البرهان : السلام في منطقة الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي    المملكة تؤكد وقوفها إلى جانب فلسطين ولبنان لتجاوز تبعات العدوان الإسرائيلي    الرئيس الفلسطيني يطالب بتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة    الطائرة الإغاثية السعودية ال22 تصل لبنان    الملك يتلقى رسالة خطية من رئيس غينيا بيساو    NHC تعلن عن أكبر معروض عقاري في سيتي سكيب بأكثر من 62 ألف وحدة سكنية    أبو الغيط: ما تقوم به إسرائيل تدمير لمستقبل التعايش في المنطقة وتخريب لإمكانات السلام    تلال تُطلِق مشروعها النوعي "قلب الخُبَر" بقيمة سوقية 6 مليارات ريال في "سيتي سكيب العالمي" بالرياض    رئيس وزراء أذربيجان يستقبل الأمين العام لمركز كايسيد    ترابط الشرقية تفوز بجائزة هارفرد العالمية للأعمال عن نزل للمرضى    تجمع المدينة الصحي يدشن 8 مهابط للإسعاف الجوي    وزير الثقافة يتفقد مواقع أثرية ومشاريع إستراتيجية ثقافية في الأحساء    أمير الجوف يرعى تسليم شهادتين من جينيس للأرقام القياسية    لابورت يتحدث عن ثنائيته الرائعة مع سيماكان    ممثل رئيس وزراء جمهورية النيجر يصل إلى الرياض    فيصل بن سلطان: رؤية المملكة 2030 مهتم بخدمة اللغة العربية وكل ما يخدم انتشارها    نائب رئيس دولة الإمارات يصل إلى الرياض    "كفالة" تطلق 14 برنامجاً تمويلياً و100 مليار ريال ضمانات البرنامج التمويلية    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    لمسة وفاء.. المهندس عبدالعزيز الطوب    تحالف دولي طبي من 85 دولة في مؤتمر "ميدام 24" لبحث مستجدات الأمراض الجلدية وطب التجميل    تدريب 100 مختص على أمراض التمثيل الغذائي    المملكة تستضيف المؤتمر العالمي رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات بمشاركة وزراء الصحة والبيئة والزراعة من مختلف دول العالم ورؤساء منظمات دولية    مركز التنمية الاجتماعية بحائل ينفذ برنامج "الادخار العالمي" بالشراكة مع بنك التنمية الاجتماعية    آل سالم إلى «الثامنة»    احتفال سنان والصائغ بزواج ريان    الأخضر يدشن تحضيراته في أستراليا    تعادل أبها والعدالة إيجابياً في دوري يلو    161,189 مسافراً بيوم واحد.. رقم قياسي بمطار الملك عبدالعزيز    366,000 عملية فحص على خدمات نقل الركاب والبضائع في أكتوبر    أحمد قاسم.. عرّاب الأغنية العدنية ومجددها    209 طلاب يتنافسون للالتحاق بالجامعات الأمريكية عبر «التميز»    الدوسري مهدد بالإيقاف    «الصناعات العسكرية» تنظّم مشاركة السعودية في معرض الصين الدولي للطيران    السعودية واليمن.. المصير المشترك    5 أسباب لسقوط أسنان المسنين    في مشهدٍ يجسد الحراك الفني السعودي.. «فن المملكة» ينطلق في«القصر الإمبراطوري» البرازيلي    الرياض.. تتفوق على نفسها    مرحلة (التعليم العام) هي مرحلة التربية مع التعليم    المملكة تدين الهجوم الإرهابي في بلوشستان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    مهرجان الممالك القديمة    النعاس النهاري بوابة لخرف الشيخوخة    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    أمير القصيم يثمن جهود القضاء.. وينوه بجهود رجال الأمن    لصوص الطائرات !    الزعيم صناعة اتحادية    عودة ترمب.. ذكاء الجمهوريين وخيبة الديمقراطيين !    Microsoft توقف عدة تطبيقات    من الكتب إلى يوتيوب.. فيصل بن قزار نموذجا        أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    مراسل الأخبار    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الأكثر فاعلية ليست بالصواريخ والطائرات : هل يحفز الإرهاب على أنسنة العولمة بعد أن فرضت الشيوعية ترشيد الرأسمالية ؟
نشر في الحياة يوم 09 - 10 - 2001

هل يمكن أن يكون للإرهاب الأسود، الذي اعتدى على مراكز حيوية في الولايات المتحدة في 11 أيلول سبتمبر، أي أثر إيجابي من أي نوع؟ الدافع إلى السؤال هو أن أكثر الأعمال شراً يمكن أن يقود إلى خير، من دون قصد، إذا ولّد تحدياً عظيماً وأدى بالتالي إلى استجابة مناسبة. والسؤال، على هذا النحو، مشروع من الناحية الأخلاقية. كما أنه سؤال مبرر سياسياً وفكرياً لأن هناك سابقة تاريخية، واجهت فيها الولايات المتحدة ومعها قسم من العالم تحدي الشيوعية وقد تحولت من أيديولوجية إلى دولة عظمى، وقف معها جزء آخر في عالم ما بعد الحرب الثانية وفي عصر القطبية الثنائية.
ولا يعني ذلك تماثلاً بين الإرهاب والشيوعية، وإنما تشابه أو أقله تقارب في الوظيفة العالمية لكل منهما في مرحلتين تاريخيتين، وما تمثله من تحدٍ. وإذا كانت أميركا انتصرت على تحدي الشيوعية في عالم قسم إلى معسكرين وبرز وسطهما فريق ثالث حاول ألا يكون منحازاً إلى أحدهما، فالمفترض، منطقياً، أن تكون قدرتها على حسم المعركة ضد الإرهاب أكبر ومعها اليوم الغالبية الساحقة من دول العالم.
غير أن السؤال المحوري هنا هو: كيف يتحقق الانتصار على الإرهاب اليوم بالنظر إلى سابقة الصراع ضد الشيوعية؟ فالثابت أن القدرة على المراجعة والنقد الذاتي، وليست قوة السلاح والعتاد، كانت هي العامل الأول وراء النتيجة التي انتهت إليها الحرب الباردة الدولية وهي انهيار القطب السوفياتي وانفراد القطب الاميركي بقمة العالم.
وكانت هذه النتيجة انتصاراً للحكمة في المقام الأول: الحكمة التي ظهرت في ترشيد النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، عبر مراجعة فكرية لبعض أصوله وجسارة في تطبيق ما قادت إليه هذه المراجعة، وخصوصاً على صعيد القضايا الاجتماعية. فكانت تناقضات المجتمع الرأسمالي، وما تنطوي عليه من ظلم للفئات الاجتماعية الأدنى، هي رأس الرمح في هجوم الشيوعية على العالم وتمددها المتفاوت في كثير من أنحائه.
ولذلك ففي الوقت الذي تصاعد سباق التسلح الأميركي والسوفياتي، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في ترشيد النظام الرأسمالي لخوض سباق آخر ثبت أنه كان الأكثر تأثيراً في تحديد نتيجة الصراع، وهو السباق بين نظامين اقتصاديين، اجتماعيين، سياسيين، وراء كل منهما فلسفة مناقضة للأخرى.
وأدى هذا الترشيد إلى سد الثغرة الأهم التي كانت الشيوعية تراهن عليها وتسعى إلى أن تنفذ من خلالها إلى داخل النظام الرأسمالي لهدمه، وهي المسألة الاجتماعية. فقد نُظِّر لدور أكبر للدولة في النظام الاقتصادي انطلاقاً من أن السوق لا تعمل من فراغ بل في إطار اجتماعي، وفي توزيع ثمار التنمية عبر الإدارة الضريبية التي زادت أهميتها، ومن خلال زيادة الانفاق على الخدمات والتأمينات الاجتماعية وضمان ظروف أكثر عدلاً للعمل في ظل السوق الحرة. فأصبح للدولة في النظام الحر دور أكثر فاعلية منه في النظام الموجه سعياً إلى أكبر قدر ممكن من التوازن الاقتصادي ومعالجة الاختلالات وتنمية المجتمع بفئاته كلها.
وظهرت مفاهيم جديدة مثل مفهوم الحد الأدنى الاجتماعي، ومفهوم الحرية الإيجابية الذي يقضي بتوفير الظروف التي تمكن المواطنين في مختلف درجات السلم الاجتماعي من ممارسة حرياتهم السياسية.
حدث هذا التطور في الوقت الذي كانت الشيوعية تعاني جموداً شديداً أدى إلى تحجرها وتراجع قدرتها تدريجاً على تهديد الولايات المتحدة وحلفائها، أو تقديم بديل يعتد به للنظام الاقتصادي العالمي الذي ظل في جوهره رأسمالياً.
وأدرك بعض المفكرين اليساريين العرب الأكثر عمقاً مغزى النجاح الذي حققته الرأسمالية. وكان أبرزهم المرحوم فؤاد مرسي في كتابه "الرأسمالية تراجع نفسها".
وكان للشيوعية فضل في الدفع باتجاه هذه المراجعة، بسبب التحدي الذي فرضته على الدول الرأسمالية. ويصعب القطع بما إذا كان مثل هذه المراجعة ممكناً في غياب التحدي الشيوعي. ولكن يجوز ترجيح أن هذا التحدي لعب دوراً كبيراً في تسريع مراجعة الرأسمالية لنفسها وإصلاح الكثير من أوجه اختلالها وسد معظم الثغرات التي سعت الشيوعية إلى النفاذ منها. فكان التحول، في زمن قياسي، من عصر كان عنوانه الظلم الاجتماعي إلى عصر دولة الرفاهية.
لقد كانت الشيوعية، في أصلها الذي صاغه وبلوره ماركس وانجلز، رد فعل على الظلم الاجتماعي الذي ترتب على انطلاقة الرأسمالية وثورتها الصناعية الأولى. ويجوز أن ننظر إلى الإرهاب العالمي اليوم باعتباره، في أحد جوانبه على الأقل، رد فعل على الظلم السياسي الاقتصادي الذي اقترن بالعولمة والنظام العالمي أحادي القطبية.
فإذا نحينا جانباً بشاعة الإرهاب وما يحدثه من خراب، يمكن أن نجد فيه تحدياً ربما يستدعي استجابة من النوع الذي تعاملت به الولايات المتحدة والدول الغربية مع تحدي الشيوعية. وعلى رغم عدم التماثل، مرة أخرى بين هذين التحديين، فمن الجائز أن يولدا النوع نفسه من الاستجابة التي تستهدف إزالة أسباب التحدي قبل كل شيء.
وإذا استعدنا الخطاب السياسي الأميركي، وبعض الأوروبي الغربي، في أواخر الأربعينات وخلال الخمسينات ثم في فترات متقطعة أخرى لوجدنا تشابهاً كبيراً بينه وبين الخطاب الراهن.
فلا فرق مثلاً بين خطاب الرئيس بوش الثاني عن مواجهة الشر الذي يمثله الإرهاب وخطاب الرئيس ريغان عن إمبراطورية الشر السوفياتية.
ولذلك يفيد الولايات المتحدة وحلفاؤها كثيراً أن تستريح خبرة مواجهة التحدي الشيوعي، حين كان ترشيد الرأسمالية هو السلاح الأول في هذه المواجهة. فربما نستنتج منها أنها تحتاج إلى سلاح من النوع نفسه، وهو أنسنة العولمة التي تلحق الضرر بالأضعف والأفقر في عالمنا الراهن، عبر إصلاح جدي في النظام الاقتصادي العالمي وفي المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة.
لقد كانت الاستجابة لتحدي الشيوعية عبر إصلاحات داخلية في أميركا والدول الغربية. أما الاستجابة لتحدي الإرهاب فهي تقتضي، إلى ذلك، اصلاحات عبر قومية تقلل مخاطر العولمة على الدول الأقل نمواً، وتجعل الأمم المتحدة قادرة على أداء دورها المفتقد في حفظ الأمن والسلم العالميين عبر مشاركة وتفاهم ووفق معايير الشرعية التي لا ازدواج فيها.
ففي عالم يتسارع الاندماج بين أجزائه لاپبد من أن يزداد الإحساس بالفجوة المتزايدة بين الأغنى والأفقر، وبين الأقوى والأضعف، بما ينتجه ذلك من غضب يتراكم لدى البعض الأكثر استعداداً لممارسة الاحتجاج إلى أن يصير ناراً حارقة.
وأي فجوة أكبر من أن يستأثر 18 بلداً فقط تضم نحو 15 في المئة من سكان كوكبنا، بحوالى 65 في المئة من مجمل الدخل العالمي وتستحوذ على نحو 89 في المئة من التجارة الدولية وفقاً لتقرير التنمية البشرية للعام 2000 الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. وأي هوة أوسع من أن يمتلك أقل من 400 شخص غالبيتهم الساحقة في الدول الغربية ثروات تساوي أكثر مما يملكه بليونان من سكان العالم.
وفي الإرهاب الذي اكتوت واشنطن ونيويورك بناره أخيراً تعبير إجرامي عن هذا الغضب، الذي توجد أشكال أخرى من التعبير السلمي ومحدود العنف عليه يمارسها قطاع من المجتمع المدني العالمي في تظاهرات الاحتجاج ضد العولمة منذ العام 1999 في سياتل. كما أن في هذا الإرهاب تعبيراً إجرامياً، كذلك، عن الاحتجاج على ظلم ناجم عن تهميش الشرعية الدولية وإضعاف دور الأمم المتحدة، أو تغييبه، في حل نزاعات وقضايا إقليمية كبرى ليست القضية الفلسطينية إلا واحدة منها.
وعلى رغم أن الإرهاب العالمي يتسم بطابع "شبحي" لا عنوان له، فهو يمثل تحدياً محدداً أو يمكن تحديده ومعرفة أبعاده والتعامل معها. فهو يشير إلى اختلالات في العولمة لا ينكرها معظم القائمين على مؤسساتها الاقتصادية والمالية، وإلى أخطاء في طريقة إدارة النظام العالمي حالت دون تحقيق الوعد الذي أطلقه الرئيس بوش الأول عند إعلانه ولادة هذا النظام في آذار مارس 1991: وعد السلام والأمن والديموقراطية وحقوق الإنسان. وعلى رغم أن الإرهاب العالمي يبدو مجرداً من الإنسانية، فالسبيل إلى مواجهة التحدي الذي يمثله هو أنسنة العولمة واحترام الشرعية الدولية.
ومثلما كان ترشيد الرأسمالية فاعلاً في الاستجابة لتحدي الشيوعية، ستكون أنسنة العولمة قادرة على مواجهة تحدي الإرهاب الأكثر خطراً على البشرية ومستقبلها. فلتعد الولايات المتحدة ما تشاء من قوة لمحاربة الإرهاب.
ولكن العمل الأكثر فاعلية ضده هو في ميدان آخر. وفي الحرب المسلحة يجري تخصيص بلايين لا آخر لها، على نحو يوجب تسميتها حرب البلايين اللامتناهية لا العدالة المطلقة ولكن في الحرب ضد الفقر والظلم، عبر أنسنة العولمة، يكفي أقل من نصف ما خُصِّص للحرب المسلحة للوصول إلى نتائج ملموسة وإن مبدئية على صعيد تجفيف منابع الإرهاب العالمي.
* كاتب مصري. نائب مدير "مركز الأهرام للدراسات".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.