تابعت في الأممالمتحدة الاسبوع الماضي نشاط المسؤولين العرب من وزراء وغيرهم، وفي حين انني لا اتوقع ان تكون النتائج في مستوى الجهود، فانني اقول بمسؤولية انني رأيت كل وزير عربي يصل الليل بالنهار في اجتماعات متواصلة ثنائية او متعددة الاطراف، موضوعها قضايا ثنائية، او قضايا اقليمية وعربية عامة. وأعتقد ان الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى قابل خلال خمسة ايام الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ووزراء خارجية الولاياتالمتحدة وكندا والاتحاد الاوروبي، وأوروبا الوسطى وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ولعل كل وزير عربي في نيويورك الأسبوع الماضي فعل مثله، او اكثر. وهذا ليس مديحاً فالوزراء والأمين العام يقومون بعملهم، ولكن هو مدخل الى ملاحظة سمعتها من الأمين العام، فقد قال ان جميع الذين قابلهم تقريباً يريدون معلومات عن العرب والمسلمين ودولهم وقضاياهم. العرب بعد 11 ايلول سبتمبر بمن فيهم الوزراء الذين بدأت بتسجيل جهدهم، غابوا عن الساحة الأميركية إلا في ما ندر، وهم تركوا الميدان لإسرائيل وعصابتها الأميركية، والنتيجة ان الحرب على الارهاب تحولت الى حملة على اعداء اسرائيل، ثم يطلب الأميركيون منا المشاركة فيها. ثمة حاجة الى العمل، ليس بعد 11 ايلول، وإنما قبل عشر سنوات وعشرين وخمسين، والأمين العام للجامعة العربية يعرف ذلك، هو وجّه دعوات الى حوالى 70 مفكراً عربياً ومثقفاً للمشاركة في ملتقى تتبنّاه الجامعة في القاهرة تحت شعار "حوار الحضارات: تواصل لا صراع". السيد موسى وجّه دعوات الى شخصيات يعرفها، والدول العربية رشحت آخرين، وسيبحث المشاركون في برنامج عمل داخلي وخارجي، كما قال لي الأمين العام، ولن يكتفوا بمجرد مناقشة ثقافية. وهو اضاف ان هدف برنامج العمل مواجهة حملة التشويه المستمرة حتى الآن ضد الثقافة العربية، والهوية العربية ذاتها، وأحياناً الأعداد الكبيرة من العرب في الخارج ورموزهم الثقافية والفكرية. سيبحث المجتمعون في التقصير العربي، ما أساء الى سمعة العرب في الخارج، وثمة افكار عن حملة ثقافية وكتب وبرامج تلفزيونية، او انشاء كراسٍ للثقافة العربية والاسلامية في عدد من الجامعات الغربية، خصوصاً الاميركية. وربما اصبح الملتقى نواة لإقامة آلية ضمن الجامعة العربية لتنظيم حوار عربي - اسلامي، وعربي - غربي. وحدثني الأمين العام عن موضوع ثان لا يقل اهمية هو أمن اسرائيل، وأمن الشرق الأوسط كله، ورأيه اننا عندما نعمل لبناء شرق اوسط جديد لا يجوز ان يكون الحديث عن أمن اسرائيل وحدها، فهذا ممكن. ولكن يجب ان يكون من ضمن أمن الشرق الأوسط ككل، في اطار منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل، ومع اجراءات لمنع قيام سباق تسلح، وهكذا يكون الأمن في الشرق الاوسط للجميع، لا لبلد واحد او طرف. قبل اسبوعين من ملتقى الجامعة العربية كان الأمير خالد الفيصل يحدثني عن هيئة استشارية لمؤسسة الفكر العربي التي قامت بعد اجتماع في القاهرة في حزيران يونيو الماضي للأهداف نفسها التي يريد الأمين العام للجامعة العربية ان يبحث فيها المفكرون والمثقفون العرب. وأعتقد انه لا يوجد تنسيق بين الجامعة العربية ومؤسسة الفكر العربي، إلا ان هذا لا يضير البتة، بل هو مطلوب، وهناك عشرات المنظمات ودور البحث والهيئات التي تعمل خدمة لإسرائيل في الولاياتالمتحدة، فلو وجد في مواجهتها منظمة عربية او عشر، مع المنظمات الموجودة فعلاً منذ سنوات، لزادت فرصة إيصال مواقفنا الى الطرف الآخر وشرحها. الأمير خالد الفيصل قال لي ان ما حصل في 11 ايلول اثبت ضرورة العمل لتحسين صورة الانسان العربي والمسلم في الخارج، وهناك مشاريع سريعة، وأخرى طويلة الأمد، إلا انه يفضل الثانية لأنها مجدية اكثر. غير ان مؤسسة الفكر العربي ستركز في الوقت نفسه على رعاية الفكر، وتدعم التقدم في مجالات الاقتصاد والطب والهندسة والعلوم والإدارة وغير ذلك. لست من الغرور ان اعتقد انني اعرف شيئاً يجهله مفكرون يجمعهم السيد عمرو موسى او الأمير خالد الفيصل، وكل ما اقول هو انني اتمنى اجتماعات كثيرة مماثلة ونشاطاً في الغرب، خصوصاً الولاياتالمتحدة، للرد على اسرائيل وأنصارها. وقد كان هناك دائماً وجود عربي وجهد، ولكن ضمن نطاق محدود، لمحدودية الامكانات، وأريد ان اختتم معترفاً بالفضل لذويه، وأكتفي بمثل الدكتور عبدالرحمن الزامل، فهو عندما كان نائباً لوزير التجارة السعودي، عمل بنشاط وجهد واجتهاد لدعم المنظمات العربية في الولاياتالمتحدة، فكان يجمع لها التبرعات من رجال الاعمال السعوديين القادرين، ثم يوزعها عليها، كل حسب حجمه ونشاطه. وأعرف انه كان وراء تأسيس منظمة ناجحة مستمرة، ووراء بقاء غيرها، بعد ان كانت ستختفي لضآلة الامكانات. وكم من مرة جلست مع الدكتور الزامل لدرس عمل المنظمات العربية، وسبل دعمها. و"ربّ ضارة نافعة" فإرهاب 11 ايلول قد يكون الحافز لجهد اوسع نطاقاً بكثير مما قامت به مجموعة صغيرة من رجال الاعمال في السبعينات والثمانينات. وهو لن يبدأ هذه المرة من الصفر، بل سيكمل ويزيد، فنرجو ان يفيد العرب والمسلمين وقضاياهم.