون يمكن ان يتحول الى صراخ دائم. واعتمدت في لوحاتها الألوان الحارة التي تحرك الساكن وتبعث فيه الحياة، وتقابلها الفنانة رائدة عاشور بتجسيد الفن الهادئ القائم على الرقة المتناهية بتجسيد العالم المثالي من خلال تكوينات هندسية باردة اللون. اما الفنان عبدالله الزهراني فيدخل بتجربته الاولى فاتحاً لوحاته على تشكيلات لونية مدهشة وبانسيابية محرضة للدخول الى عالمه اللوني الغامض الذي يتقاسمه الظلام والضوء.