ولدت عام 1955 في مقديشو لأبوين متنوّرين فكرياً. سميت "زهرة" وأصرّ جدها على مناداتها باسمٍ يعتبر ذكورياً في الصومال هو ايمان فعُرفت واشتهرت به وكان له تأثير مهم في حياتها إذ أكسبها الكثير من التصرفات الرجولية والجرأة النادرة لدى الأنثى. ارسلتها والدتها لتعيش مع جدتها في أثيوبيا حيث ترعرعت، ثم أُرسلت للالتحاق بعد ذلك بمدرسة داخلية فتفجّر غضبها لإبعادها عن العائلة، ولكنها أصبحت أكثر اقتراباً من والدها الديبلوماسي مهندس طموحاتها الاكاديمية، بل كان اقترابها من والدها شديداً الى درجة انها اتصلت به تطلب منه ان ينصحها لدى قدوم أول دورة شهرية لها. واستاءت من نفسها عندما شعرت انها خيبت ظنّه إذ قررت ان تصبح عارضة أزياء وهو لم يكن راضياً عن ذلك. وكثيراً ما أخبرها انها وظيفة لا تستحق ان تتخلى بسببها عن مواهبها على رغم المكافآت المالية التي تحصل عليها من هذه المهنة. ولأنها لا تقوى على معاداة والدها أو تحمّل غضبه ما زالت تتعمّد اخفاء جميع صورها المهنية المعلقة في منزلها خصوصاً تلك التي تبدو فيها شبه عارية. بدأت قصة ايمان مع مهنة عرض الأزياء عندما صادفها المصوّر المحترف الموهوب بيتر بيرد في أحد شوارع نيروبي عندما كانت تلميذة علوم سياسية، ووافقت على الوقوف أمامه ليصورها بكاميرته السحرية وأرسل صورها الى وكالة "ويلهلمينا" للأزياء في نيويورك. تزوجت ايمان في سن مبكرة ولم تكن سعيدة. وكانت ترغب في الرحيل ولكنها كانت تحتاج الى موافقة زوجها، فكان عليها ان تهرب باستعمال أوراق مزيفة، ولم تخبر أحداً، الى ان حطت رحالها في مانهاتن عام 1975 في ترتيبات تمت بالتواطؤ بينها وبين وكيل وكالة ويلهلمينا للأزياء بواسطة المصور بيرد. كان عرض الأزياء ملائماً لها ولكنها وهي تعيش في أميركا وتتصرف بوجدان الانتماء الأفريقي. مع ذلك وفي حيّ هارلم بالذات لم تكن ايمان محبوبة ولا مرحّباً بها. كان عليها أن تماشي الظروف فتكوي شعرها الأجعد ليصبح مالساً، وان تستعمل كريمات جورجيا براون لتبييض لون بشرتها لتصبح مقبولة ومرغوباً بها في هذا المجتمع؟ وهل يقتضي ان يجعلك اللون الأسود الغامق حزيناً وخائفاً الى هذه الدرجة؟ وأن تكون مهمة الحسناء السوداء امتاع الرجل الأبيض فقط؟ كان التوقيت جيداً بالنسبة الى ايمان اذ أصبح كل مصمم أزياء مشهور مهتماً بعارضات سود لترويج بضاعته. وتبع ذلك مصممو الأزياء في باريس. وهكذا ازداد عدد عارضات الأزياء ذوات البشرة السوداء في مهنة "مشية القطة"، وأصبحت ملكتهن جميعاً تلك الصومالية المقيمة في الشارع 125 في نيويورك. لم تتأثر ايمان بالشهرة ولا نسيت أصلها، ولا العلوم السياسية التي تلقتها قبل احترافها عرض الأزياء. بل ثارت عام 1993 على الرئيس كلينتون عندما تدخلت الجيوش الأميركية في بلدها وسافرت الى مقاديشو في العام التالي لتصوير فيلم بعنوان "رحلة الى بلدي الصومال" عبّرت فيه عن المأساة التي تعيشها مدن الصومال وقراه وشعبه نتيجة الصراعات بين مختلف الميليشيات والعصابات. وقد أتعسها كثيراً أن والديها المقيمين في فيرجينيا وسط مجتمع صومالي كبير يرغبان في العودة الى الصومال ولا يستطيعان ذلك. عندما ذهبت ايمان الى بلدها لتصوير الفيلم في العام 1994 وكانت تزوجت من نجم الروك ديفيد بووي، زودها زوجها بدرع واقية للرصاص وأرسل معها حارساً لحمايتها، وحيّا فيها هذه الجرأة النادرة. مع ذلك أطلقت عليها النيران في الصومال، وألقي القبض عليها. وسمعت استغاثات المساكين المشرفين على الموت ولم تستطع اسعافهم. حتى بيت العائلة القديم كان محتلاً من أشخاص أرعبتهم فكرة اصرارها على طردهم من المنزل. فأين يذهبون؟! ساعدتها مجموعة "ترانس أفريكا" لعرض فيلمها الوثائقي على أعضاء الكونغرس الأميركي. وسالت دموع ايمان في أحد مشاهد الفيلم وهي تستمع الى عويل امرأة صومالية تقول ان أبناءها الستة ماتوا في الحرب. وبقي لها طفل صغير يصارع الموت جوعاً، وتطلب المساعدة لهذا الطفل ليتغلب على الموت ويعيش. وايمان ليست من النوع الذي يبكي على الأطلال، أو يقدّم المواعظ والخطابات المشجعة لهؤلاء المنكوبين، ولكنها من النوع العملاني الذي يقدم المساعدة المادية بهدف تعليم الأطفال وايوائهم وتسهيل مستلزمات العيش لهم. وهذا في نظرها أهم بكثير من جميع الخطابات والمواعظ. كما تعتمد في المساعدات المالية على التبرعات المادية حتى من زوجها. وتقول: "لا أستطيع ان أكون ملكة سبأ إذا كانت أي امرأة في بلدي تتضوّر جوعاً". منذ بدايتها كانت ايمان تفخر بعرقها الافريقي وتصرّ ان تبدو دائماً كذلك. فعندما صوّرها بيتر بيرد للمرة الأولى، ركّز على جيدها الأفريقي وعنقها الطويل النحيل والعقد التقليدي الأفريقي يطوق عنقها ويتدلى فوق الصدر. وعندما ذهبت الى باريس زوّدها تيري ماغلر بسعدان صغير احتضنته، كما كان يرافقها جروا نمر لكي تكتمل الصورة التي أرادتها لدى وصولها الى عاصمة الأزياء. تبتسم عندما يقارنون ذلك مع تنورة جوزفين بيكر المكونة من ورق الموز، وهي تقول "لا عيب في ذلك ولا اهانة لأفريقيا. لقد عرضت الجمال والأناقة كثيراً وعليّ أن أركّز على عادات وتقاليد بلدي وفي طريقتي الخاصة. هناك من ينتقد تسريحة شعري الأجعد. وهناك من يقول انني لست شديدة السواد مثل أليك ويك. ولكن الأمر يتعلق طبعاً بحرية اختيارك كيف تريد ان تظهر. وليس من أحد يستطيع ان يزايد على الأجسام الأفريقية. والأفريقيات بالطبع يعرفن الكنوز الطبيعية في أجسامهن الرائعة". أصدرت ايمان كتاباً خاصاً يتعلق بمهنة الأزياء دعماً للتحالف بين العارضات السود الذي أسسته. وأكثر ما تحبه ايمان في صفحات كتابها صور عارضات الأزياء السمر الشهيرات لأربعة أجيال سابقة مثل: بفرلي جونسون ونعومي كامبل وتيرا بانكس. هذه الصور الجميلة التي تؤكد ان قبول السوبر موديلات السمر في تقدم مستمر. وهي كذلك تريد ان تؤكد ان عارضة أزياء سمراء تتصدر مجموعة العارضات في كل جيل. ايمان سعيدة جداً بزوجها الثالث ديفيد الذي يبذل كل جهده لاسعادها. وعلى رغم انه محبوب من والديها إلا ان والدها لا يزال يقول انه كان يفضل لها زوجاً صومالياً. تجلس ايمان في مكتبها الكائن في الشارع السابع في مدينة نيويورك وتقول: "ان حياتي هي الجمال الاسطوري الناتج من الصراع بين القدر والسحر". وذلك المكتب يروّج لأدوات الزينة التي تحمل اسمها ويبدو كأنه معسكر لحملة اعلانية للأزياء. ايمان أول عارضة أزياء "سوبر موديل" سوداء 46 سنة لكنها تبدو أصغر من ذلك بكثير وهي غير مهووسة بترميم الشكل الخارجي لمظهرها. ولا تقوم بهذا العمل من أجل "ترويج" أحمر الشفاه إذ تجد نفسها أكثر سروراً وطبيعية من دونه. ولكنها منساقة وراء الغريزة التي حددت معالم حياتها. لم تجد أياً من المستحضرات وأدوات الزينة تناسب بشرتها، وأصابها السأم من محاولات مزج مواد الزينة على طريقتها لتصبح مناسبة لها. ففكرت في تأسيس مصنع لانتاج المواد المناسبة لها ولبشرة مثيلاتها من حيث "التركيب واللون" وهي بهذا تستطيع أيضاً تحقيق نجاح تجاري وأرباح مادية. وايمان ذكية، سريعة البديهة ولطيفة، تتقن النطق بلغات عدة ولا تحب اضاعة الوقت. وتدخل الى صلب الموضوع من دون مقدمات. تقول ان عرض الأزياء مهنة تستهلك أعمار الفتيات الصغيرات الجميلات. وتسبب انحرافهن واغواءهن. انها مهنة شديدة الشراسة تجعلهن متعجرفات ومكروهات: "لقد كنت محظوظة حقاً لأنني لم أسمع كلمة حب أو اطراء عندما كنت صغيرة، فلم يصبني الغرور. كنت فتاة صومالية بسيطة وعادية، ولا أدّعي الرشاقة وحدي إذ ان جميع فتيات الصومال جميلات ورشيقات مثلي وأكثر". لا يسعد ايمان الآن أكثر من ممارسة حياتها العادية في منزلها - خارج أوقات العمل المكتبي - تداعب ابنتها الصغيرة الكسندريا زهرة جونز واشغال الابرة والطبخ. تشعر إيمان وزوجها انهما شبعا حياة الحفلات الصاخبة واتخما منها "يعيْب الآخرون علينا هذا النمط من الحياة، لا يهم ذلك، نحن نحتفظ بحياتنا الهادئة وشؤوننا الخاصة بعيدة من الضجيج والأضواء". أذهب لحضور حفلات زوجي من وقت لآخر ولكنني أغادر الحفلة مبكرة ولا أحاول الذهاب الى الكواليس لرؤيته. المرة الوحيدة التي وقفت وزوجي أمام كاميرا المصور كانت أمام المصور بروس ويبر للنشر في مجلة "فوغ" الأميركية في جنوب أفريقيا. كنت أقصد من الصورة الشيء الكثير، لقد طلبت من زوجي - الأبيض البشرة - ان يقبّل جبهتي بحب ونعومة لأثبت ان الجنس الأسود والجنس الأبيض يمكن ان يتعايشا بحب وهناء من دون عنصرية بغيضة. وعلقت نسخة من هذه الصورة في منزلها قرب شهادة التقدير التي حصلت عليها من لجنة حقوق الإنسان في كتابها الذي يحمل عنوان: "هل تعلم؟ أنا رجل" مع اللعب على التحريف باللغة الانكليزية بين IMAN وA Man. والمفروض ان العنوان: "هل تعلم؟ أنا إيمان" You Know? I am Iman. حاولت ايمان ان تظهر بعض مظاهر الرجولة لديها انطلاقاً من اسمها "إيمان" الذي أطلقه عليها جدّها، وذلك لكي تبرر مظاهر الأنوثة الواضحة في تصرفات زوجها عازف الروك بقولها انه اكتشف الجانب الأنثوي في داخله. ولكنه رجل شرس ... وتقول عنه انه يُتّكل عليه كالشمس تماماً. وتتابع قولها: انه لو أتيح لديفيد ان يكتشف أسوأ العيوب فيها، فهو قطعاً لن يبتعد عنها. وهذا الشعور يشعرها بالأمان الذي لم تشعر به سابقاً. تقول ايمان انها حادة الطباع ولكنها تزوجت من رجل انكليزي هادئ "الى درجة انني ألقي بالصحون في وجهه بعنف اسمعه يقول بهدوء: يا حبيبتي... ألا نبحث الأمر سوياً في روية؟". أما ردها على حكايات كون زوجها مخنثاً، فتقول ان هذه الحكايات تعكس صورة خاطئة عما يتصوره الآخرون عموماً. ايمان وزوجها ديفيد لا يوظفان حرساً خاصاً الا في حالات نادرة. وهي تذهب للتسوّق في سيارة أجرة بينما تقود الخادمة عربة الطفلة في أرجاء الحديقة ويعيشان ببساطة على رغم الشهرة العالمية التي يتمتعان بها. وتضيف انها تُبعد ابنتها عن عدسات المصورين والمصممين. "أرسل لي أحدهم جاكيت فرو لها. تصوّر؟! فقد أعدتها له بالطبع". أما ديفيد فهو أب مثالي "انها تجلس في حجره وهو يعمل على الكومبيوتر وتنتبه الى كل ما يفعله. وهو يؤكد انها ستصبح مغنية شهيرة". تقاعدت ايمان من مهنة عرض الأزياء العام 1989 وذهبت الى لوس انجليس لتجرّب حظها في التمثيل، ولكن التمثيل لم يكن مغرياً لها على رغم مشاركتها في بعض الأفلام مثل فيلم "حرب النجوم" و"هروب سارق الجوهرة من عدن". وعن زواجها تقول انها وديفيد تحدثا معظم ساعات الليل في لقائهما الأول، وفي صباح اليوم التالي اتصل بها يدعوها الى فنجان شاي. مع انه لا يشرب الشاي أصلاً ولكنه كان متوتراً ولم يجد شيئاً آخر يقوله: "لم نجد في المنطقة كلها مكاناً يقدم لنا الشاي فانتهينا الى كوب من القهوة بدلاً من الشاي". وغادرت ايمان الى باريس بعد ذلك. وتضيف انها لم تتأثر بشهرة ديفيد ولا بفنه. "ولكنني أحببت هذا الشخص الهستيري المنفتح المسلّي الغريب الأطوار. كل صباح أمضيه معه أشبه بالكاباريه. أنا لم أتزوج ديفيد بووي اسمه الفني بل تزوجت ديفيد جونز اسمه الحقيقي. تقدم ديفيد بطلب يدي في باريس وتزوجته. كان شديد الرومانسية إذ استأجر قارباً في نهر السين فوقه طاولة لشخصين وعازف بيانو. كما رتب بطريقته ان تضاء الأنوار على الجسور كلما مرّ القارب من تحتها. كان ذلك يوم 14 من الشهر. وقد مرت نحو 10 سنوات ولا تزال تصلني الزهور منه كل يوم 14 من كل شهر حتى الآن.