لم يكن العنبر المشيد في الناحية الغربية لمطار بيروت قبل نحو خمس سنوات، والمخصص اليوم لإيواء الطائرات الخاصة سوى خربة مهملة لا تستغل في شيء بعدما اصابها نصيبها من الحرب اللبنانية، وكذلك الأمر مع مدرج الطائرات الخاصة الذي لم يكن موجوداً الا في مخيلة الكابتن جوزف روفايل الذي عمل على انشائه ليملأ بذلك فراغاً في مجال الاهتمام بالطائرات الخاصة وبركابها إذ لم يكن في لبنان من قبل هذه الخدمة التي يعرفها معظم مطارات العالم. الكابتن روفايل، الذي عمل طيّاراً في شركة الخطوط الجوية اللبنانية "ميدل ايست" ثم في السعودية، لم يبرح منذ الستينات يحلم بانجاز هذا المشروع الذي يضم مدرسة لتعليم الطيران "بعدما كانت الميدل ايست ترسل تلامذتها الى بريطانيا وتنفق عليهم مبالغ كثيرة تحسمها من رواتبهم لاحقاً"، على ما قال ل"الحياة". الشركة التي سميت "جي.آر"، اقيمت على أرض مساحتها 4500 متر مربع استأجرها السيد روفايل من "الطيران المدني" وجعلها محطة لاستقبال الطائرات الخاصة وتأمين الخدمات لها ودخول ركابها من صالون خصص لهم وجُهّز بكل متطلبات الأمن: من تفتيش وأمن عام وجمارك، وحوت مراكز صيانة وايواء طائرات وتعليم وتأجير طائرات من قياسات مختلفة لمن يشاء اضافة الى حق الشركة بموجب المرسوم الجمهوري الذي انشئت بموجبه، في نقل الركاب جواً داخلياً وخارجياً. وقبل وجود ال"جي آر" كان في مطار بيروت شركة تهتم بالطيران الخاص ولكن لم يكن هناك مدخل خاص بركابها ومركز لايوائها، الأمر الذي كان العاملون في الطيران يعتبرونه نقصاً كبيراً، سيما وأن قطاع الطائرات الخاصة يزدهر في كل العالم وفي لبنان أيضاً. ويقول أحد الفنيين في المطار: "قبل عشر سنوات لم تكن تأتي الى لبنان عشر طائرات خاصة في السنة، أما الآن فيتفاوت عدد الطائرات التي تهبط في مطار بيروت بين 75 ومئة طائرة شهرياً". ويؤكد مدير العلاقات العامة في ال"جي. آر" السيد نعمة مالك ان "هذا الرقم ليس سهلاً"، وأن "مستخدمي الطائرات الخاصة رجال أعمال وموسرون وأغلبهم من اللبنانيين المغتربين الذين يملك نحو مئة منهم طائرات فخمة وباهظة". ويضيف: "ان أصحاب الطائرات الخاصة يتطلبون خدمات خاصة وسريعة خارج برنامج الطيران العادي اذ لا يمكن اصحابها الانتظار لذا تُؤمن لهم تسهيلات خاصة أسوة بمطارات العالم التي تخصص فيها اجزاء للطيران الخاص، اضافة الى تأميننا كل ما يطلبه ركابها من خدمات الحجز في الفنادق وسيارات الأجرة وما الى ذلك من تسهيلات"، مشيراً الى ان "لدى المؤسسة غرفاً مجهزة لاستقبال المسافرين ليلاً مجاناً". وعن مدرسة تعليم الطيران يقول الكابتن المدرِّس محمد مهنا انها "فريدة من نوعها في المنطقة اذ جُهّزت بالكامل بأحدث المعدات والتجهيزات الأميركية. لا شيء موجوداً في أميركا الا وهو عندنا، ونحن نؤهل التلامذة الطيارين لنيل شهادات طيّار تجاري معترف بها دولياً. اذ يخضع التلميذ قبل تخرجه لامتحان في الطيران المدني". وبلغ "عدد التلامذة خريجين وتلامذة، مذ افُتتح المعهد قبل ثلاثة أعوام، بنحو خمسين طياراً"، ويوضح مهنا أن "مدة التعليم ثلاثة أشهر يتلقى التلميذ خلالها دروساً نظرية في الملاحة وعلم الطيران والرصد الجوي وقانون الطيران، و40 ساعة طيران ينفذ التلميذ 25 منها مع المدرب و15 منفرداً، ثم يخضع لامتحان في المديرية العامة للطيران المدني وينال شهادة من الدولة اللبنانية". وأكد ان شهادة الخريج "تخوله العمل، لكن هذه الدراسة يكتفي بها الهواة أما من اراد العمل فثمة دراسات عليا بعد هذه المرحلة". ومن شروط تعلم الطيران ان يكون التلميذ بلغ الثامنة عشرة. واذا اراد التعلم للعمل فعليه ان يكون حائزاً شهادة البكالوريا اللبنانية وما فوق. أما الهاوي فيقبل بمستوى البكالوريا. وتبلغ كلفة التعليم خمسة آلاف دولار تشمل الدروس الأرضية والجوية وساعات الطيران. وأوضح الكابتن مهنا ان "ايجار ساعة الطيران مئة دولار" وأن التلامذة "معظمهم من الهواة وتتفاوت اعمارهم بين 18 عاماً و70 عاماً، وهم لبنانيون وفرنسيون وبريطانيون وعرب"، موضحاً ان "الدروس تعطى بعد الظهر ثلاثة أيام في الأسبوع". وأغلب التلامذة في مدرسة الطيران هواة، وبينهم اطباء ومهندسون ومحامون، وهم جاؤوا لتعلم الطيران إما هواية وإما لأن ظروفهم لم تساعدهم على تعلم الطيران مهنة من قبل. فالطبيب هاني شدياق يتحدث عن هوايته القديمة التي كان يريدها مهنة واختصاصاً فحالت ظروف دون ذلك ما جعله يلجأ الى دراسة الطب. ولم تزل رغبة الطيران في نفسه وكان يُحضر اقراصاً تشبيهية على الكومبيوتر ليمارس هوايته الى ان عرف بالمدرسة فتسجل فيها. ويبدي شدياق اعجابه بالنظام التعليمي الموجود فيها وهو الذي عمل طبيباً درس المشكلات الجنسية في مطار خاص في ايطاليا، حيث تخرج. ويقول "التعليم هنا أفضل لناحية الوضوح وطريقة تلقي المعلومات، اضافة الى ان الأسعار أرخص، فيمكن التلميذ ان يحضر اي محاضرة لم يفهما مرة ثانية وثالثة مجاناً". وعن احساسه خلال طيرانه يقول "في لحظة تنتقل من شيء تخافه الى ثقة بالنفس، وبخاصة في أول طيران منفرد. وهذه الحال اشبهها بأول مريض عاينته في عيادتي بعيداً من البروفسور". واذ أكد الكابتن روفايل ان ال"جي آر" تتطور في شكل مستمر وأصبح لديها 12 طائرة للتعليم وطائرات "هوكر سيول" تسعة ركاب، وطائرتا "بيونغ" 45 راكباً تؤجر للناس، فإن الدولة اللبنانية سرّعت خطواتها لإنشاء منطقة في مطار بيروت مخصصة للطائرات الخاصة.