نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج لا يعتبر سورية جزءاً من التحالف الدولي الذي يخوض حرباً على الإرهاب، وتوقع عواقب تتراوح بين العزلة والعمل العسكري، في حال لم تلب سورية المطالب الأميركية في هذه المرحلة. موقف أرميتاج يتناقض مع تصريحات الرئيس جورج بوش الذي عبر عن ثقته بدمشق، وأخذ كلامها على الارهاب بجدية. لا مجال لخلافات من هذا النوع داخل الإدارة، والخارجية تعبر عن سياسة البيت الأبيض ولا تقودها أو تتصادم معها، والتناقض في التصريحات نوع من الضغط على دمشق للتخلي عن استضافة منظمات فلسطينية، ودعم "حزب الله" في لبنان، والقبول بتوسيع مفهوم الإرهاب، والانسجام مع وجهة نظر واشنطن حيال هذه الإشكالية. لعبة شد الحبل بين واشنطنودمشق في قضية الإرهاب ليست جديدة، لكنها دخلت بعد 11 أيلول سبتمبر مرحلتها الأخيرة، والتضارب في تصريحات المسؤولين الأميركيين عن الموقف السوري، يعكس شك الولاياتالمتحدة بجدية سورية في التعاون مع الحملة الأميركية، ومؤشر إلى طبيعة حوار الفصل الأخير في هذه الأزمة القديمة بين البلدين، ولا علاقة له برفض السوريين المشاركة في العمليات العسكرية ضد أفغانستان. فالسعودية ومصر رفضتا المشاركة أيضاً، لكن أميركا تضع بعض جماعات ومنظمات، يعيش في سورية، ضمن أهدافها في هذه المرحلة وتريد موافقة سورية على استهدافه. لا تستطيع دمشق أن تتخلى عن المنظمات الفلسطينية و"حزب الله" في سياق الحملة على الإرهاب، وواشنطن تدرك أن استهداف المنظمات والأحزاب اللبنانية والفلسطينية في هذه الظروف يجعل حملتها تصب في المصلحة الإسرائيلية في شكل مباشر، ويوسع الحرب على الإرهاب إلى حرب على المقاومة الوطنية ضد الاحتلال، ويضاعف خسائر أميركا في الشارع العربي الإسلامي، ويخلط الأوراق، ويعقّد الجهود التي بدأت منذ وقت لتحويل بعض الأحزاب والمنظمات الفلسطينية واللبنانية إلى المعارضة السياسية بعد زوال دواعي حمل السلاح. لكن الإصرار الأميركي ربما يلغي الفكرة، ويجبر سورية على اتخاذ موقف لا تريده في هذه المرحلة على طريقة "مجبر أخاك لا بطل".