لم تكد تهدأ الضجة التي أثارها جورج بوش حول "الحرب الصليبية" التي يخوضها الغرب ضد الارهاب، حتى أثار سيلفيو بيرلوسكوني، رئيس الحكومة الايطالية ضجة اكبر عندما تحدث عن "تفوق الحضارة الغربية على الحضارة الاسلامية"، وقبل ان يزول مفعول تصريح بيرلوسكوني حول الاسلام، قالت مارغريت ثاتشر، رئيسة حكومة بريطانيا السابقة انها "لم تسمع ادانات كافية من الزعماء الدينيين الاسلاميين للارهاب". هذه التصريحات أثارت ردود فعل ناقدة في المجتمعات الغربية نفسها مما جعل اصحابها يحاولون التخفيف من اضرارها. الرئيس الاميركي حاول معالجة آثارها عن طريق القيام بزيارة للمركز الاسلامي في واشنطن والتشديد على ان الحرب لا تستهدف المسلمين أو الاسلام وانما الارهاب، وعلى انه يكن للاسلام كل التقدير والاحترام. بيرلوسكوني وثاتشر عالجا مضاعفات هذه التصريحات بالإشارة الى ان "عدداً من أقرب الأصدقاء هم من المسلمين"! هذه الاعتذارات خففت من أثر التصريحات ولكنها لم تنزع فتيلها، ولم تبلغ مغزاها ولا حدت من تفاعلاتها خاصة داخل المجتمعات الغربية. في "الاعتذار" الذي قدمه بيرلوسكوني عن "زلة لسانه" أعطى صورة أخرى عن حجم التجاوب مع تقييمه للفارق بين الحضارتين الغربية والاسلامية عندما قال ان ما قاله يعكس رأي الأكثرية من الايطاليين. مايكل هيزلتاين، أحد زعماء حزب المحافظين، انتقد تصريحات ثاتشر، ولكنه حاول ان يقلل من اتساع التأييد لها عندما قال انها "ستشحذ النزعة العنصرية القوية، الموجودة لدى أقلية ضئيلة من السكان، المسؤولة أساساً عن حدوث اضطرابات عرقية في البلاد". هيزلتاين قد يكون على حق، أي ان قلة فقط من المواطنين تتأثر بالنزعة العنصرية. ولكن التاريخ، التاريخ الأوروبي نفسه، يدلنا على ان القلة قد تتحول في ظروف معينة وخلال زمن قصير الى اكثرية. فخلال جيل واحد تقريباً تمكنت الأفكار الفاشية من مطلع العشرينات الى الاربعينات من غزو القارة الأوروبية، وانطلاقاً من بلد سيلفيو بيرلوسكوني تحديداً. ربما كان هذا الاحتمال مستبعداً بسبب رسوخ التقاليد الليبرالية في دول الاطلسي. ولكن ما هو ليس مستبعداً هو نمو نوع جديد من الفاشىة يحفظ النظام الليبرالي لأهل البلاد، مع ممارسة التشدد المتنامي ضد الأقليات الاثنية والاغيار والاجانب. في هذا السياق، تقدم اسرائيل للغرب نموذجاً "رائداً" يقتدى به، و"منارة" يهتدي بها أهل السياسة والتشريع والفكر في الغرب. وما يجري اليوم في دول الغرب من مراجعة للأوضاع العامة ومن اجراءات وتدابير أمنية يوحي بأننا لسنا بعيدين كثيراً عن مثل هذا الاحتمال، وان الذي سيدفع الثمن المباشر لهذه التحولات هم عرب المهاجر. ان عرب المهاجر اليوم هم يهود أوروبا بالأمس. انهم الأغيار الجدد الذين يثير وجودهم في الفضاء الغربي مزيجاً من مشاعر القلق والتحسب والكراهية. واذا كان للحرب ضد الارهاب ان تطول وان تستمر لسنوات، وان تكون حرباً بالمعنى الحقيقي، أي صراعاً بين طرفين، فإنه من الأرجح ان تكبر الفاتورة التي سيدفعها عرب المهاجر. اننا نشهد يومياً ارهاصات الأيام الصعبة التي قد تواجه عرب المهاجر. فعلى مستوى الفكر والثقافة تتجلى تلك الارهاصات في انتشار شحنات قوية من الروح القومية المناهضة للانفتاح في الفضاءات الغربية عموماً. انها في الولاياتالمتحدة تلك النزعة التي تثير قلق مورين دود، المعلقة الاميركية في "نيويورك تايمز" 1-10-2001 لأن الكلام عن ضرورة احترام الأديان الاخرى مثل الاسلام، يتناقض مع ما يفعله المسؤولون. وفي هولندا، البلد الذي يفخر بتقاليد التسامح، بحمايته لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وبتقدم المشاريع التي نفذها من أجل دمج المهاجرين العرب في المجتمع الهولندي، في هذا البلد تقول الاحصاءات ان 62 في المئة باتوا يرون اعادة النظر الى هذه المشاريع بعد الهجمات الارهابية ضد المدن الاميركية. اما على صعىد التشريع والاجراءات الأمنية، فإن الحكومات الغربية، خاصة في المانيا وفرنسا وبريطانيا، تقوم بسرعة بإصدار التشريعات واتخاذ التدابير التي تسمح للسلطات الأمنية بالحد من حريات الافراد المشتبه في علاقتهم بمنظمات الارهاب. بعض هذه التشريعات يسمح للحكومات المعنية باحتجاز المتهمين بالانخراط في اعمال أو منظمات ارهابية، على الطريقة الاسرائيلية، أي لمدة غير محددة، كما يسمح للحكومات ايضاً بممارسة أقصى درجات التشدد في قضايا الهجرة. وكما تقول "الغارديان" البريطانية 6-10-2001 فإن "المهاجرين العرب بصورة خاصة هم الذين سيدفعون الثمن الاعظم بسبب هذه التدابير والتشريعات". اما على صعيد الواقع فإن مشاهد الاعتقالات والمداهمات وحملات التفتيش الحكومية باتت شأناً يومياً بين أوساط العرب في دول الغرب. كذلك أصبح حدثاً عادياً ان يتعرض المواطنون وخاصة المواطنات من عرب الشتات الى الاعتداء والتهديد والتحقير. ان عرب المهاجر لا يملكون السكوت عن هذه الحالة خصوصاً وانها حالة مرشحة للتفاقم. هذا ما تؤكده أقوال الزعماء الغربيين الذين تعهدوا بالسير الى آخر الطريق في مكافحة الارهاب. اي انها لن تكون معركة أيام فحسب، بل سنوات. وهذا ما اكده أيضاً اسامة بن لادن في بيانه التلفزيوني، اذ اعلن بأن الولاياتالمتحدة لن تعرف طعم الراحة اذا لم تغير سياستها الشرق أوسطية. ان هذه التأكيدات تسمح بالاعتقاد بأن حوادث 11 ايلول سبتمبر ونتائجها قابلة للتكرار. إزاء هذه الاحتمالات المرجحة، أي دور يضطلع به عرب المهاجر؟ كيف يساهمون في خدمة قضايا بلادهم؟ كيف يحمون أنفسهم من مضاعفات الارهاب والحرب ضد الارهابيين؟ الاضطلاع بهذه المهمات يقتضي العمل على المحورين الرئيسيين التاليين: الأول، هو المساهمة النشيطة في النضال ضد العنصرية في المجتمع الدولي. والنضال ضد العنصرية يعني ضد كل عنصرية بما فيها العنصرية الموجودة بين العرب انفسهم والتي يمكن ان تتخذ اشكالاً متنوعة مثل اللاسامية والعداء للحضارة والشعوب الغربية. وحتى يكون النضال ضد العنصرية مجدياً وفعالاً فإنه ينبغي ان يهتدي بمفاهيم فكرية سليمة وبوعي ومعرفة لمعنى التمييز بين الشعوب والأعراق والعناصر، وان يتبلور في اجندة عملية. وعلى هذا الصعيد يمكن الاستناد الى ما جاء في مؤتمر دوربان من مداولات ومقررات، خصوصاً تلك التي صدرت عن المنظمات غير الحكومية. بيد ان تفعيل هذه المقررات يحتاج الى مؤسسات حية ونشيطة تتوافر فيها الطاقات البشرية والمادية الكافية للعمل ضد العنصريين والعنصرية. ان تأسيس المراصد المناهضة للعنصرية التي يشارك فيها عرب المهاجر مع سائر المناضلين ضد هذه الظاهرة الخطرة يلبي مثل هذه الحاجة. واختيار فكرة المرصد تمييزاً له عن غيره من المؤسسات نابع من دقة عملية مكافحة العنصرية. المقصود هنا ليس مناهضة المظاهر البديهية لهذه الظاهرة فحسب، ولا العمل ضد نشاطات العنصريين العلنية والمكشوفة، ولكن ايضاً النفاذ الى اسباب العنصرية والدعوة الى معالجتها وازالتها، وكذلك رفع النقاب عن العنصرية المستترة وغير الواعية وغير المنظمة التي تصدر عن المواطنين العاديين والتعريف بنتائجها الخطرة وآثارها ليس فقط على العرب والاقليات الاثنية في مجتمعات الغرب، ولكن ايضاً على هذه المجتمعات. الثاني، هو اتخاذ موقف واضح ضد الارهاب، سائر أشكال الارهاب، بما في ذلك الارهاب الذي تمارسه حكومات ومنظمات وأفراد من البلدان العربية. لقد كان العرب، في الداخل والخارج هم الضحية الأكبر للارهاب الذي مورس في بلادهم ومورس على عرب المهاجر. الارهاب العربي لم يكن رؤوفاً بالعرب وقاسياً على غيرهم، بل انه كان، مثل كل ارهاب، قاسياً على الجميع. ولكن حتى ولو كان الارهاب موجهاً ضد الآخرين فحسب، فإنه مرفوض بالمعيار الاخلاقي، ومؤذ بالمقياس السياسي. ومن المفروض ان يكون لعرب المهاجر، عبر التنقل بين المجتمعات، الوعي والخبرة الكافيين للادراك بأن هذه المعايير والمقاييس هي شيء مهم في حياة هذه المجتمعات. وهذا الادراك يرتب عليهم مسؤوليات تتجاوز بلاد الهجرة الى بلد المنشأ ايضاً، أي انه من واجبهم شرح مخاطر ظاهرة الارهاب ومضارها لأبناء وطنهم وتبديل المناخ الفكري والثقافي الذي نشأت فيه هذه الظاهرة. بذلك يخدم عرب الاغتراب البلاد العربية، وبلاد الاغتراب، فضلاً عن شعوب القرية الدولية اجمعين. * كاتب وباحث سياسي.