كل انسان في هذا الكون الواسع أضحى يترقب ويتابع ويتكهن، وأحياناً يسهم، في لعبة التنظير القائمة على قدم وساق في ما سيؤول اليه العالم نتيجة التداعيات الخطيرة لأزمة الحادي عشر من ايلول سبتمبر التي هزّت العالم بأسره. أما بالنسبة إليّ شخصياً فسأحاول الانعتاق من قيود هذه "الهوجة" التنظيرية وصولاً الى مرحلة "البحث عن حل" لوضع حد حاسم لهذا الجدل وتلك التكهنات إن لم يكن لتلك "السيناريوات" التي يجرى صوغها تمهيداً لتنفيذها على المسرح بما تحمله من أهوال وتداعيات، ستطال كل دولة بل كل انسان على سطح هذه البسيطة، التي استخلف الله هذا الجنس البشري لإعمارها والحفاظ عليها، لا الى تدميرها، الى ان تقوم الساعة. هناك حدث جلل وقع في الولاياتالمتحدة أصاب العالم بالذهول ناهيك عن مشاعر السخط والغضب العارم لدى الشعب الأميركي والادارة الأميركية ما أدى الى رد الفعل الشديد هذا سعياً الى الثأر ممن قاموا بهذا العمل الشنيع ومن هم وراءه... وهو رد فعل بديهي ومشروع. ولم يقتصر رد الفعل هذا على مبدأ الثأر والتأديب بل تجاوزه الى حد التخطيط لعمليات معقدة وواسعة وطويلة الأمد لاجتثاث جذور هذا الارهاب، وتخليص العالم من شروره ومخططاته عبر تحالف دولي واسع تقوده الولاياتالمتحدة وحلفاؤها مع المناهضين لهذا الارهاب. والى ان يتم التطبيق العملي لهذه الحملة العالمية بدءاً من أفغانستان. ونظام طالبان الذي يحتضن أسامة بن لادن، انتهاء بتفكيك شبكات الارهاب الدولي في كل بؤر تواجده ونشاطه ما يعني انشغال العالم بهذا الهدف، وتداعيات هذه الحملة وتأثيراتها الكثيرة والخطيرة على نمط الحياة في الدول التي ستتأثر بها، لا سيما التأثير الاقتصادي الذي بدأت معظم دول العالم تعاني منه أمام اكبر حدث عالمي سيؤدي الى انهيار جارف لا يعلم مداه الا الله، ثم الراسخون في علم المال والاقتصاد وكل مكتوٍ بنار هذه الأزمة الطارئة. وبينما كنت أكتب هذه الرسالة الموجهة الى السيد الأخضر الابراهيمي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى أفغانستان، أُعلِن عن البدء في العمليات العسكرية الأميركية البريطانية ضد قواعد "طالبان" سعياً للقضاء على تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن... وتأكدت مخاوفي من مخاطر هذه المواجهة وتداعياتها بين فريق يسعى للثأر والقضاء على بؤر الارهاب وفريق يتمسك بثوابته وقناعاته بالاستماتة في الدفاع عن هذه الثوابت ومواجهة هذه الحملة بكل ما يملكه من امكانات ووسائل مشروعة، او غير مشروعة، مهما كانت التضحيات، ومهما كان الثمن الذي سيدفعه بن لادن ورفاقه، وتدفعه دول وشعوب هذا التحالف الدولي. وبذلك يدخل العالم في دوامة رهيبة من العنف والعنف المضاد، لا يعلم الا الله وحده ما سوف تسفر عنه من خسائر... والى أي حد زمني سوف تدوم وتستمر... وكيف ستنتهي! التاريخ يثبت لنا ان هذا النوع من المواجهات يبدأ صغيراً، لتحقيق هدف او اهداف محددة، لكن سرعان ما يتطور الى صراع دام طويل الأمد، قد يمتد سنوات، قبل ان يصل الى نهايته التي لا بد من الوصول اليها عبر الكثير من التضحيات والخسائر البشرية والاقتصادية الفادحة. وكلما فكرنا في ما سيتعرض له الملايين من البشر في سائر انحاء المعمورة من اضرار وقلق ومعاناة نفسية وشلل في نمط حياته المعيشية طوال هذه المواجهة الشرسة التي يسعى فيها كل فريق الى القضاء على الآخر، او تحطيم قوته او شلّ مقدرته، كلما ادركنا مدى هول هذه المواجهة غير المسبوقة في التاريخ، قديمه وجديده. فهناك اسلحة متطورة وفتاكة وقوة عسكرية جبارة وإرادة شبه دولية تقف وراءها في مواجهة نظام هش لا يحظى باعتراف اي دولة، يساند تنظيماً تبنى الارهاب سلاحاً لتحقيق طموحاته وغاياته التي تتجاوز الواقع والممكن ومنطق الأمور. مهما كانت هذه الغايات وهذه الطموحات، او مدى مشروعيتها، او نبل غاياتها التي يتذرع بها هذا التنظيم وفقاً لقاعدة الغاية تبرر الوسيلة. وهي قاعدة آثمة ترفضها كل الشرائع السماوية والمبادئ الخلقية في التعامل الانساني والدولي، حفاظاً على مصالح الأمم والشعوب وعدم تعريض العالم لموجات متتالية من الفوضى وسيطرة القوي على الضعيف وانتقام الضعيف من هذا القوي... ويختل التوازن في هذا الكون. والنتيجة التي أرمي اليها من هذه الرسالة هي ان هذه الحملة العسكرية الجبارة ضد نظام طالبان وتنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن ورفاقه التي بدأت الأحد الماضي ستؤدي الى انطلاق حملة مضادة قد تطال الولاياتالمتحدة وبعض حلفائها على شكل سلسلة من العمليات الارهابية الموجعة التي ستعتمد على وسائل غير عسكرية بطبيعة الحال، لكنها ربما كانت أكثر خطورة، اعني بها الحرب الجرثومية والكيماوية التي تحدثت عنها وسائل الاعلام الأميركية نفسها وبعض المسؤولين وصولاً الى بعض دول التحالف الغربي والجميع يدرك مدى خطورة هذه الحرب لو وقعت... ونقول هنا لا سمح الله.... إذاً... لا بد من وقفة عقل وتحكم في المشاعر الآنية من كلا الطرفين، انها مسؤولية كبرى أمام الله وأمام الانسان، كل انسان ليثبت لهذا العالم المضطرب قوته في التحكم والسيطرة على نوازع النفس البشرية العنيفة التي تدفعه دفعاً للمكابرة ومواصلة السير في الطريق الخطأ... طريق الشر والعدوان والدمار... ربما لا يقرأ رسالتي هذه من يعنيهم الأمر وهم منهمكون في لُجَّة هذا الصراع الدامي... ولكن، لي أمل في أن تصل رسالتي هذه للسيد الأخضر الابراهيمي كي يفكر فيها ملياً ويحاول أقول يحاول فالأمر يستحق المجازفة لاقناع الطرفين بالموافقة على اعلان "هدنة" موقتة تُلتقط فيها الأنفاس ويترك المجال لإعمال العقل والتحكم في المشاعر، تمهيداً لاتفاق شامل لسلام دائم تنعم به البشرية جمعاء، وذلك عبر برنامج عمل تشرف عليه الأممالمتحدة ويلتزم بتنفيذه الطرفان يقوم على: 1 تجميد العمليات العسكرية. 2 إعلان صريح وواضح تحت القسم من تنظيم القاعدة وعلى لسان زعيمه اسامة بن لادن استعداده للحوار ونبذ الارهاب والتعهد بعدم القيام هو أو أي من أتباعه، بأي أعمال ارهابية او تحريضية ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها، بل أي دولة. والكف عن الحملات الاعلامية العدائية وبدء مرحلة جديدة من التعايش السلمي والحوار البنّاء والتعاون في كل ما يخدم البشرية وأمنها واستقرارها بل وازدهارها. 3 في المقابل، تتعهد الولاياتالمتحدة وعبر الأممالمتحدة بتجاوز الماضي المؤلم، في سبيل مستقبل مشرق آمن ومزدهر لها ولشعوب العالم كافة، عبر برنامج تتبناه الولاياتالمتحدة والدول الصناعية والثرية لمساعدة الدول والشعوب الفقيرة والنامية لتجاوز ازماتها الطاحنة والتغلب على مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية وأعباء الديون المرهقة، ما سيؤدي تلقائياً الى التخفيف إن لم يكن القضاء على التوترات والنزاعات الاقليمية والأهلية. وفي هذا الصدد وبعملية حسابية بسيطة يمكن توفير الأموال اللازمة لهذه البرامج وعلى مدى عشر سنوات من النفقات الهائلة التي تتكبدها الولاياتالمتحدة وبعض حلفائها لتمويل هذه الحرب الدائرة في افغانستان، وربما غيرها، وبما سيتوافر من بلايين الدولارات من جراء استقرار الأمور وعودة الحياة الطبيعية للاقتصاد الاميركي والعالمي بعدما تعرض لهذا الزلزال المدمر. 4 الى جانب هذا البرنامج الشامل لتحقيق العدالة أو شيء من التوازن بين الشمال والجنوب، هناك خطوات اخرى اساسية لا بد من تحقيقها عبر الأممالمتحدة ودعم الدور الذي تضطلع به لتطويق النزاعات الاقليمية وحل المشكلات القائمة في مختلف انحاء العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي طال أمدها على مدى نصف قرن، وما سببته من حروب طاحنة بين الدول العربية واسرائيل، وما افرزته من حركات للمقاومة يعتبرها البعض نوعاً من الارهاب على رغم مشروعية هذه المقاومة انطلاقاً من حق الشعوب في مقاومة المحتل وتحرير الأرض المغتصبة وما أدت اليه من شعور بالظلم والقهر والغبن نتيجة للممارسات القمعية التي تقوم بها السلطات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني المناضل. وفي ظل صمت دولي وتقاعس الأممالمتحدة عن القيام بدورها الأساسي في حفظ الأمن والسلم الدوليين وتطبيق القرارات العديدة التي صدرت عن مجلس الأمن على مدى نصف قرن دونما تنفيذ. ومن المؤكد ان حل هذه القضية بما يكفل اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين وإقامة سلام دائم في المنطقة، بانسحاب اسرائيل من الجولان السوري المحتل وبقية المناطق في الجنوب اللبناني سوف يؤدي الى القضاء على اسباب التوتر وزوال مشاعر الظلم والقهر فتغمد السيوف، وتهدأ النفوس ويتفرغ الجميع للانتاج ومتابعة مسيرة التنمية، وتتحول كتائب الجهاد الى كتائب للانتاج وبناء الأوطان، ويعم السلام المنطقة بل وسائر انحاء العالم الذي يعاني من مشكلات وتوترات لا بد من حلها عبر الجهود المكثفة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي... أللهم آمين. * كاتب عربي، بيروت.