لا يكاد يخلو حي أو ميدان أو شارع في المدن المصرية من "مائدة الرحمن" التي أضحت من أبرز مظاهر شهر رمضان الكريم، وهي التي ظهرت أيام الرسول صلى الله عليه وسلم حين حضر إليه وفد من الطائف، واعتنق الإسلام، وكان يرسل إليهم إفطارهم وسحورهم مع بلال مؤذنه. واقتدى الخلفاء الراشدين بالرسول ومن بينهم عمر بن الخطاب الذي أنشأ الدار الأولى للضيافة في الإسلام، وكان ذلك في العام السابع عشر للهجرة ومع مضي السنوات تحولت إلى مآدب الرحمن. وهي من أكثر المظاهر التي تدل على الإنسانية والتكافل الاجتماعي في هذا الشهر الكريم، إذ يتم إعداد مكان لتقديم طعام الإفطار لعابري السبيل والمحتاجين. وبحسب تقارير وزارة الشؤون الاجتماعية فإن المصريين ينفقون بليوناً و250 ألف جنيه على موائد الرحمن هذا العام، إذ تقام نحو 30 ألف مائدة على الأقل تقدم طعام الإفطار ل10 في المئة من السكان أي لنحو ستة ملايين شخص طوال شهر رمضان سواء في العاصمة أو المحافظات الأخرى. وفي القاهرة الآلاف من مآدب الرحمن الكبيرة التي أصبح بعضها من العلامات المميزة لأحياء بعينها، مثل مائدة مسجد الدكتور مصطفى محمود في منطقة المهندسين، ومائدة الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب البرلمان المصري، في حي السيدة زينب، ومائدة منطقة التوفيقية التجارية وسط القاهرة، وهي تتسع لألفي شخص على الأقل، إضافة إلى عدد من الفنانين والفنانات الذين يقيمون هذه المآدب ويقدمون طعام الإفطار بأنفسهم لضيوف الرحمن. وظاهرة مآدب الرحمن موجودة في ريف مصر منذ مئات السنين، بل إن الريف كان له أبلغ الأثر في انتشارها، إذ كان سكان الريف، يتجمعون في الأماكن المتسعة ويحضر كل واحد منهم في صينية ما لديه من طعام ويتجمعون حول الطعام، ويأكلون في وقت واحد كما كانوا يدعون أي شخص غريب عن القرية أو عابر سبيل تناول الطعام معهم، وزادت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة إذ تقيم القرى المآدب على الطرق، خصوصاً السريعة ويقف سكانها على الطريق ويشيرون لقائدي السيارات للتوقف لتناول طعام الإفطار.