شكّل تاريخ 30 تشرين الاول اكتوبر 2001 محطة مهمة في حياة المغني الأميركي مايكل جاكسون، إذ وزع في هذا اليوم ألبومه الجديد بعنوان Invincible لا يُقهر وذلك بعد اسبوعين على احتفاله بالعيد الثلاثين لمسيرته الفنية. وإذا كان الطفل المدلل للفريق الأسود "الأخوة جاكسون" الخمسة غدا في الثمانينات ملك موسيقى شعبية "فيدرالية" موحّدة وشعاراً "للإمبريالية الثقافية الأميركية"، في المقابل ستتحول التسعينات الى كابوس بالنسبة الى الفنان الذي حاول في الألبوم الجديد ان يؤكد مقدرته على المقاومة. Invincible يشهد على موهبة جاكسون. لكن، على رغم عناوين صلبة ومتينة، فإن الضعف في الإدارة الفنية سيقود الى ألبوم طويل معقد وعدد من الأغاني الخالية من أي شخصية. قبل أربعة ايام من احداث 11 ايلول سبتمبر في الولاياتالمتحدة، احتفل مايكل جاكسون بالعيد الثلاثين لمسيرته الفنية كمغنٍ منفرد في "ماديسون سكوير غاردن" في نيويورك. طوال اربع ساعات أحاط به عدد من المقرّبين إليه أمثال إليزابيث تايلور ومارلون براندو وليزا مينيللي وويتني هيوستون وكوينسي جونز ... اضافة الى ورثته "المزعومين" امثال برنتيني سبيرز والبوير باند ن. سينك ومارك انطوني ... للاحتفال بالعمل الجديد وعودة ملك موسيقى البوب الى الواجهة بعد غياب طويل دام نحو ستة اعوام، تاريخ صدور آخر اسطوانة له بعنوان "هيستوري" تاريخ. ولم يرحمه النقّاد في اليوم التالي، علماً أن هذا العرض كان مدخلاً الى الحملة العالمية لتسويق اسطوانة Invincible. والعنوان يؤكد رغبة الفنان في المقاومة للحملات التي عاناها في التسعينات وعزمه على استعادة شهرته. جسّد مايكل جاكسون لفترة طويلة صورة اميركا القوية التي لا تُقهر. نجاحه لم يكن مجرد موهبة فردية برزت، بل كان نجاحاً لثقافة واقتصاد كاملين. انطلاق ظاهرة مايكل جاكسون، في بداية الثمانينات خط الطريق لنوع جديد من العولمة. فإذا كانت صناعة العرض بمثابة حصان طروادة للتحررية الأميركية فإن التاريخ الموسيقي يقف عند "ما قبل" و"ما بعد" "ثريلر" Thriller. قبل بضعة اشهر من خروج هذه الاسطوانة العام 1982 - بيع منها الى اليوم نحو 50 مليون نسخة - كان مايكل جاكسون قد تكرّس نجماً عالمياً. فهو المفضل لدى المعجبين بين "الأخوة جاكسون"، الفرقة التي تأسست العام 1969 وانفصل عنها العام 1972 ليحترف الغناء منفرداً. إلا أن تعاونه مع كوينسي جونز، بدءاً بألبوم "اوف ذي وول" Off The Wall العام 1979، هو الذي سيعطي النجاح للجمع بين بساطة ألحان البوب وطاقة موسيقى الروك و"شبقية" ال"سول ميوزيك". وقد استجاب مايكل بذلك لمبادئ والده الروحي، بيري غوردي، مؤسس خط "تاملا موتاون" Tamla Motown الذي قلب في الستينات مقاييس الموسيقى الأميركية بتحويل بعض فرق "السود" مثالاً. ألفيس بريسلي فرض نفسه كملك للروك أند رول وعمّم لثقافة مضادة برزت في صراع الأجيال. مايكل جاكسون غدا "ملك البوب"، ملك أغنية شعبية قادرة على الإغواء من دون ان يحدّها عمر معين او طبقة اجتماعية او اختلافات اثنية وجغرافية. مايكل تسلّح بأغان جذابة مثل "بيلي جين" و"بيت إت" او "ثريلر" الألبوم الذي حمل العنوان نفسه، وخدمته قوة الصورة الى اقصى الحدود. مايكل سيكون اول "سوبر ستار" لعصر الفيديو كليب وسيبيع اسطواناته بشكل كبير باثاً في الوقت ذاته "عبادة صورته الأيقونية". "الطفل المعجزة" الذي عرف المسرح وهو لم يتعد الرابعة من عمره، وكان نتاجاً صافياً وواعداً لشركة الأحلام الكبرى، هذا الشاب المسحور بعالم ديزني سيضخم بمساعدة المؤثرات الخاصة في السينما جماليات موسيقى تساعد على الهروب. خطوته الراقصة الأكثر شهرة، ال"مون واك" Moon Walk التي تقلّد مشية الإنسان على سطح القمر، تلعب اساساً على مؤثرات الوهم. جاكسون أحب الهروب من الواقع وهذا ما ستجسّده ايضاً رغبته في تحويل تقاسيم وجهه للتخفيف من حدّة إرثه "الأسود" و"انتحال" صورة جديدة. أما التسعينات فستكون أسوأ الأعوام بالنسبة الى جاكسون، ففي العام 1993 اتهمه احدهم بالتحرش الجنسي بابنه البالغ من العمر 13 عاماً، وحكي عن اتفاق تم التوصل اليه كلّفه اكثر من 15 مليون دولار لإغلاق الملف، إلا ان النفوس لم تهدأ. وستأتي بعدها قضية زواجه الفاشل من ليزا - ماري بريسلي ابنة "الملك" ألفيس ومن ثم بديبورا روو التي طلقها بعدما رزق منها ولدين هما باريس وبرينس ويشرف هو على تربيتهما مع دزينة من المربيات المتخصصات اللواتي يخضعن لمراقبة دائمة بواسطة كاميرات مثبتة في كل ارجاء المنزل ... هذه القصص غذّت الصحافة الرخيصة لفترة طويلة جاذبة جمهوراً لا يشبع من الأخبار ويتشوّق لأسطوانات جديدة، أتت قليلة ومخيبة للآمال. وإذ استطاع مايكل جاكسون ان يحافظ على صورته، إلا انه خسر الكثير من رصيده وهو يشبه اليوم بمستواه رونالد ماكدونالد، وهو بعيد كل البعد مما جسّده فريق ال"بيتلز" مثلاً. فهل يمكن ان تكون سنوات الألفين افضل لبائع اكبر عدد من الاسطوانات المدمجة في العالم؟ يمكن القول ان "نوستالجيا" الثمانينات عادت لتهبّ من جديد. فالمثال الأعلى الآخر لهذه المرحلة، أي مادونا، باعت العام 2000 نحو 11 مليون اسطوانة من ألبومها "ميوزيك". في هذا الوقت جاب مايكل جاكسون الولاياتالمتحدة لتسجيل اغنية مع عدد من المشاهير - بريتني سبيرز ايضاً وأيضاً، وريكي مارتن، وكارلوس سانتانا وماريا كاري، وسيلين ديون، وديستينيز شايلد، وباكستريت بويز ... الذين يشاركون مقطوعته "وات مور كان أي غيف" What More Can I Give التي انتجها جاكسون بنفسه بهدف تجميع التبرعات لمساعدة ذوي الضحايا الذين سقطوا في 11 ايلول في الولاياتالمتحدة. وهو يأمل بتحصيل ما لا يقل عن 50 مليون دولار.