على طاولتين متجاورتين في أحد مقاصف الجامعة المصرية جلست مجموعتان من الطلاب والطالبات المنتمين إلى كليات مختلفة يتجاذبون أطراف الحديث. على الطاولة الأولى، ومعظم الملتفين حولها من الطلاب الذكور، كان الحديث حامياً ومشتعلاً، لدرجة أن مشهدهم كان أقرب إلى المناقشات والحوارات الطالبية الجادة التي كانت تحرك الحركات الطالبية في الجامعات المصرية في الستينات والسبعينات والثمانينات. قال أحدهم: "بأي حق يسمح السفاح شارون لنفسه بقتل المدنيين، وتشريد الأحياء منهم؟"، وعلق آخر: "أين الحكومات العربية والشعوب المسلمة من كل هذا؟"، وتدخل ثالث فقال: "إن ما يحدث في أفغانستان قد ينتقل إلى منطقتنا العربية بين ليلة وضحاها". وقالت الفتاة الوحيدة بحياء: "يا جماعة يجب أن نفعل شيئاً". وفي الأفق البعيد، لاحت جموع من الطلاب تحمل لافتات معادية لإسرائيل ومنددة بالسياسة الأميركية، ومناهضة لقصف أفغانستان. وعلى الطاولة المقابلة، جلست مجموعة الفتيات والتففن حول إحداهن التي تحمل كتيباً صغيراً، وتعالت تعليقاتهن: "هذا اللون آلامود هذا العام"... "لكنه لا يناسب بشرتي". "لا لا، سيكون جناناً عليك". ويتضح أن الكتيب صادر عن إحدى شركات التجميل التي تبيع منتجاتها من خلال الطلب الشخصي، والتي تستنفذ الجانب الأكبر من مصروف طالبات الجامعات. وفي القاعة الصغيرة حيث دأبت جماعة الشعر العربي على عقد اجتماعاتها وقف أحد أعضاء الجماعة يتدرب على إلقاء قصيدته الجديدة. حبيبتي/ رمشها حياة/ عينها حياء/ فمها فناء/ تناديني/ أهرع إليها /ألمسها/ أحتضنها/ لكنها/ سراب أما زميلته في الجماعة، فكانت تستشير زميلاً لها في صوغ إحدى كلمات قصيدتها الجديدة "رثاء الدماء": سالت دماؤهم/ وانهرمت دموعهم/ ووقفت أنا/ مكتوفة المنى/ أندب حظهم / اصحوا يا عرب/ فقد يجيء دوركم وغاصت في مداولة طويلة هل تستخدم عبارة "يجيء" أم "يحين"؟ وفي مقهى الانترنت المتاخم للجامعة، اكتظ الرواد من الطلاب الذين تسمروا أمام شاشات الكومبيوتر المتراصة في صفوف مستقيمة. أخذ الأول يبحث في موقع "ياهو" عن أحدث التحليلات والتعليقات المكتوبة من جميع أنحاء العالم حول الجمرة الخبيثة وانتشارها وطرق الوقاية. وانشغل الثاني بتصفح محتوى الانترنت الخاص بالمباراة المتوقعة بين الإنكليزي "مانشستر يونايتد" والاسباني "ديبورتيفو لاكورونيا". أما الثالث فتظاهر بأنه يبحث عن معلومة دقيقة على الشاشة، وحمل ورقة كبيرة بيده اليسرى فخبأت الجانب الأيسر من الشاشة، بينما وضع أصبعاً من يده اليمنى على الشاشة فأظلمت، ودفس رأسه لتلاصق الشاشة التي يبدو أنها حوت بضع صور من أحد المواقع المثيرة والساخنة. وجلست زميلة له أمام الجهاز التالي تكتب رسالة الكترونية تعلق بها على إحدى الرسائل الواردة في غرفة من غرف الدردشة هاجم صاحبها الإسلام والمسلمين ونعتهم ب"الإرهابيين". وفي مقهى ملاصق يقدم المشروبات وليس الانترنت لطلاب الجامعة، جلس طالب وطالبة على مقعدين متلاصقين يهمسان في ما بدا أنه حديث حميم تطغى عليه مشاعر الحب والهيام والوعود المستقبلية. وفي الجهة المقابلة في المقهى نفسه، جلست ثلاث فتيات يرتدين الخمار قالت إحداهن: "لا يحق لأحد أن يمنعنا من ارتداء النقاب، هذه حرية شخصية". وردت زميلتها: "لكن كيف يمكنهم التحقق من شخصياتنا لدى دخولنا الحرم الجامعي؟". فقالت الثالثة بإصرار: "الأمر سهل، عليهم الاستعانة بموظفة أمن يمكنها أن تتحقق من شخصية من تشك فيها". وفي متجر الملابس الجاهزة المجاور للمقهى، وقفت مجموعة أخرى من الفتيات يتفقدن محتويات المتجر. وبدا كأنهن يرتدين زياً موحداً، وإن اختلفت الألوان. سراويل بلاستيكية الشكل، مطاطية الملمس، ملتصقة القوام، وتنسدل إلى أسفل في ما يشبه نبات عين الغراب المقلوب، القمصان قصيرة وتبدو كأنها طبقة زائدة من الجلد البشري. أما الصنادل، فقوالب من الطوب الليّن التي تطل منها أظافر لأصابع مدهونة بألوان قرمزية. وعلى الرصيف المقابل وقفت حشود الطلاب والطالبات على محطة الباص، وكلما توقف الباص المطلوب تنجح مجموعة في حشر نفسها في الداخل، وهو ما تفشل فيه البقية، التي يحاول بعضها ايقاف احدى سيارات الميكروباص السيرفيس الطائرة في الشارع ليندس في السنتيمترات المتوافرة للجلوس بين راكب وآخر. وتنفضُّ لحمة المجموعات المتراصة أمام المحطة لتفسح الطريق لسيارة فارهة تتبع عائلة "كرايزلر" يقودها طالب بالغ الوسامة والأناقة، وزين المقعد المجاور له بزميلة له بدت على وجهها ملامح الانتصار وكيد العوازل. وفي الليل، سهر البعض امام شاشات التلفزيون يقلب بين قنواته الفضائية ذات الطابع الإخباري، يلهث وراء شريط الاخبار الذي يذيل الشاشة بحثاً عن الأحداث في اخبار قصف الافغان، وقتل الفلسطينيين، وارسال الجمرة الخبيثة للاميركيين، فالنزاع المرتقب بين الهنود والباكستانيين. آخرون ثبتوا مقاعدهم امام شاشة MBC انتظاراً لجورج قرداحي وأسئلته ذات المليون. فريق ثالث من الطلاب والطالبات لم يرض عن فيلم "وحوش الميناء" بديلاً، لا سيما تلك المشاهد التي يضرب فيها فريد شوقي الأشرار، وتلك التي ترقص فيها هياتم امام افراد العصابة. وبعد منتصف الليل بقليل، أوى الطلاب والطالبات الى الفراش ليأخذوا قسطاً من النوم استعداداً ليوم جديد.