لجنة الدفاع عن العراقيين في الخارج رن جرس التليفون ولم اعرف المتحدثة: امرأة عربية تتكلم بصوت حزين، يقطع حديثها بين الحين والحين بكاء تغالبه لكي تكمل قصتها خلال دقائق قليلة لئلا ينقطع الخط الدولي. استهلت حديثها بالقول: "أنا عراقية أسكن في قم. استشهد زوجي في العراق فهاجرت مع أطفالي إلى الجمهورية الإسلامية. اشترينا بيتاً صغيراً لكي نستر أنفسنا فيه، ولم نستطيع تسجيل البيت باسمنا لأننا كعراقيين لا يحق لنا شراء عقار في إيران. فالبيت لا بد أن يسجل باسم إيراني. فالإيراني وحده يحق له التملك في الجمهورية الإسلامية". وتواصل سرد قصتها: "بقي البيت باسم الإيراني. اطمأننا إليه لأنه رجل طيب ومؤمن، بل لم يكن لنا خيار آخر اللهم إلا أن نسجله باسم إيراني غيره. شارك أولادي في الجبهة مع الإيرانيين أثناء الحرب، ولكن بعدما انتهت زادت المضايقات على العراقيين، ولم يستطع أولادي العمل لأنهم كانوا يتعرضون للملاحقة، ومن يشغّلهم يُسجن ويُغرّم، فبقوا بلا عمل وبقينا بلا معيل. واضطر أولادي للبحث عن وطن يؤويهم، ووقعوا في أيدي المهربين الذين وعدوهم بنقلهم إلى بلد أوروبي يلجأون إليه، فذهبوا معهم وانقطعت أخبارهم، وأنا الآن لا أدري: هل ابتلعهم أحد البحار أم استقروا في أحد السجون؟". تخنقها العبرة، لكنها تتجلد وتواصل: "بقيت مع بناتي نحتار في تدبير لقمة العيش، لكن المصيبة الكبرى أن الإيراني الذي سجلنا البيت باسمه جاء يطالبنا باخلاء البيت أو بدفع ايجاره! وعندما سألناه باستغراب: ألم نشتر البيت منك؟ أجابنا بأنه يملكه حسب القانون، وانه إذا لم نخل البيت أو ندفع الايجار فسيخرجنا بالقوة". ولم تسمح لها نقودها بإكمال المكالمة، فانقطع الخط من دون أن أحصل منها على معلومات إضافية. فمن لهذه المرأة المسلمة التي أصبحت مهددة - إضافة إلى الجوع - بإلقائها وبناتها في الشارع أو وراء الحدود؟ رجعت بذاكرتي إلى أيام الخلافة العباسية حين وقع على امرأة مسلمة ظلم في بلاد الروم فصرخت: "وامعتصماه"، فوصلت استغاثتها إلى الخليفة العباسي الذي كان يومها ولي أمر المسلمين، فقام بتجهيز جيش حرّر المنطقة التي صدرت منها صرخة المظلوم. واليوم تنطلق صرخة هذه المظلومة من قم - إيران لتبحث عمّن يغيثها. اتصلت ببعض الأصدقاء بحثاً عن معلومات إضافية أو خيط أمل، فعلمت أن هذه ليست حالاً فردية، وإنما هناك أشباه لها كثيرة. فكل العراقيين الذين تمكنوا من شراء بيوت في إيران عجزوا عن تسجيل بيوتهم باسمائهم، وبقيت من الناحية القانونية ملكاً للإيرانيين من دون ان يوجد أي ضمان لحقهم في هذه البيوت! سألت أحد العارفين بالقانون الإيراني، فقال لي: إن العراقي لا يحق له تسجيل عقار باسمه إلا بشروط. وعندما سألت عن الشروط أهدى إليّ الموسوعة الحقوقية التي تضم القوانين الإيرانية كافة المتعلقة بالتسجيل القانوني والمسماة بالفارسية "مجموعة كامل قوانين وفقرات ثبتي" الطبعة الثالثة عشرة، الصادرة عن "كتابخانه كنج دانش" عام 1378 شمسي أي قبل سنتين. وقبل أن أفتح الموسوعة مدّ الصديق يده قائلاً: "مهلاً... لا حاجة لفتح الكتاب... تريد أن تعرف ماذا يحق للعراقي طبق هذه القوانين؟". قلت: نعم. قال: لا يحق له شيء مطلقاً. وحين سألته عن دليل على ما يقول، أجاب مشيراً إلى الكارت الأخضر الذي أحتفظ بنسخة منه على مكتبي: هذا هو الدليل. وأشار إلى عبارة موجودة على الكارت تقول باللغة الفارسية "ارزشى تبتى ندارد" أي أن هذا الكارت لا يصلح للتسجيل القانوني. معنى ذلك أن أي معاملة حقوقية لا يمكن اجراؤها للعراقي الذي يحمل هذا الكارت. وصعقت وأنا اواجه نصاً قانونياً حول حقوق الإنسان العراقي في إيران، وحقوق العراقي المسلم في الجمهورية الإسلامية، وحقوق العراقي المظلوم في بلد المستضعفين. وبعد تجديد البحث والتنقيب، وجدت الشروط الواجب توافرها للعراقي لكي يسجل البيت الذي يشتريه باسمه، وهي التالية: 1- اجراء تحقيق عن الهوية الشخصية، وعن جنسيته وهل سبق أن كانت له جنسية أخرى؟ وما هي؟ وعن أولاده وزوجته، عددهم، أعمارهم، جنسيتهم الفعلية وجنسيتهم السابقة، وعن تاريخ دخوله إلى إيران، ومدة الإقامة، والأماكن التي تنقّل فيها وعناوينه في كل مكان منها، وعن مهنته الحالية والأعمال السابقة التي كان يشتغلها، وعنوانه الدائم، والهدف من شراء العقار، ونوع العقار، ومساحته، ومكانه ورقمه في السجل العقاري، وهل له أو لأقربائه من الدرجة الأولى ملف في إيران؟ فإذا كان، فما هو؟ وما مساحته؟ وأين هو؟ وما رقم سجله العقاري؟ 2- أن لا يكون المتقدم بالطلب محروماً من بعض أو جميع الحقوق الاجتماعية والعراقي محروم من حق الزواج وحق السفر وحق التعليم وحق العمل وحق التأمين الاجتماعي بنصوص قانونية وقرارات وزارية. 3- أن يسمح بلد المتقدم بالطلب بامتلاك الإيرانيين عقاراً في ذلك البلد أي أن توافق الحكومة العراقية على شراء اللاجئ العراقي في إيران بيتاً!. 4- أن لا يخالف امتلاك البيت القوانين الإيرانية. 5- أن لا يخالف امتلاك البيت المعاهدات الدولية بين إيران والعالم! فإذا توافرت هذه الشروط اصبح للعراقي حق التقدم بطلبه ويكون اقتحم العقبة... وما أدراك ما العقبة! وعندها تبدأ المرحلة الثانية وهي ارسال الطلب والوثائق المرفقة كافة مع نتائج التحقيق وقرار اللجنة الأمنية إلى ثلاث وزارات: الداخلية والخارجية والعدلية. وبعد دراسته وإقراره من قبل الوزارات الثلاث يرفع الطلب إلى مجلس الوزراء لكي ينظر في القضية ويقرر هل يحق للعراقي أن يمتلك بيتاً للسكن في إيران أم لا؟ راجع النصوص القانونية في الصفحات 587-593 من الموسوعة القانونية المشار إليها أعلاه. ودوّى في رأسي صفير كصفير العاصفة: في أي عصر نعيش نحن؟ إلى أي ثقافة ننتمي؟ أي دين نعتنق؟ ألا يقول الدستور الإيراني في مادته الرابعة إن كل قانون يخالف الإسلام لا قيمة له؟