نمو قطاع الفنون والترفيه والتسلية %20    الهلال يعلن عن التعاقد مع البرازيلي الشاب كايو سيزار    مجلس الوزراء يأمل مساهمة وقف إطلاق النار في إنهاء الحرب الإسرائيلية    مفوض الإفتاء في جازان: المخدرات هي السرطان الذي يهدد صلابة نسيجنا الاجتماعي    إسرائيل تتحدى الهدنة بانتهاكات متكررة في الضفة وغزة    ترمب يتوج عودته بقرارات العفو    إرتفاع حصيلة الحريق في منتجع للتزلج بتركيا إلى 76 قتيلًا    قوافل سعودية تحمل حقائب إيوائية لإغاثة العائدين إلى شمال قطاع غزة    فيصل بن فرحان: علينا تجنب أي حرب جديدة في المنطقة    أولى قرارات ترامب اللافتة فور تنصيبه    مهام فضائية    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر    موعد مباراة النصر القادمة بعد الفوز على الخليج    لأول مرة.. بيع المواشي في السعودية بالوزن مطلع محرم    "مركز صحي العالية" ينفذ محاضرة للتوعية بأهمية الغذاء الصحي للطلاب والطالبات في ابتدائية ومتوسطة العالية    معرض تشكيلي يحاكي قصص ألف ليلة وليلة    القصبي يجتمع بوزير التجارة والصناعة القطري ومسؤولي شركات عالمية في دافوس    حرس الحدود بمكة ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهما البحرية    محافظ الطائف يكرم مدير إدارة دوريات الأمن    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالعزيز بن مشعل    وزير الخارجية يبحث تعزيز العلاقات الثنائية مع نظيره التونسي    استمرار غياب تيك توك عن متجري أبل وجوجل في أمريكا رغم تأجيل ترامب للحظر    اتحاد القدم يعقد ورشة عمل للمحاضرين المعتمدين في الاتحادين السعودي والآسيوي    الاتفاق على تأسيس أول مجلس أعمال سعودي فلسطيني    يضم 20 مسارًا بينها التقنية الصحية والرياضية والاقتصاد الإبداعي    أنشيلوتي ينفي اعتزامه الرحيل عن تدريب ريال مدريد    إنجازات مجتمعية ومبادرات نوعية خلال عام 2024 بالمنطقة الشرقية    سمو محافظ الخرج يرأس اجتماع المجلس المحلي    37 برنامجًا ومبادرة لتمكين الصم وضعاف السمع بالشرقية    نشر 25 حكم تشهير بجرائم الغش والتستر التجاري    70 % نسبة انخفاض وفيات الإنفلونزا الموسمية هذا الموسم    بعد قرارات ترمب.. ما أداء الأسواق المالية؟    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لفرع وزارة الموارد البشرية    أمير حائل يطلع على برامج منارة حائل الفضائية    ديلير يزور ميادين البولو    الديوان الملكي: وفاة عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس اللجنة التنفيذية لمشروع قياس    الشباب في يناير.. عقدة للاتحاديين    التوسع في الاختصاصات تدريجياً بالمكاتب الفنية في «الاستئناف»    انطلاق المرحلة الأولى من برنامج "سفراء المحمية"    من رواد الشعر الشعبي في جازان.. الشاعر علي فارس النعمي    الأفلام السعودية تضيء شاشات السينما الهندية لأول مرة عبر ليالي الفيلم السعودي    السفيرة الأميرة ريما بنت بندر تحضر حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب    أمير الحدود الشمالية: عام الحرف اليدوية يجسد اهتمام القيادة بترسيخ التراث وإبرازه عالمياً    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة السحيباني في وفاة والدتهم    آلية تدمير التدخين الإلكتروني للرئتين    متى تختفي ظاهرة اختلاف تفسير النظام من موظف إلى آخر    حتى لو    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    آفة المقارنات    الحوار الصامت    تحديات مبتعثي اللغة وحلول مقترحة لدعم رحلتهم الأكاديمية    ماراثون أقرأ    الحديث مع النفس    بريطانيا تفرض غرامة مالية على العطس أثناء القيادة    تقنية طبية سعودية لعلاج أمراض فقرات الرقبة    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته لمراكز " قيا شقصان كلاخ والسديرة"    









معرض للرسامة السورية ريما مردم بك : أسرار خلف الجدران
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 2001

ماذا تخبئ الجدران العتيقة التي ترسمها الفنانة التشكيلية ريما مردم بك مواليد دمشق العام 1948 ولماذا تتقاطع ذكرياتها بمرارة تنكسر على عتبات الأمكنة؟ قد يتساءل المرء وهو يشاهد أعمالها غاليري أجيال في معرضها الفردي الثالث الذي ضم 16 لوحة، ميكسد ميديا وكولاج ويوقن بأن للموضوع جذوراً في الذاكرة، تنكشف رويداً حاملة في طياتها تجاعيد الزمن والبصمات الانسانية التي خلّفتها المعاني الخفية لأحلام العيش في المدن العربية. وما اللوحات إلا محاولات متكررة لاختراق الماضي، أو لاستذكار أمكنة العيش، ليس رغبة في تصوير معالمها الجمالية، وانما تعبيراً عن جراح قديمة متصلة بمعاناة المرأة الشرقية في المجتمعات المغلقة.
ريما مردم بك من أولئك الذين يمثلون مشاهد الشوارع المنعزلة، لذلك تكتفي بتبسيط حضور الأشكال المقطوفة من المواقع، وتنصرف الى اللون. وقد تُخفي تلك العدوانية التي تتراءى في تمزيق الصور ولصقها، عواطف رقيقة. لذلك تجمع شتاتاً متفرقاً في فترات من أزمنة متباعدة. وليس الزمان والمكان إلا نقاباً وهمياً يوقظ في أعيننا خواء الأشكال الصامتة. فالمسافة بين الواقع والمتخيل، تتغير في ضوء العلاقة بين الظاهر الخادع والباطن المؤلم. وعالم الخارج يعكس أجزاء من هندسة العمارة العربية، لا سيما المساجد بقبابها المزركشة. أما جدران الأزقة الضيقة التي سوّدها الليل فتضيئها الرسامة بذهب القناديل. انها حكاية الليل الملطخ بالظلال في البيوت المغلقة على صمتها وربما على حزنها. لذلك فإن انتقاء التلوين القاتم واستخدام النور المعتم، يُظهران جوانب خفية أو مأسوية من مشاعر انثوية يتعذر البوح بها إلا مواربة.
ودائماً ثمة ادراج تؤدي الى حركة تصاعدية في الأزقة الضيقة التي تتلوى والدروب التي تعلو وتنفرج عن بيوت نوافذها مغلقة وكتومة. فالمعالم التي ترسمها ريما مردم بك، تشبه اسواق دمشق في طراز مبانيها التذكارية وقبابها وعمائرها ومنعطفات شوارعها التي تتداخل فيها القناطر مع المشربيات. إنها الأمكنة فحسب. ولكن الرسامة استرجعتها بأي رؤية؟ وفي ظل أي ضرورات تعبيرية؟
واذا كانت اللوحات تدعونا الى التوغل بعمق في المعالم المهجورة التي تطل منها المرأة دائماً منعزلة ووحيدة، فإننا نصطدم بكتل جامدة تستوقفنا وتمنعنا من الغوص في نقطة الهروب. إذ الأشياء تلتصق بعضها ببعض وتتدرج وتتماسك على المسطح الأمامي. كأن ثمة ايهامات بين الأشكال والمساحة، كما بين الفكرة وأدواتها ورموزها. إذ الغموض والدكنة جاذبان للعين، في مناخ الصورة الفوتوغرافية، التي تستخدمها الرسامة كشاهد ووثيقة حية ذات ايحاءات قوية. ولعل اعجابها بصور لوحات المستشرقين، يجعلها تستنسخ تلك الصور ثم تمزقها وتلصقها على سطح القماش، علّ حركة التمزيق تعطي الموجودات والكائنات معنى الغياب، ثم تغطي أجزاء الصورة بطبقات رقيقة من الألوان، ثم تعود لتوليف المناخ اللوني المحيط بها. هكذا تُخضع الرسامة رؤيتها للتجريب. في تأليف المشهد وتقطيعه وتوليفه ليتناسب مع موضوع اللوحة ورموزها الباطنة. لذلك اشتغلت على أنواع من المواد المختلفة في تقنية اللصق، بإحساس من يريد أن يمزق غلالة الظاهر وقشوره، وصولاً الى حقائق الداخل. الحقائق التي لا يعتورها اللبس والزيف هكذا كشطت قشرة الكرتون المضغوط وجعلت زيوحه أدراجاً، ثم فتحت القباب على فضاء الأزرق السماوي، وخضّبت بالأحمر الترابي واجهات الأبنية المعلقة على التلال، ووزعت أشجار النخيل الباسقة على ضفاف الأنهار أو في صحارى المغيب. وكثيراً ما نثرت اللون كحبات الدمع أو تركته يسيل كخيوط المطر لتغسل الشقاء عن وجه المدينة المنسية، بل عن ثغرات الذاكرة المضطربة. وأكثر ما يتموّه هو وجود المرأة التي تعيش خلف قضبان أحلامها. وكأن ثمة قرابة بين خلاء المكان وعذاب الروح، بين الشارع الرمادي المضاء بالمصابيح الفضية وحريق القلب في غرفة بلا منفذ. فالغموض الذي يغشى الأمكنة، إنما هو من فرط الأسرار التي تتوارى خلف جدرانها. تقول ريما مردم بك: "أيتها الحجارة كم تعرفين قصصاً وأسراراً. ومع ذلك تظلين صامتة ولا تبوحين".
وإن بدت الزاوية التي تتعاطى معها الفنانة مع عناصرها وريشتها وألوانها، زاوية شخصية، فهي نابعة من الحدس والتلقائية والشغف لاكتشاف المادة. لذلك لاقت نجاحاً في معرض "فنانات من العالم العربي" الذي أقيم في المتحف الوطني للفنانات التشكيليات في واشنطن عام 1994 وقد سبق وأطلت في معارض فردية وجماعية أقيمت في كل من الرياض ولندن وبون، ذلك أثناء إقامتها في المملكة العربية السعودية خلال أعوام 1975 - 1991.
ريما مردم بك فنانة واعدة في بداية الطريق. تحمل معها قصتها وربما قضيتها. تمزق أوراقها القديمة وتعيد ترتيبها في الحاضر، تتصالح أكثر مع ذاتها في الفن. وهي تنقل بلمسة لون صور الواقع الى التجريد، كما تنقل تداعيات الذكرى الى ضباب الوهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.