يبذل عدد من المنظمات والمؤسسات الأميركية - العربية، والأميركية - الإسلامية في الولاياتالمتحدة جهداً كبيراً، بالتعاون مع مثقفين ومفكرين وسياسيين أميركيين، من اجل خلق سجال مع فاعليات في المجتمع الأميركي يؤدي الى ما يسمّيه الفريقان "التفهم المتبادل" لموقف كل منهما وثقافته وحضارته. وإذا كان من الطبيعي ان يحصل هذا السجال، في اميركا نفسها، إزاء ما شهدته من مشاعر عداء للعرب والمسلمين بعد 11 ايلول سبتمبر الماضي، فإنه لا بد من ان نسجل ان مفكرين أميركيين من اصل غير عربي او اسلامي اسهموا بشجاعة في هذا السجال بالمعنى الإيجابي، ودافعوا عن العرب والمسلمين رافضين وصمهم بالإرهابيين وتعميم الحملة ضد الارهاب عليهم. بل ان بعض هؤلاء، من الفاعلين وسط الرأي العام، بذل جهداً استشراقياً في الاطلاع على تاريخ العرب والإسلام، ومن بينهم النائب الأميركي السابق بول فندلي الذي نشرت "الحياة" فصولاً من ترجمة كتابه عن الإسلام، قبل 11 ايلول، وواصلت نشرها على امتداد 18 حلقة بعد ذلك التاريخ. وسجالات كهذه تعزز اتجاه حوار الحضارات، بدلاً من نظرية صراع الحضارات التي يبرر بها رموز التطرف في مركز القرار الأميركي ولو ضمناً سعيهم الى توسيع الحملة ضد الارهاب، لتشمل إيران والعراق ومنظمات فلسطينية و"حزب الله"... وإن كانت سجالات وحوارات من هذا النوع، تتناول مفاهيم فلسفية، دينية، سياسية وإعلامية، فإن الكثير منها ينتهي الى الاشكالية السياسية التي تقول من جانب الأميركيين والغربيين عموماً: "انكم لا تتفهمون عمق الأذى الذي تعرضنا له في 11 ايلول". وفي المقابل، تقول وجهة النظر الأخرى: "انكم تتجاهلون مدى الأذى الذي لحق ويلحق بنا بسبب تأييد حكومات دولكم لإسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب". لا نهاية للسجال، في ظل المشاعر المتأججة بفعل تدافع الأحداث وتداعياتها في الجانبين. لكن اهميته تكمن في استمراره لأن نتائجه لن تظهر في سرعة بل هي مؤجلة وستتكفل التراكمات في ولادتها. في الانتظار، ثمة قصور عربي في هذا السجال، فالنخبة العربية لا تتجرأ كما النخبة الغربية، على الدعوة الى مقاربة المفاهيم الحديثة في الغرب. وغياب الجرأة قد تكون له علاقة بغياب الديموقراطية. لكن ثمة وجهاً آخر لهذا القصور يشمل بعض النخب والأنظمة والمؤسسات المدنية والرسمية، هو غياب الاعلام العربي والاسلامي الموجّه الى الغرب. فمحاولة مجلس وزراء الاعلام العرب التي بدأت قبل اشهر لوضع خطة اعلامية تتوجه الى الرأي العام العالمي وتتناول ما يتعرض له الفلسطينيون، أجهضت بفعل الخلافات العربية وغياب القرار. وما كان مجلس هؤلاء الوزراء هذا، والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وعدوا به من تحرك اعلامي، أجهضته الخلافات العربية والمنافسات، وأضرّه الاستهزاء الضمني، ربما، بجهد من هذا النوع. وهو ما يعبّر عن عدم اهتمام بتكوين رأي عام غربي مساند للعرب، او بنمو نسبة المؤيدين فيه. وإذ أدّت الخلافات في هذا الصدد الى حصر مساعي التحرك الاعلامي بالدول الخليجية، فالخشية هي ان يقتصر على بضعة اعلانات تُنشر في بعض المحطات العالمية الغربية، رفعاً للعتب، وتعويضاً عما يمكن ان نسمّيه خطة ذات نفس طويل، في التوجه الى الغرب وفي الوصول الى العقول في العمق.