كنا نجلس في مطعم أوروبي في وسط المدينة، وكان كل شيء جميلاً، أفطرنا بالكرواسون والكابوتشينو، وقرأنا الصحف الأجنبية. ثم تحدثنا في أمور عدة حتى حصل وقت الغداء، فتغدينا بالسلطة المشكلة والزبدة والخبز، ثم دخلت مريم وحيتني فحييتها وأبعدت نظري عنها: - هل كانت صاحبتك ؟ - سألتني. - لا، لم تكن. - إذاً لماذا ارتبكت حينما دخلت؟ - لم أرتبك. - إذاً لماذا ارتبكت حينما سألتك؟ قالت ثم ضحكت. بعد ذلك دخل أحمد ومعه زوجته فحيياني وصافحاني ولم يحيياها ولم يصافحاها، ثم سألني أحمد: - هل أنت ما زلت كما أنت؟ - تقريباً، قلت متهرباً من الإجابة عن سؤاله. - لماذا لا تتصل لنراك؟ سألتني زوجته. - ظروف مربكة. ثم أنني لم أدعوهما ليجلسا معنا. - هذه المرة أنت ارتبكت. - نعم، ارتبكت. - لماذا؟ - لم أكن أتوقع رؤيته. - فقط؟ - ماذا تقصدين؟ - أقصد أن أغلب من يدخلون المكان ممن يعرفونك وأنت لا تتوقع رؤيتهم لأنه لا يوجد موعد معهم، فلماذا إذاً هو بالذات أربكتك رؤيته؟ - هل تريدين معرفة كل شيء؟ - ليس كل شيء تماماً، ولكنني أريد أن أفهم. - هو كان أقرب أصدقائي، والآن أصبح ناجحاً، وأصبحت أنا فاشلاً - أقصد من وجهة نظره - لذلك أصبح يشعرني بالفشل كلما قابلته. - أنا أعرف أنك لست فاشلاً لأنني أعرفك، ولكن متى ستثبت للجميع أنك لست فاشلاً؟ - ما زلت أحتاج بعض الوقت. - لا يوجد وقت لتنتظره. انتظار الوقت قد يضيعك أكثر. إما أن تفعلها الآن، وإلا فقد لا تفعلها أبداً. أخذت أحدثها عن نسبية النجاح والفشل، عما أقصده حينما أتحدث عن حاجتي لبعض الوقت، لكنها ربما لم تفهمني، وربما لم أفهم أنا حينها معنى الجملة التي قالتها رداً عليَّ، لأتوقف عن الحديث المطول وأعدها مرة أخرى أنني سأفعلها، وسأصبح ناجحاً. ذهبتُ بعدها الى دورة المياه، وعُدتُ لأجدها قد طلبت الشيك، وكان بيدها، حاولت ان أسحبه منها لكنها رفضت: - خلاص.. حاولت مرة أخرى، وأنا أضعُ يدي على يدها: - أنا قلت خلاص يعني خلاص. وتغير وجهها للحظة ثم عاد إلى طبيعته وابتسمت لي، ثم وضعت الشيك داخل حقيبتها واضعة بداخله الحساب بحرص على ألا أطلع على المبلغ الذي وضعته، حينما خرجنا من المطعم، كان المساء قد حل، قلت لها: - حينما كُنا في المطعم نسيت أين كنا. نسيت حتى أن المطعم يقع في وسط المدينة. كنتُ أنظرُ لها مفتوناً بجمالها، كما كُنتُ مفتوناً بها دائماً من قبل، وكان جسدها يرتجف وهي تنظر لي مبتسمة وعيناها دامعتان، وكان عليّ أن أوقف لها تاكسياً لتعود إلى البيت، وفعلت ذلك، وبينما أودعها استعجلنا السائق: - لا تقلقني عليك، قالت لي. - لا تقلقي. ثم قررت: - سأركب معك. وعند الإشارة الأولى التي قابلتنا بعد تحرك التاكسي والتي كانت حمراء نزلت. * كاتب مصري.