اختتم مهرجان المسرح الأردني الذي أصبح عربياً في دورته التاسعة المنظمة بين 1 و14 تشرين الثاني نوفمبر الجاري بكثير من الكلام على مستواه والاشكالات التي واكبت تنظيمه. ووجهت انتقادات متعددة الى رئيس المهرجان، الذي تنظمه مديرية المسارح والسينما في وزارة الثقافة، حاتم السيد. فهو حاز العدد الأكبر من الدروع التكريمية تبعاً لمسؤولياته وبعيداً من مسرحيته "انسوا يا عالم" التي شاءهها "استعادة لهيبة المسرح التي فقدها على أيدي العابثين الضاربين عرض الحائط بكل الأسس والقيم الرفيعة التي تشكلت عبر آلاف السنين تحت مظلة الحداثة والتجريب مقلدين الغرب تقليداً أعمى من دون استناد الى تراثنا التومي". وجاء عرضه الذي اعتبره "رسالتي نحو تجديد التراث وعصرنته" والمأخوذ عن "هيروسترات" لغريغوري غرين ومن اعداد: فاضل خليل، واحداً من أضعف العروض. تنافست على جوائز المهرجان المسرحيات العربية: "سيدرا" الأردن، "قصة حب طبل وطارة" قطر، "الليلة الثانية بعد الألف الثانية" سورية، "الماء والقربان" المغرب، "البرزخ" الجزائر، "عيناها" الإمارات العربية، "الغرفة" مصر، "بيت العيد" فلسطين، "العلبة الحجرية" العراق، و"كونترباص" لبنان. كما قدمت على هامش المهرجان خمس مسرحيات أردنية هي: "حياة حياة" غنام غنام، "مكبث" حكيم حرب، "كارمن" فراس الريموني، "تخريف ثنائي" وصفي الطويل، "حديقة الموتى" خليل نصيرات، فضلاً عن "المجال الواسع" فرنسا و"معقدة ببساطة" المانيا - عماد عطواني. تألفت لجنة التحكيم من الفنانين: المنجي بن ابراهيم تونس، عبدالعزيز سريع الكويت، عبدالمرسل الزيدي العراق، سعداء الجرّا البحرين، زهير النوباني الأردن ومجدي فرج مصر. وكانت أولى توصياتها تشكيل لجنة من فنانين أردنيين وعرب لاختيار المسرحية الأردنية المنافسة على جوائز المهرجان على أن تتغير سنوياً تلافياً لتكرار ما كاد يكون حرب بيانات بين المخرجين حاتم السيد وحكيم حرب، إذ اتهم الأخير السيد بأنه كان وراء استبعاد عمله "مكبث" عن المنافسة على جوائز المهرجان. وفي المحصلة منحت الجوائز على النحو الآتي: أفضل ممثل عربي للعراقي فاضل عباس عن دوره في "العلبة الحجرية" مع شهادتي تقدير للممثلين أحمد سلامة مصر ونور الدين بن كيلان المغرب. ومنحت جائزة أفضل ممثلة عربية للأردنية تغريد هاني عن دورها في "سيدرا"، وتلقت الممثلتان سلوى محمد علي مصر وهدية سعيد قطر شهادتي تقدير. ومنحت جائزة أفضل تقنية سينوغرافيا عربية ل"العلبة الحجرية"، وجائزة أفضل موسيقى منحت للمؤلف الموسيقي وسام قطاونة الأردن ولعلها الجائزة الأكثر اقناعاً دون سواها. ومنحت جائزة أفضل نص مسرحي عربي للمؤلف والمخرج حمد الرميحي عن نص "حب طبل وطارة". أما جائزة الاخراج فذهبت للمخرج عبدالكريم الجراح الأردن عن سيدرا. وحجبت اللجنة جائزة أفضل عمل مسرحي عربي متكامل بعد أن منحت جائزة تقديرية خاصة للبناني جهاد الأندري عن كونترباص. وبعيداً من الاشكاليات الادارية والتنظيمية التي شهدها المهرجان خلال أيامه الأربعة عشر، يمكن الاشارة الى عملين من المسرحيات بمنأى عن صلتهما بالجوائز نظراً لتميزهما. "الغرفة" منذ لحظاتها الأولى تكشف مسرحية "الغرفة" تأليف محمود نسيم واخراج عبدالستار الخضري، عن مسعاها الى كسر الموروث في المسرح الشعري بطرحها شكلاً مسرحياً للشعر لا يخرج عن شرط المسرح. ولأنها اعتمدت على عدد من القصائد النثرية والتفعيلية لشعراء السبعينات قامت في جزء كبير منها على منطق التذكر واستعادة الماضي الذي قامت عليه القصائد في الأصل... فيرى المشاهد في مساحة ثابتة من الاضاءة والاكسسوارات أزمنة مضت وخيالات من تلك الأزمنة تتعذب فيها الشخصيات بسبب ألم مبعثه التذكر وليس الحنين من فرط ما اختلطت الرغبات في الآثام نقلها الممثل الى المتفرج في حركة أتت على معان وتآويل غير تلك التي في الكلام. بل ان الحركة في بعض تجلياتها أخذتت المعنى الى دلالة اراداتها فأنتجته في لحظات كانت هي الأبرز في أداء الممثلين. وأشاعت المؤثرات الصوتية والشعر الذي قيل وحركة الممثل مناخاً يجمع الرومانسية الى القسوة، فبدا العمل منذ لحظاته الأولى ذاهباً الى وجهة محددة، هي تقديم مسرح محترف في النظر الى المسرح الشعري. غير ان العمل شهد اطالة حتى تسنى له الوصول الى ان الشخصيات على الخشبة ليست سوى صنيع خيال شخصية المثقف التي تزوره بلا موعد أو استئذان كأنما لتحرضه على البوح والمكاشفة أو لتجد مبرراً يعالج تجربة شعراء سبعينات القاهرة على نحو فني وبشعرية تقوم في الأساس على التذكر. في "حديقة الموتى" يكسر خليل نصيرات البنية الحكائية للمسرحية التي تقدس الملفوظ وتجعل منه ناظماً للحدث وتطور الشخصية، ويكتفي من ذلك بما يشير ليترك للفعل المسرحي بكل عناصره استكمال ذلك وفقاً لجملة من الدلالات التي تصب في دلالة أوسع حيث يتوارى الملفوظ والحدث خلف هذا الفعل كأنما هما ذريعته في انتاج مشهد مسرحي يرسمه نصيرات تطريزاً بخيال واسع ذي مزاج خاص ولافت ومتميز في هذا اللون من المسرح الذي يطرقه الآن عدد من المخرجين الشبان. ويبدو ان نجاح نصيرات يتحقق في منطق خاص لعمله المسرحي الذي يتأسس زمانه ومكانه في المخيلة أكثر مما هما معقولان أو محسوسان الى حد يستطيع معه اقناع متفرجه بزمن خاص للصنيع المسرحي خارج الحراك الواقعي على رغم انه شديد الصلة به. وتتعدد النهايات في "حديقة الموتى"، بل ان احساس المتفرج بالنهاية يصل في غير لحظة من المسرحية، ذلك انها في سياقها ليست تصاعدية بل أفقية من الممكن تقطيعها. وما حدد نهايتها ليس زمنها الخاص بل رغبة المخرج في تكثيف لحظتها التعبيرية المسرحية في حركة الممثل وليس تكثيفها في لحظة تؤول اليها كل عناصر الفعل المسرحي.