لم تلهب حادثة 11 أيلول مخيّلات الروائيين العرب مثلما ألهبت مخيلات روائيين اميركيين وبريطانيين وفرنسيين وسواهم، علماً أن هذه «الحادثة» بدت، منذ اللحظة الأولى، تعني العالم العربي بمقدار ما عنت الغرب، لا سيما الأميركي. ربما شعر الروائيون العرب برهبة أمام هذه الحادثة التي وضعت العالم العربي في موقع الاتهام وأصيبوا بحال من الحيرة: كيف يستعيدون هذه الحادثة روائياً؟ هل ينحازون الى الانتحاريين المتهمين أم الى الضحايا؟ أم يقدّمون الحادثة كما حصلت في حياد تام وكأنهم غير معنيين بها؟ هذه الأسئلة وسواها شغلت حتماً الكثيرين من الروائيين العرب الذين تحمّسوا للكتابة عن 11 أيلول، هذا اليوم الذي هزّ العالم ورسّخ «حقيقة» المقولة الشهيرة «صدام الحضارات». وبدا ان معظمهم «تناسى» هذا اليوم روائياً على خلاف المفكرين والمثقفين العرب الذين أسالوا الكثير من الحبر في تطرقهم الى هذه الحادثة وفي معالجتها والكشف عن خفاياها وآثارها. وانهالت على القراء العرب فعلاً، مقالات ودراسات وكتب لا تحصى حول الحادثة، وما برحت تنهال عليهم ما دام «السجال» العالمي حول الحادثة لم ينته. كان من السهل على الروائيين الأميركيين أولاً ثم الغربيين أن يستوحوا هذا اليوم الرهيب الذي قلب المقاييس كلها وكان بمثابة الصدمة غير المتوقعة، لا شرقاً ولا غرباً. ولم يتوان روائيون كثيرون عن استلهام الحادثة ليكتبوا عنها أعمالاً بدت مهمة على رغم تعجّلها أحياناً في استنباط معنى تلك اللحظة. والروايات التي كتبها أميركيون وأوروبيون سرعان ما ترجمت عالمياً وراجت... حتى الروائي الفرنسي فردريك بيغبدير شاء ان يكتب عن هذه الحادثة، متخيلاً إياها، ومنطلقاً من المشاهد الرهيبة التي عمّمتها الشاشات الفضائية، واختار عنوان روايته «نوافذ على العالم» بالإنكليزية. إنها «الصدمة» الأميركية اذاً التي شغلت مواطني العالم، والتي قضت على ما كان يسمى سابقاً «الحلم الأميركي» مسبغة عليه ملامح خيبة أو هزيمة كبيرة. وانطلاقاً من هذه «الصدمة» راح الروائيون يتلمسون أحوال الفراغ والعبث التي نشأت في الحياة الأميركية. وستظل هذه «الصدمة» حافزاً على كتابة المزيد من الأعمال الروائية تبعاً لبعدها الوجودي والمأسوي. وأحدث هذه الروايات رواية جوناثان فرنزن «فريدوم» التي تلقي نظرة شديدة التشاؤم على الواقع الأميركي. وقد عرفت هذه الرواية نجاحاً عالمياً كبيراً منذ صدورها... ويمكن القول الآن إن حادثة 11 أيلول، باتت تملك «إرثاً» روائياً هو في حال من التزايد أو التراكم. وعودةً الى العالم العربي، يبدو واضحاً أن الروائيين العرب لم يولوا هذه الحادثة كثيراً من الاهتمام. بعضهم مرّ بها سريعاً على هامش الأعمال الروائية وبعضهم تحاشاها حتى في أعمال تقارب جوهر «الصراع» القديم و «الصدام» الحديث الذي لم يلق حتى الآن مواصفات نهائية أو حاسمة. ولئن كان «الصراع» بين الشرق والغرب أثار سابقاً حفيظة بعض الروائيين العرب الذين باتوا معروفين (توفيق الحكيم، يحيى حقي، الطيب صالح، سهيل ادريس...)، فحادثة 11 ايلول لم تثر – سردياً – حفيظة الروائيين الجدد أو الشباب: هل إنهم فعلاً ما زالوا يعيشون حالاً من الحرج إزاء الحادثة؟ أم أنهم يفضلون أن ينتظروا ريثما يتمكنون من قول ما يخشون قوله؟ الروائي السعودي تركي الحمد كان جريئاً في كسر جدار الخوف (أو الصمت) وكتب رواية، غاية في الجرأة ،عنوانها «ريح الجنة» (2005). لكن الجرأة هذه جلبت له الكثير من المشكلات وجعلته يقف وجهاً لوجه امام الفكر الظلامي الذي كال له التهم الجاهزة. في هذه الرواية ينطلق الحمد من موقف نقدي يتناول من خلاله مَنْ سمّاهم «جنود الرحمن» الذين دكّوا «رأس الأفعى في عقر دارها». وشاء ان تجري أحداث الرواية في قلب «الحدث» وعلى هامشه في آن، فعرّف القراء الى هؤلاء «الجنود» متسللاً الى حياتهم ومحللاً شخصياتهم... ولم يتمالك عن فضح «السعادة» التي يبحث عنها هؤلاء «في الموت وبين القبور». إلا أن رواية «ريح الجنة» لم تنج، على رغم جرأتها وسخريتها وفرادتها، من بعض الهنّات التي أصابت بنيتها وتقنياتها السردية وعلاقات أشخاصها بعضهم ببعض، وأغرقت أحياناً في الجدل الممل... لم تكن «ريح الجنة» الرواية العربية «الأيلولية» الوحيدة، فقد سبقتها روايتان صدرتا عام 2002، الأولى للكاتب المصري المقيم في جنيف جميل عطية ابراهيم وعنوانها «نخلة على الحافة» والثانية للكاتب الفلسطيني زياد عبدالفتاح وعنوانها «المعبر». لكنّ هاتين الروايتين لم تدورا كلياً حول حادثة 11 ايلول بل جزئياً، وبدتا كأنهما تشتبكان مع تلك اللحظة الرهيبة أو تتماسّان بها لتنفتحا من ثمّ على موضوعات أخرى وأزمنة أخرى وشخصيات من الماضي والحاضر. الرواية الأولى مأخوذة بمعالم الماضي القريب (هزيمة 1967 وسواها) والثانية تعاود قراءة المأساة الفلسطينية انطلاقاً من 11 أيلول. كتبت ايضاً نصوص عربية كثيرة، سردية وشعرية عن حادثة «البرجين» وأحدها نص جميل كتبه الروائي اللبناني الياس خوري متخيلاً الطائرة جواداً في الهواء...... لكنّ هذه النصوص لم تجتمع في كتاب بل ظلت مبعثرة في الصحف والمجلات. تُرى، لماذا لم ينصرف الروائيون العرب الى الكتابة عن 11 أيلول؟ هل حالت دون هذه الكتابة عوائق جمّة؟ هل بدوا محرجين حقاً؟ هل أربكتهم هذه الصدمة ووضعتهم أمام مسألة اشكالية ومعقّدة تشبه المتاهة؟ هذه الأسئلة ستظل تُطرح ولن تحظى بأجوبة، خصوصاً في المرحلة الراهنة التي فجّرت الثورات العربية خلالها المزيد من الأسئلة الصعبة.