مع دخول الحرب اسبوعها الرابع خيمت مشاعر احباط من إمكان تحقيق الحملة العسكرية اهدافها، وسط تحذير وجهه الرئيس الباكستاني برويز مشرف الى واشنطن من السقوط في "مستنقع" افغانستان، التي شهدت منذ ليل الجمعة حتى مساء امس، الغارات الأعنف منذ بدء الضربات. وركز القصف على الخطوط الأمامية لحركة "طالبان" تجاوباً مع طلب "تحالف الشمال" المناهض لها، كما طاول القصف كابول وقندهار وهرات، من دون اي مؤشر الى وهن في عزيمة الحركة. وفي وقت صعَّدت الاحزاب الاصولية في باكستان حملتها ضد السلطات، مهددة باحباط تعاونها مع الاميركيين بالقوة، نفذ رجال القبائل الباكستانية تهديدهم، اذ وصل حوالى عشرة آلاف منهم الى الحدود الافغانية، وتمركزوا قربها في انتظار عبورها تحت جنح الظلام، للقتال الى جانب قوات "طالبان". وأعدمت الحركة شنقاً خمسة من قادة المعارضة، بعد يوم على اعدام قائد المجاهدين عبدالحق بتهمة التعاون مع الاميركيين. وأعلنت الحركة انها تبحث عن اميركي كان برفقة الأخير في مهمة لحشد تأييد القبائل، كي تتمرد على "طالبان"، فيما ساد قلق على مصير وزير سابق للخارجية، حامد كرازي الذي افيد انه تسلل الى ولاية قندهار في مهمة مماثلة. وتحت غطاء قصف جوي أميركي على مواقع للحركة قرب كابول، سعت المعارضة الأفغانية الى تشديد ضرباتها، فيما اعترفت بريطانيا بأن الحملة العسكرية على أفغانستان ستكون صعبة وطويلة. وانتقلت اجواء الحرب المحمومة الى الهند حيث اعلن عن سقوط قتلى وجرحى برصاص الشرطة، اثناء تظاهرات للاحتجاج على ضرب افغانستان. في الوقت ذاته استمرت حال الذعر في اميركا بسبب انتشار "الجمرة الخبيثة" التي "هاجمت" مزيداً من المباني الحكومية. وأكد مسؤولون روس استعداد موسكو للتدخل العسكري في حال تعرض طاجكستان لأي اعتداء خارجي، فيما حذر نواب من احتمال تعرض هذا البلد لاعتداء من قوات "طالبان". وعقد في وزارة الدفاع الروسية اجتماع ضم كبار ضباط الجيش السوفياتي الذين شاركوا في الحملة السوفياتية على افغانستان، وبينهم رئيس الأركان السابق محمود غارييف الذي توقع فشل العمليات العسكرية الأميركية. وكان وزير الدفاع البريطاني جيف هون اقرّ بأن الحملة العسكرية على أفغانستان ستكون طويلة وصعبة، مشيراً الى تعذر تحديد فترة زمنية لها، علماً ان رئيس الأركان البريطاني مايكل بويس نبه الى ان الحرب قد تستمر في مرحلتها الأولى 3 - 4 سنوات. وقال ان تحقيق اهداف التحالف قد يتطلب خمسين سنة! وفي واشنطن، ساد اقتناع بأن سير العمليات العسكرية تحول الى شبه روتين، على رغم تأكيدات المسؤولين في البنتاغون ان العمليات تجري وفق الخطة الموضوعة لها. وجاء اغتيال عبدالحق ليثير شكوك المسؤولين الاميركيين في امكان الاعتماد على قوات المعارضة لتحقيق اهداف الحملة العسكرية، مع ازدياد الكلام على ضراوة قوات "طالبان" وقدرتها على الاستمرار في المقاومة، على رغم كثافة النيران الاميركية وتفوق واشنطن العسكري. وجاءت تلك المشاعر المشوبة بالاحباط في وقت تزايد عدد حالات "الجمرة الخبيثة" في المباني الحكومية الأميركية، بعدما اكتشفت آثار للجمرة في مكاتب لثلاثة اعضاء في مجلس النواب، فيما أدت برودة الطقس الى المزج بين اعراض الاصابة بالجمرة والاصابة بالزكام. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" نقلت عن مسؤولين في "اف. بي. آي" و"سي. آي. أي" ان الاتجاه السائد لديهم هو ان هجمات "الانثراكس" فعل محلي ولا علاقة لأسامة بن لادن بها. لكن استبعاده من لائحة المتهمين المحتملين لم يخفف الذعر في الولاياتالمتحدة، إزاء احتمال وجود خلايا مختبئة تخطط لعمليات ارهابية جديدة. مخاوف باكستانية الى ذلك أعرب الرئيس الباكستاني عن أمله بألا يغرق الاميركيون في المستنقع الافغاني فيجدوا انفسهم في ورطة، مبدياً خشيته من استمرار الحرب خلال شهر رمضان وما لذلك من ردود فعل محتملة في الشارع، فيما بدأت تعلو في اوروبا اصوات اصولية ضد الضربات. اذ تظاهر الف شخص في ستوكهولم احتجاجاً، وأفادت وسائل اعلام في المانيا ان قادة اصوليين تداعوا الى احتجاجات. وهددت الجماعات الإسلامية الباكستانية المنضوية تحت لواء مجلس الدفاع عن أفغانستانوباكستان، بعصيان مدني في كل انحاء البلاد مطالبة مشرف بإعادة النظر في قراره التعاون مع اميركا. وقال رئيس المجلس سميع الحق ل"الحياة" أمس انه في حال لم يغير الرئيس الباكستاني موقفه أو يتنحى عن السلطة في السابع من الشهر المقبل، فإن البلاد ستدخل حالاً من العصيان المدني تتمثل في "تكثيف التظاهرات والإضرابات وسد الطرق الرئيسية بين المدن الباكستانية". ودعا نائب زعيم الجماعة الإسلامية لياقت بلوج الجيش إلى اطاحة مشرف، فيما علمت "الحياة" أن المجلس دعا الحكومة الباكستانية إلى منع أي نشاط لمؤيدي الملك الأفغاني السابق ظاهر شاه، وهدد باحباط اي تحرك لأعداء "طالبان" في باكستان. ويتوقع ان تشهد مدينة لاهور تظاهرات ضخمة للاصوليين اليوم وغداً. رجال القبائل في غضون ذلك، توجه أكثر من عشرة آلاف متطوع من رجال القبائل الباكستانية إلى منطقة باجور على الحدود الأفغانية، يتقدمهم صوفي محمد زعيم حركة تطبيق الشريعة. وأبلغت مصادر قريبة الى المتطوعين "الحياة" في اتصال هاتفي انهم خيموا أمس في منطقة باجور التي تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود ومعهم باصاتهم وشاحناتهم وكميات كبيرة من الاسلحة والذخائر، ومن المقرر أن يدخلوا أفغانستان اليوم بعدما حصلوا على "إذن سراً" من السلطات الباكستانية التي تتجنب مواجهتهم. ورسم السفير الأفغاني في إسلام آباد عبدالسلام ضعيف، صورة مأسوية للوضع في قندهار بعد عودته منها. وقال ان المقاتلات الأميركية "تستهدف المدنيين وثمة شح كبير في الدواء والغذاء، وبعض الجرحى قضى بسبب فقدان الامدادات الطبية". ودعا منظمة المؤتمر الإسلامي إلى التحقق من حجم الدمار والخراب الذي استهدف الأحياء السكانية في افغانستان. على صعيد اخر، لا يزال المحققون الايطاليون مشغولين بقضية شاب مصري عُثر عليه مختبئاً في حاولة في ميناء جنوب البلاد، وتبين انه يحمل الجنسية الكندية ايصاً ويملك وثائق تسمح له بدخول مناطق محظورة في المطارات. وتزامن اعتقاله مع توقيق شاب سوري في تورنتو، للاشتباه في انتمائه الى منظمة اسلامية متشددة تؤمن بأفكار مماثلة لأفكار اسامة بن لادن.