نشرت الزميلة "الوسط" في ست حلقات أسرار المجال الخارجي من عمل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على شكل تحقيق وحوار كتبه رئيس التحرير غسان شربل، وأجاب عن اسئلة كثيرة بعضها معلّق منذ عقود. وجمعت الحلقات وأعدت قراءتها مجتمعة، فثمة اخبار وأحداث تابعتها بنفسي، وما يصلح كهامش للموضوع كله. الحلقات تتحدث عن طالبي الطب جورج حبش ووديع حداد في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث نشأت حركة القوميين العرب. وكنت في مطلع الخمسينات في بداية المراهقة، وبين آخر صف ابتدائي وأول صف ثانوي في المدرسة الدولية التابعة للجامعة، فكان دعاة الحركة من الطلاب الكبار يأتون إلينا نحن الطلاب الصغار بمنشورات وملصقات والعلم العربي، ويحاولون ضمنا الى الحركة. وفي حين انني لم أنضم الى هذه الحركة أو أي حزب أو جمعية طيلة عمري، فإن عندي اليوم اصدقاء انخرطوا في حركة القوميين العرب منذ الخمسينات، وبعضهم يقيم في لندن. حركة القوميين العرب أفرزت شباب العودة وشباب الثأر، ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد حرب 1967. وما أذكر اليوم هو الانقسام الكبير سنة 1969، عندما قامت الجبهة الديموقراطية. وربما كنت أختصر الأسباب، إلا أنها بشكل عام ان الدكتور جورج حبش أراد التحول الى اليسار تدريجاً، اما نايف حواتمة فرأى نسف كل الجسور مع الماضي، والبدء فوراً بمنظمة يسارية. وهو لم يكن الانقسام الوحيد، فقد قامت ايضاً الجبهة الشعبية - القيادة العامة، وهذه بدأت جبهتين، فقد كان هناك القيادة العامة ألف والقيادة العامة باء، والأولى يرأسها احمد جبريل والثانية احمد زعرور. وأذكر ان هذا الأخير عين رئيس مؤسسة عامة اردنية وترك العمل الثوري فبقيت قيادة جبريل. وتوقفت كثيراً عند قول وديع حداد وقد بلغه خبر اغتيال غسان كنفاني "لشو عايشين"، فقد كنت أول من اتصلت بهم زوجته الدنماركية آنّي تبلغني اغتياله، وأسرعت الى منزل الأسرة في الحازمية، وأخذت معي الزميل عبدالودود حجاج، وكان يعبر الطريق امام مبنى "النهار"، ورأينا الإسعاف يحمل بقايا جسد غسان وابنة اخته في اكياس من البلاستيك. وكانت زوجة عبدالودود دنماركية ايضاً وحبلى، فأطلق على ابنه اسم غسّان، وهو ما سجلت في هذه الزاوية عندما بلغني خبر وفاة عبدالودود حجاج قبل سنوات، منفياً محبطاً في بلد زوجته. كنت عرفت وديع حداد في بيت الأسرة من طريق اخيه وأستاذي قيصر حداد، ثم اختفت آثاره تماماً عني بعد ان بدأ يدير العمل الخارجي وينظم خطف الطائرات. وكتبت في مثل هذا الوقت من السنة الماضية عن "المعلم قيصر" بعد وفاته، ومفاجأتي بأنه كتب مرة عني معتقداً أنني كنت من طلابه في مدرسة "الروضة" التي اسسها مع مروان جرار، زوج اخته وديعة في حينه، مع انني كنت تلميذه في "مدرسة الإنكليز" قرب بيت المغفور له صائب سلام، وانتقلت الى الجامعة الأميركية قبل افتتاح "الروضة". كان بيت الأسرة في تلك الأيام حيث تقوم الآن بناية نجار كونتيننتال، قرب وزارة الإعلام، ثم انتقلت العائلة الى بناية مجاورة عند تقاطع الطريق اغتيل امامها في وقت لاحق الرئيس رينيه معوض. وعلمني والد قيصر ووديع الأستاذ الياس حداد، وكان معلم لغة عربية ورياضيات، بضعة اشهر عندما مرض مدير "مدرسة الإنكليز" كليم قربان الذي كان يعلّمنا اللغة العربية. وكنت سجلت جوانب من ذكرياتي عن المعلم قيصر والأسرة قبل سنة فلا أعود، وإنما أكمل بشيء مهم. فأخونا غسان شربل قام بجهد هائل اتمنى لو يضم في كتاب، ولكن وجدت في السرد خطأ يستحق التصويب، المسؤول عنه قادة الجبهة الباقون. قرأت على لسانهم "الجبهة الشعبية لم تكن تسعى لقلب النظام في الأردن، فتح كانت تفكر وهذه نقطة يتجنب كثيرون الخوض فيها". سأخوض فيها، فقد كنت هناك، والجبهة الشعبية هي التي أرادت قلب النظام، وجرت فتح الى المواجهة، وقد رفع شبابها شعار "كل السلطة للوطنيين"، وكنا ندخل فندق الأردن انتركونتيننتال، ونسلم عند الباب نشرات الجبهة ضد النظام الأردني. ولا بد ان بين القراء من يذكر ان الجبهة احتلت الفندق وأخذت الأجانب فيه رهائن، ونجوت انا والزميل وفيق رمضان الذي كان مبعوث "النهار" في الأردن. وكنا معاً بعد ذلك بشهرين عندما طلب منا الصديق بسام أبو شريف زميلي ايام الجامعة ان نسرع الى مطار الثورة لتسجيل نسف الطائرات وسبقني وفيق وحصل على تلك الصور التاريخية. واستطراداً، فبعد ظهر التاسع من ايلول سبتمبر 1970 اجتمعت وزملاء مع قادة الجبهة، وبينهم الدكتور جورج حبش، في مخيم الوحدات، وهم تحدثوا صراحة عن مواجهة لقلب النظام ينضم فيها الجيش الأردني الى الفدائيين. وثبت في اليوم التالي مدى خطأ حسابات الجبهة. تركت عمان مساء التاسع من ايلول في طائرة اذكر انني وجدت بين ركابها السيدة سميّة الدجاني، ابنة الحاج علي الدجاني، رئيس مكتب "الحياة" و"الديلي ستار" في حينه، وهو وزير سابق. هذا ما عايشت ورأيت وسمعت، وقد سجلت اكثره في حينه، وذاكرتي طيبة.