فاجأ الرئيس حسني مبارك أول من امس الأوساط الاقتصادية في مصر باعتزامه إدخال تعديلات على تركيبة المهام الاقتصادية الحكومية، يتم بموجبها الغاء وزارة الاقتصاد وإسناد دورها الى وزارة التجارة الخارجية التي تعمل باستقلال عن وزارة التموين والتجارة الداخلية. إلا أن ابرز ما كشف مبارك عنه الاتجاه الى إعطاء البنك المركزي مسؤولية واستقلالية أكبر، وهنا يكون مضمون الرسالة التي وجهها الرئيس مبارك الىحكومة الدكتور عاطف عبيد واضحة الدلالة حول طبيعة التعامل مع ما هو "مالي" ويتصل بتنمية الموارد ودعم ميزان التبادل التجاري من جهة ويخضع للاشراف المباشر لرئيس الحكومة، وما هو "نقدي" يتولى محافظ البنك المركزي المسؤولية عنه من جهة اخرى بالخضوع المباشر لإشراف رئيس الحكومة ايضاً الذي يتولى مهمة التنسيق ووضع مؤشرات الأداء الكلي. و"استقلالية" المركزي عن وزارة الاقتصاد مرة أخرى هي بيت القصيد في تلك التعديلات، بعدما وضح من خلال التجربة أن استقلالية أقل للمركزي وتدخّلاً أكبر لوزارة الاقتصاد يساويان مسؤولية منقوصة للطرفين، وبالتالي تتعذر محاسبة المقصر كما ترى وجهة النظر الرئاسية، على أن فصول "الاستقلالية" في الجدل الاقتصادي المصري لم تكن تلك بدايتها بل تعود الى ما حدث قبل عامين، وتحديداً عندما بدأ سعر صرف الدولار في الصعود أمام الجنيه المصري بسبب الميل الزائد الى الاستيراد على حساب التصدير وتوسع البنوك حينها في فتح اعتمادات الاستيراد. وأصدر وقتها محافظ المركزي اسماعيل حسن قراره الشهير بعدم فتح اعتمادات مستندية للاستيراد إلا بغطاء نقدي يمثل 100 في المئة من قيمة الاعتماد وهو القرار الساري حتى الآن منذ آذار مارس 1999. وهنالك ثارت مشكلة مع وزارة الاقتصاد داخل المجموعة الاقتصادية لتبدأ مرحلة من الصراع المكتوم على الصلاحيات مع مجلس إدارة البنك المركزي ومحافظه الذي بدا وكأنه انتزع ما ليس له بقرار آذار، وتوالت الضغوط عليه بعد تغيير مجلس إدارة المركزي وتزكية وزارة الاقتصاد عدداً من الاسماء التي اختيرت بالفعل ضمن عضوية المجلس لتزداد فصول "الاستقلالية" سخونة بمحاولة اسماعيل حسن الاستقالة اكثر من مرة، ومن ثم كان ضرورياً ان تحسم القيادة السياسية الأمر مع بداية ولاية المحافظ الجديد للمركزي محمود أبو العيون. وحول الصلاحيات التي ينتظر ان يتم التأكيد عليها في إطار الاستقلالية الأكبر التي من المنتظر أن يتمتع بها محافظ البنك المركزي ومجلسه، أكد مصدر مصرفي رفيع المستوى انها تتعلق أساساً بمزيد من الحرية في إدارة السياسات النقدية، خصوصاً في قضيتي اسعار الصرف وإدارة الاحتياط النقدي، كما ستشمل صلاحيات واسعة في اختيار قيادات الجهاز المصرفي والمعاونين، وأن مجلس إدارة المركزي في ظل التبعية المباشرة لرئيس الحكومة سيُعاد تشكيله بحيث يتم استبعاد ممثلي الوزارات بصفتهم، وإن كان الاتجاه الغالب داخل المركزي هو الاحتفاظ بشخوصهم كخبرات مصرفية على أن يترك للمحافظ لاحقاً ترشيح من يرغب في معاونته. وأشار نائب المدير العام في "البنك العربي - الافريقي" أحمد سليم الى أن هناك عاملاً ضابطاً لم يلتفت اليه كثيرون في تبعية محافظ البنك المركزي، وهو حرص الرئاسة على تبعية وضع السياسة النقدية في خدمة أهداف الخطط العامة للدولة التي يكون رئيس الحكومة مسؤولاً عنها، وهو ما يعني ان "الاستقلالية" هنا بمفهوم المسؤولية الكاملة والتضامنية في وقت واحد مع فريق وزراء المجموعة الاقتصادية تحت قيادة رئيس الحكومة. من جهة أخرى عقد اتحاد المصارف المصرية اجتماعاً أمس للاتفاق على الخطوط العريضة للسياسات المصرفية المطلوب عرضها على القيادة الجديدة للبنك المركزي، وكذلك موقف مجلس الاتحاد من القرارات المزمع اتخاذها حول أسعار الاقراض واحتياطات البنوك لدى البنك المركزي.