ليس تحيّزاً للمرأة، ولكن الواقع يقول إن السيدات في مصر أكثر قلقاً على الوقت من الرجال، لا سيما المرأة العاملة التي تبذل جهوداً شاقة للتوفيق بين أعمالها الأسرية والتزاماتها ومسؤولياتها، فلا تجد وقتاً مناسباً للراحة. هذا ما أسفرت عنه دراسة أولى من نوعها عن "موازنة الوقت" لدى المصريين رسمت صورة لإيقاع الحياة تعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وأظهرت الدراسة التي قدمها مركز الابحاث الجنائية والاجتماعية ان التلفزيون أهم ما يشغل الأسرة المصرية في الاجازات الاسبوعية والسنوية، وأن معظم المصريين يفضلون العمل يوم العطلة في مقابل زيادة الأجر، وذلك استجابة للضغوط الاقتصادية. ومعروف أن الدول المتقدمة تهتم بدراسات تخصيص الوقت او موازنة الوقت وكيفية توزيعه على الانشطة المختلفة التي يمارسها الأفراد. فالوقت ثروة قومية، وأسلوب استغلال الافراد له وتوزيعه على الانشطة المختلفة يؤثر على الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع. وتقول الخبيرة في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الدكتورة ليلى عبدالجواد، وهي احدى المشاركات في الدراسة، إن الوقت الذي يعيشه الانسان ينقسم الى عناصر يختص بعضها بالعمل، والبعض الآخر بمتطلبات الحياة، من تناول الطعام والنوم والرعاية الشخصية، وإدارة شؤون المنزل، وقضاء الالتزامات المختلفة الاسرية والاجتماعية، وما يتبقى فهو الوقت الحر أو وقت الفراغ. أجريت الدراسة على 2000 شخص تتراوح أعمارهم بين 20 و70 عاماً، وكان السبب وراء استبعاد من هم دون ال20 عاماً أن تخصيص الوقت للأطفال والمراهقين يتم بطريقة مختلفة، كما تم استبعاد الافراد الذين تزيد أعمارهم على 70 عاماً، وروعي أن يكون أفراد العينة من العاملين والعاملات وربات البيوت المتفرغات المنتمين الى مستويات تعليمية واجتماعية متباينة. وتشير عبدالجواد الى أن نتائج البحث أبرزت ان العمل يلعب دوراً حيوياً في تنظيم الوقت، وبلغ متوسط ساعات العمل نحو 7 ساعات للجنسين في اليوم، وأن عدداً من العاملين من الجنسين يعملون مساء ومنهم من يعمل في عطلة نهاية الاسبوع، ومعظم العاملين من الجنسين يرفض تقليص وقت العمل في مقابل مزيد من وقت الترفيه اذا كان ينطوي على انخفاض في الدخل. واتضح ان النساء أكثر ميلاً للحصول على وقت حر يستطعن من خلاله توزيع التزاماتهن الأسرية، كما أن الرجال يعملون ساعات عمل فعلية تفوق ساعات عمل النساء في جميع المهن، عدا فئة عمال الخدمات، اذ زادت نسبة النساء عن الرجال. واذا كان الرجال يعملون ساعات عمل فعلية اكثر من النساء، إلا أن مساهمتهم في الاعمال المنزلية والانشطة المرتبطة بها اقل منها لدى النساء، ويعتمد عدد من العاملات وربات البيوت المتفرغات على الأقارب لمساعدتهن في تحمل الأعباء الاسرية، واللافت أن نحو 4،12 في المئة من ربات البيوت المتفرغات يعتمدن على الخدم لمساعدتهن في المهام الاسرية، في حين انخفضت جداً نسبة العاملات اللواتي يعتمدن على الخدم. وأثبتت الدراسة قلة الوقت الذي يمضيه الآباء والأمهات في رعاية الابناء، فالوقت المتبقي بعد ساعات العمل الطويلة للجنسين لا يترك فسحة كافية لرعاية الابناء. وبشكل عام انخفضت نسبة الذين يساعدون الابناء في المذاكرة، وقد يعود ذلك الى انتشار الأمية بالاضافة الى انشغال الآباء في العمل خارج المنزل. واذا انتقلنا الى مشاركة الرجال في حل مشكلات الابناء نجدها لا تتعدى 27 في المئة مقابل 38 في المئة من جملة النساء، وإذا انتقلنا الى الالتزامات الاجتماعية الاسرية نلاحظ أن نسبة اداء النساء لهذا النشاط اعلى من نسبة الرجال، في حين يفضل الرجال مقابلة الاصدقاء. وتقول عبدالجواد إنه في ظل الظروف الاقتصادية المجتمعية التي يمر بها المجتمع المصري مثل ارتفاع الاسعار وزيادة معدلات البطالة، وتضخم المسؤوليات الاسرية التي تشكل عبئاً على المرأة العاملة خلال العمل لبعض الوقت أفضل بديل اذ انه يقدم دخلاً اضافياً للأسرة، بالإضافة الى اتاحة قدر أكبر من الوقت للترفيه، ويمكن طرح بديل العمل من المنزل بدلا من التردد على مكان العمل يومياً. ومع ان العمل من المنزل يحرم العاملات من الاستمتاع بيوم العمل، كما انه يقضي على فترات راحة المرأة ووقت فراغها للتداخل بين وقت العمل والوقت الحر، اذ يؤثر وقت العمل من المنزل حتما على الوقت المتاح للراحة، ما يدعو الى التفكير في سبل اسهام الرجال في القيام بالأعباء الأسرية، أو بمعنى آخر كيف يغير الازواج استخدام وقتهم بحيث تستطيع الاسرة ان تحقق توازنا في استخدام وقت الترفيه والاعمال المنزلية وخدمات رعاية الاطفال والاهتمام بهم. وعن الوقت المخصص للاحتياجات الفيزيولوجية يتضح أن ساعات النوم تستحوذ على جزء كبير من ساعات اليوم، وبلغ متوسط ساعات النوم نحو ثماني ساعات يوميا، وبلغ متوسط الوقت الذي يستغرقه تناول الطعام 67 دقيقة يومياً مع عدم احتساب الوقت المنفق في إعداد الطعام والتجهيز له. وبشكل عام فإن متوسط الوقت المنفق على الأنشطة الثلاثة النوم والطعام والرعاية الشخصية هو نحو 39 في المئة من ساعات اليوم. وتؤكد عبدالجواد على أهمية أوقات الفراغ والأنشطة المختلفة التي يمارسها الفرد، والقدرة على الاستمتاع بوقت الفراغ، اذ أن ذلك ينعكس تلقائياً على مدى كفاءته واتقانه للعمل، وقد تبين أن 15 في المئة من العاملين يفتقدون العطلة الاسبوعية و23 في المئة منهم لا يحصلون على اجازة سنوية. وتبين أن الاسترخاء يأتي في قمة الانشطة التي تمارسها الاسرة في الوقت الحر يوم العمل العادي، وشغل التلفزيون المرتبة التالية مع اقبال اكبر من جانب السيدات، لا سيما ربات البيوت استحوذ على اهتمام الاسرة ايام العطلات الاسبوعية. واحتفظ التلفزيون بتلك المرتبة اثناء الاجازة السنوية وإن تفوق عليه قليلاً اقبال الأفراد على السفر. وبمراجعة خريطة الترفيه لدى المصريين، نجد قلة الاقبال على الاطلاع والقراءة، فهي الى جانب ارتباطها بمستوى التعليم تحتاج الى مناخ مادي وفكري قلما يتوافر، كما أن التعود على ممارسة القراءة في الوقت الحر يبدأ مع الفرد منذ الطفولة وتحض عليه الاسرة والمدرسة، كما تراجع الحرص على ممارسة الرياضة نظراً لعدم الوعي بأهميتها وكلفتها. ويرى نصف أفراد العينة أن المصريين بشكل عام لا يحافظون على المواعيد ولا ينظمون وقتهم، وأيد أكثر من ثلاثة ارباع العينة التزامهم بميعاد العمل. اما عن موقف الافراد من تصرفات الآخرين بالنسبة للوقت، فجاء أن 46 في المئة من أفراد العينة يتسامحون في شأن المواعيد المتأخرة، وكانت المرأة لاسيما الاقل تعلماً أكثر تسامحاً. وبالنسبة لاستقبال الصديق الذي يأتي في زيارة من دون موعد سابق رحب الافراد بنسبة بلغت 5،93 في المئة بالزيارة، بل وأعربوا عن سعادتهم بها ما يشير الى تأثير العامل الثقافي بما يتضمنه منكرم وحُسن ضيافة.