تتكدس سنوياً آلاف الطلبات في دوائر العمل العامة والخاصة لتضاف الى سابقة ارقت الحكومة التى سعت الى فتح الطريق امامها لتوديع حياة البطالة وتوفير اعمال. وحققت تلك الخطوات نجاحات لكنها مرت بثغرات والتواءات مارسها القطاع الخاص العُماني، الذي دعمته الدولة بامكاناتها حتى يقف على رجليه. وانتشرت بين الشركات مافيات تراوغ للتهرب من النسب التي فرضتها الحكومة على القطاع الخاص وتستغل مخصصات التدريب التي تقدمها الحكومة، ما جعل من هذا القطاع شيئا منفراً لطالبي الوظيفة الذين قد لا يحصلون على اكثر من مصاريف تنقلاتهم وتغذيتهم الخاصة. وحاولت الحكومة العُمانية اكثر من مرة تجربة طريقة البتر على رغم ما سببته من مشاكل، فمنعت اصدار تصاريح العمال الجدد من الاجانب و"عمنت" وظائف محددة لا يشغلها الاجنبي نهائياً وقدمت اعفاءات ضريبية للشركات الملتزمة بنسب التعمين لكن فتح ملف هذا القطاع اظهر نتائج وممارسات سلبية خطيرة. ومع الدخول الى الالفية الجديدة سعت الحكومة العُمانية الى اتخاذ خطوات اكثر عملية للسير في طريق التعمين، والحد من عدد العمال الاجانب في الاسواق المحلية، ومنحت الطبقة العاملة غير المشروعة فرصة "مغادرة البلاد سلمياً" فرحل 12 الف عامل ولا يزال اكثر من 60 الف عامل غير مشروع يسرحون في انتظار مداهمة فرق التفتيش المشكلة لهذا الغرض، علما ان عدد العمال الذين يعملون بصفة مشروعة تجاوز 600 الف عامل. واستنفرت الحكومة جهودها في تشرين الاول اكتوبر ونظمت ندوة تشغيل القوى الوطنية التي جاءت بأوامر مباشرة من السلطان قابوس وتحدث فيها اكثر من 10 وزراء، ودخلوا مناقشات مع وسائل الاعلام والمواطنين تناولت خطة الحكومة المستقبلية للتقليل من آثار هذه المشكلة. وبعد ثلاثة أسابيع من المناقشات خرجت الندوة بتوصيات رفعت الى السلطان قابوس الذي اكد انها ستجد طريقها الى التطبيق. وتنص التوصية الاولى على ضرورة البدء في تعمين الوظائف المحاسبية والفنية والهندسية في شركات ومؤسسات القطاع الخاص والتوسع في تعمين وتوطين المهن والأعمال التي يمكن أن يشغلها العمانيون من خلال الاستمرار في أسلوب التشغيل والإحلال التدرجي للعمال المواطنين بحظر بعض المهن على الوافدين بصورة مدروسة وبالتنسيق مع القطاع الخاص، وأن يقتصر تأجير وإدارة وتشغيل المقاهي والمقاصف والأنشطة المماثلة التي تؤجرها الحكومة على العُمانيين فقط. واكدت التوصية الثانية على اهمية الالتزام بنسب التعمين المستهدفة للقطاعات والنشاطات الاقتصادية ومراجعتها وتطويرها دورياً بغرض الارتقاء بها مع الأخذ في الاعتبار مستجدات الوضع الاقتصادي واحتياجات سوق العمل، والتأكيد على ضرورة أن يستهدف التعمين مجموعات مهنية معينة يتم تحديدها وفقاً لنواتج البرامج التعليمية والتدريبية. وتطرقت التوصية الثالثة الى اعتماد معيار التعمين كأولوية عند إسناد المناقصات الحكومية وتعميمه على الوحدات والجهات الحكومية. واكدت الرابعة على اعطاء الأولوية عند المفاضلة بين المشاريع الإنتاجية والاستثمارية المراد إقامتها لتلك المشاريع التي توفر فرص عمل أكبر للقوى العاملة الوطنية. ورأت الخامسة انه من أجل الدفع بعملية التعمين لا بد من الشروع بصفة عاجلة بتعمين الوظائف القيادية في مؤسسات وشركات القطاع الخاص على أن يتم البدء بمسؤولي الإدارات التي تختص بشؤون الموظفين في الشركات والمؤسسات الأخرى، وركزت التوصية السادسة على إنجاز قاعدة متكاملة لبيانات سوق العمل وتوفير الدعم لإنجاز السجل الوطني للقوى العاملة الوطنية. واشارت التوصية السابعة الى اهمية تطوير الكفاءة الفنية والإدارية للأجهزة المختلفة بقطاعي العمل والتدريب المهني بهدف تفعيل دورها في تنظيم سوق العمل وتطوير آليات تشغيل ورعاية القوى العاملة الوطنية. وفي مجملها ركزت التوصيات الباقية على العمل مع القطاع الخاص لتطوير التشريعات العمالية وتحديثها بما يتواكب مع وضع سوق العمل المحلية وتطوراتها الحالية والمستقبلية، والإسراع في إصدار قانون جديد للعمل والتأكيد على أن يراعى عند تخصيص المرافق والخدمات الحكومية استيعاب العاملين العمانيين مع وضع خطة محددة لتدريب وتأهيل العمانيين لرفع نسبتهم في مجموع العاملين، على أن يكون ذلك أحد البنود الرئيسية عند إبرام اتفاقات التخصيص وتعميم تجربة تعمين القطاع المصرفي على القطاعات الأخرى المماثلة التي لديها مقومات وإمكانات لتحقيق ذلك، كقطاعات التأمين والوساطة المالية ومحلات الصرافة والمؤسسات المالية وقطاع السياحة. وفي مجال دعم مشاريع المبادرات الفردية والتوظيف الذاتي أوصت اللجنة بأن يتولى برنامج "سند" تنمية المشاريع الفردية والصغيرة وإعداد البرامج والخطط اللازمة لدعمها، والعمل على توفير حزمة متكاملة من التمويل والتدريب والدعم الفني والإداري والتسويق وتوجيه المواطنين وإرشادهم بهدف إنجاح هذه المشاريع وتنمية روح المبادرة والاعتماد على الذات في مجالات العمل، وإقامة حاضنات وورش للنشاطات والمهن الإنتاجية والخدمية والحرفية بالقرب من التجمعات السكنية والمهنية والصناعية على أن تُراعى طبيعة النشاط والتخصص المهني واستثناء الأعمال الفردية الإنتاجية والخدمية والحرفية من خلال العمل في المنازل من إجراءات الترخيص والتسجيل المعتادة، ودعم وتشجيع مشاريع البحث والتطوير والابتكار والاستفادة من قدرات الباحثين في تلبية حاجات المستثمرين لتحويل الأفكار البحثية والتقنية وابتكاراتها إلى مشاريع عملية ممكن تنفيذها وذات عائد مجز بالتنسيق مع مركز الإبداع في جامعة السلطان قابوس، ومراجعة السياسات والتشريعات الحكومية الحالية المرتبطة بتأسيس المشاريع من حيث تبسيط الإجراءات والشروط الحكومية ومراجعة الرسوم الحالية بالتنسيق مع جميع الجهات الحكومية ووضع تصنيف موحد لتحديد المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والمشاريع الفردية، وتسهيل إجراءات التمويل للمشاريع الفردية والصغيرة والحرفية بما في ذلك المنح والقروض والإجراءات الضريبية، والضمانات، والإجراءات المتعلقة بالاستثمار. وعن التعليم والتدريب حضت الندوة على ضرورة إتمام مراحل التعليم الاساسي وتفعيل برامج محو الأمية مع الاهتمام بنوعية التعليم العالي الحكومي وزيادة الطاقة الاستيعابية لمؤسساته لتنمية القوى البشرية وتلبية احتياجات التنمية من التخصصات العلمية المطلوبة في سوق العمل وتطوير البرامج والمناهج التدريبية بمشاركة القطاع الخاص وتوسيع دوره في مجال تأهيل وتدريب القوى العاملة وتشجيعه على تطبيق أنماط جديدة من التدريب كالتلمذة المهنية والتدريب على رأس العمل بالمساهمة في ما بين المراكز والمعاهد التدريبية والكليات التقنية من جهة والمؤسسات الإنتاجية من جهة أخرى، وزيادة عدد مراكز التدريب المهني والتوسع في التخصصات المهنية للتدريب والارتقاء بمستوياتها ونوعيتها وذلك لتلبية حاجات القطاعات الاقتصادية من الكفاءات المؤهلة اضافة الى إنشاء ورش عمل إنتاجية ملحقة بمراكز التدريب المهني والكليات التقنية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتدريب المهني، بهدف التدريب على رأس العمل لممارسة المهنة بشكل عملي مع اعطائها الأولوية في إسناد أعمال الصيانة الحكومية البسيطة وتوفير فرص دراسية وتدريبية في مؤسسات التعليم الحكومية للعاملين العمانيين في القطاع الخاص وذلك بهدف تعمين المناصب القيادية في تلك المنشآت.