الكتاب: موسوعة القرآن الكريم Encyclopaedia of the Qur'8n Volume 1 A-D تحرير: جاين دامن ماكولف Jane Dammen McAuliffe, General Editor الناشر: بريل ليدن - بوسطن - كولن Brill, Leiden-Boston-Koln, 2001 ترى الباحثة في جهود علماء المسلمين والغربيين في حقل الدراسات القرآنية الكثير من النشاط والجدل المثير للنزاع، لكن الأستاذة جاين ماكولف، المحققة لأول موسوعة للقرآن الكريم، تؤكد ان عالمي "المسلم" و"الغربي" يتداخلان، وبازدياد، جغرافياً وفكرياً، "وأن ازدياد اعداد المسلمين في اوروبا وأميركا الشمالية وغيرها من اقطار العالم، سيجعل القطبية الحادة بين "المسلم" و"الغربي" ضبابية وغير واضحة". هذه المقولة طبعاً لن تتغير مع الأحداث المخيفة التي وقعت في نيويورك 11-9-2001، والتي تسببت بكشف الكثير من التعصب المبطّن والخوف من "الآخر". فالمقولة تأتي أصلاً من استاذة تذهب الى ابعد ما يجب ان يكون في عالم بات صغيراً جداً. تعد موسوعة القرآن الكريم الصادرة حديثاً عن بريل 2001 كسابقتها الموسوعة الإسلامية بريل ط1: 1913- 1933 وط2" 1954- من الأعمال الحضارية التي يقوم بها أساتذة وبحّاثة غربيون. هؤلاء لا يساهمون فقط في التطور العلمي للدراسات الإسلامية فحسب انما يسهمون في تقريب المفاهيم الإسلامية الى المسلم وغير المسلم. ونحن نشدّد دائماً ان القيام بمشاريع حضارية اكثر فاعلية من القيام بمشاريع سياسية لأن الأولى تصب في الثغور المفتوحة على الجهل والفقر والمرض، اما الثانية، فمعظم الوقت، هي قاصرة على تحقيق التفاهم بين الشعوب المغلوبة على أمرها والشعوب المتطورة. والجديد هنا ان ماكولف استقطبت فعلاً اساتذة مسلمين وغير مسلمين من النشيطين في العلوم القرآنية. فاستعراض لائحة المشاركين والمشاركات في المواضيع القرآنية المختلفة، تتعدى المئة مساهم ومساهمة ممن تجمع بينهم التدريبات المختلفة والمتعددة المشارب من فروع المعرفة. يلفت نظرنا اكاديميون، كالأستاذة وداد القاضي من جامعة شيكاغو، وهي واحدة من المحققين المساعدين لماكولف. ونقرأ للأستاذ وائل حلاق في الفقه وهو من جامعة ماغيل/ مونتريال. ونقرأ للأستاذة نادية ابو زهرة من جامعة أكسفورد، وللأستاذ طريف الخالدي من جامعة كامبريدج، وغيرهم. ولا يجوز اهمال آراء ومواقف الذين أثاروا ويثيرون حساسية عند المسلمين امثال الأستاذ محمد اركون من السوربون والأستاذ نصر حامد ابو زيد من جامعة ليدن. أركون وأبو زيد يثيران الحساسية عند المسلمين ليس لافتقارهما الى العلم والإيمان بل لأن الجو العام في مجتمعاتنا ليس متنوّراً ليثير بدل المواقف الدفاعية والجدل العقيم، مزيداً من الأعمال الأكاديمية والبحث الضليع. أما الأساتذة الغربيون من المساهمين، والذين تدرّب على ايديهم كثير من الطلبة العرب والمسلمين في الجامعات الغربية، والذين لهم باع في اللغة العربية يحسدون عليه، ومناهجهم العلمية الصرفة تذكرنا بعلماء المسلمين الأوائل، ومواضيعهم تمسّنا في عمق دورنا الحضاري، فهؤلاء هم كثر. هناك انغليكا نيوفرث، استاذة الدراسات القرآنية من جامعة برلين، وأولغ غرابار، استاذ العمارة والفنون الإسلامية في هارفرد، وهارلد موتزكي المعروف في دراسات الحديث النبوي الشريف من جامعة نيجميغن، وهناك الأستاذ اندرو ريبن من جامعة كالغيري، في كندا، وهو من المحققين المساعدين لماكّولف وأحد اكثر النشيطين اليوم في العلوم القرآنية، وهناك بعض الأساتذة المعروفين اليوم في الجامعة العبرية في القدس مثل يوري روبن. وهناك سباستيان غونثر، استاذ الأدب العربي والإسلاميات، في جامعة تورونتو. لأول وهلة يتفاجأ اهل اللغة العربية من المصطلحات المستخدمة في مداخل الموضوعات، فهي مختارة بترجمتها الإنكليزية، وليس كما اعتدنا في مداخل "الموسوعة الإسلامية" التي حافظت على المصطلح العربي كما ورد في القرآن الكريم. وهذا لا ضرر به بل العكس، يقرّب الترتيب هذا بين المهتم العادي، أو الباحث المتخصص، وموضوعه، وييسّر أمره كإنسان معاصر يريد التطرق الى شأن حديث. مثلاً أن يقرأ عن: العمارة والفن في القرآن، الأفارقة الأميركيون، الإجهاض، الحاسوب والقرآن، المرأة في القرآن الخ... تستعرض ماكّولف في المقدمة تاريخ علم التفسير عند علماء المسلمين الأوائل، الكلاسيكيين والمحدثين، وتقدم في المقابل مسيرة الدراسات القرآنية عند العلماء الأوروبيين منذ بدايتها. ولا تتردد في ذكر اسماء المسيحيين واليهود من العصور الوسطى وما قبلها من الذين جادلوا بعنف ضد القرآن وتقدّم اسماء الذين قاموا بترجمة معاني القرآن الى اللغات الأوروبية منذ القرن الثاني عشر الى أن تصل الى جيل تيودور نولديكه وغولدزيهر وريتشرد بل ورودي بارت وغيرهم. وتعد ماكولف من الأساتذة الذين يدرّسون تاريخ قراءة المسلمين للقرآن الكريم واستجابتهم إليهم - والذي يعني - تاريخ التفسير. وقد عملت على دراسة التفسير في كتابها مسيحيو القرآن Qura'nic Christians. سأقدم مراجعة سريعة لإحدى المقالات الواردة في الموسوعة، وعنوانها "المسيحيون والمسيحية". المقالة للأستاذ سيدني غريفيث من الجامعة الكاثوليكية الأميركية في واشنطن. سترينا هذه المراجعة ان المنهج العلمي هو اقرب طريق الى الفهم الصحيح وإلى القضاء على الجدل السفسطائي بين اهل الأديان السماوية. يقدم غريفيث صورة عن المحيط المسيحي ايام نزول القرآن الكريم وهذا المحيط كان على أطراف الجزيرة العربية، في سورية وفلسطين، وبادية الشام، الجنوب العراقي، جنوب الجزيرة العربية وشاطئ البحر الأحمر والحبشة. اما داخل الجزيرة فطبعاً الحضور كان في محيطي "كندة" و"نجران".اهم ما في المقال هو ايراد مراجع المخطوطات التاريخية الأدبية التي تؤكد هذا الوجود القديم وعلاقته مع العرب ليس فقط بالنسبة الى التحالف القبائلي عند كل من الغساسنة والمناذرة وعلى حدود الجزيرة العربية الشمالية، إنما بالنسبة الى هوية الكنائس التي وجدت الملكيون واليعاقبة والنسطوريون وعلاقتها في ومع محيطها العربي، ما يضيء دائرة الجدل في حدود الخطاب القرآني. ولطالما ترتكب اخطاء عند كل من العلماء المسيحيين والمسلمين فيسقطون مفاهيمهم اليوم على مفاهيم قد نشأت في محيط مختلف عن محيطنا اليوم ما يزيد من سوء الفهم. لذلك يستفيد قارئ هذه المقالة وغيرها من المقالات في تغيير نظرته الى بعض المفاهيم التي قد تكون رسخت في ذهنه قبل محاولته قراءة القرآن الكريم. وماكّولف محقة حين تذكر في المقدمة "ان قراءة النص القرآني - المكتوب"، لم تكن، وحتى فترة قريبة، متوافرة غير لقلة من المسلمين والمسلمات وما كان متوافراً لأكثر المسلمين هو القراءة الشفاهية المرتلة له". استقطاب هذا الحشد الهائل من العلماء الغربيين والمسلمين لإصدار اول موسوعة اكاديمية للقرآن الكريم جهد يستحق الشكر عليه، وكنا نتمنى بالطبع لو أصدرته احدى عالماتنا، خصوصاً أن المرأة المسلمة لم تقصّر جهدها في علوم القرآن غابراً ام المؤمنين عائشة بنت ابي بكر الصديق وحديثاً بنت الشاطئ. لكن العمل الحضاري الذي قامت به ماكّولف إصدار الجزء الأول من الموسوعة القرآنية يعكس الدور الحضاري الذي يقوم به القرآن الكريم، ما ينقل علوم القرآن اليوم الى عالمية حديثة. والذي يجب استقطابه من جديد هو محاولة تقريب النص القرآني وفهمه عند المؤمنين والمؤمنات، الباحثين والباحثات، وعند كل مهتم ومهتمة حتى بالآداب العالمية وهذا الفهم يقدّم منطلقات جديدة تقرّبنا اكثر الى أنفسنا، الى الإيمان الصحيح والرؤية المتنورة. * باحثة لبنانية.