أول الكلام: من ديوانها "لك هذا الجسد... لا خوف عليَّ"، للشاعرة العراقية/ أمل الجبوري: - المتاهات: يباس ومنفى قلتُ صاحبي: بلِّلني بهذا البلد لا تطفئني بيأس مجهول فالحزن: وطن الكلمات إعطني النسيان أرجمك بالذكريات!! كيف تعود المدن الى صبوة الحلم، والانسان فيها متلفع بالخوف؟! صار ما ينبت حول الانسان: مُنهكاً بجوارح الزمان... وحين الشمس تتحول الى احتراق: ينبعث "بوح" كهذا الذي يسرُّ به إليَّ "الصديق العزيز جداً الى نفسي"، وهو يقول بلغة الوجد الانساني: إليك كلماتي... تنشرها أو تُلحدها، المهم انني صرخت: العزيز/ أبو وجدي: على غير هدى أكتب إليك اليوم... لا أعلم لماذا أكتب اليك، رغم ان الكتابة تجبرني أحياناً على فضح وجعي!! أحدثك اليوم بلغة الخوف... أكثر اللغات العالمية عتمة وبلاغة، ضمير المتكلم الذي لا يبوح به الكثيرون لأنه ضمير الحقيقة... وكيف لا أخاف - يا بو وجدي - والعالم كله جمرة حمراء ملتهبة، كأن الأرض انشقت، واليابسة انسحبت، والقمر رحل، والدنيا أقفرت. التوحش أصبح يعربد في النفوس، والناس أصبحوا لا يتحدثون الا لغة مزجت بين القلق والرهبة... وشاشات التلفاز تحولت الى سطح أملس مظلم مليء بأصوات المفرقعات والقنابل والدخان!! نشاهد أناساً يتحركون في ضوء البارود، وأطفالاً يتكوَّمون على الأرض ولا أحد يركض اليهم، ونساء تتبعثر أعضاؤهن وتتفكك عظامهن في كل مكان ولا أحد ينظر اليها أو يلملمها... الجميع يعيش حالة حرب معلنة! كانوا يقولون في زمن الفرسان: ان الحرب لا تُعلن إلا على الرجال، وعلمنا ان الحرب أعلنت على النساء والأطفال، وان من قالوا انهم رجال انسحبوا للكهوف وتركوا النساء والأطفال في العراء!! ومع اعلان الحرب... أصبح المسلم والعربي: نكرات حضارية... أصبحنا كذلك بما فعله السفهاء منا، كأن لعنة أصابتنا نحن فئة المعتدلين المثقفين في الشرق... الغرب يرفضنا والمتطرفون يكفروننا!! أُلغِي العربي من تاريخ الغرب، كأن العربي المضطهد في وطنه ينتشر كالفتات المنثورة هنا وهناك مجزأ الى عشرات الأجزاء في أرض الله الواسعة!! الآن الله وكيلك أصبح جزء واحد مطارد في كل مكان... أصبحنا الآن الفئة المرفوضة في أراضيها وأراضي الدنيا! كان يقول لنا الأولون: إن الأوطان لا تتبنى إلا أبناءها، ويبدو لي - يا بو وجدي - اننا فئة يتيمة... لا أعلم ماذا تبقى لنا نحن الهائمين على وجوهنا في الدنيا بحثاً عن الأمان، والحرية، والعدل، والمساواة، ولقمة العيش الكريمة... فقدنا الإحساس بالمكان والثبات والاستقرار... فقدنا الاحساس بالأمان، لم نعد نملك إلا الخوف، لأننا لم نعد نملك أنفسنا... فلا شيء يمنحك نفسك سوى نفسك، ولكن... أين هي أنفسنا بالله عليك؟!! ما هو آتٍ: مجهول... حاضرنا مجهول... كل شيء فقد بهاءه، كل شيء أصبح عارياً... حتى من ورقة الكرامة! اختفت الأسرار، وبهتت الألوان، وانقشعت الأقنعة، واستحالت الاشراقة... حنانك يا رب ورحمتك فهي تسع كل شيء ويا أمان الخائفين!!