استؤنفت في طابا المصرية أمس المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، بعدما توقفت يومين، بسبب مقتل إسرائيليين في مدينة طولكرم. وستستمر المفاوضات حتى مساء الاثنين المقبل، تاركة المجال للانتخابات الإسرائيلية التي ستبدأ بعد أسبوع من توقف المحادثات، لتحسم في اختيار رئيس وزراء جديد لإسرائيل، بين ايهود باراك رئيس الوزراء المستقيل، وأرييل شارون زعيم حزب ليكود. وأفرزت المفاوضات ظواهر لافتة، أبرزها أن المحادثات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الانتخابات الإسرائيلية، سواء بالنسبة إلى باراك أو شارون، وتسابق المسؤولون الإسرائيليون وغير الإسرائيليين على الاتصال بالرئيس ياسر عرفات، وفي مقدم هؤلاء كولن باول وزير الخارجية الأميركي الجديد راجع ص3. واستشهد أمس فلسطينيان في مواجهات في قطاع غزة، وقتل إسرائيلي في القدس. وكشف عن اتصال جرى بين وفد يمثل شارون، وبين محمد رشيد خالد سلام المستشار الاقتصادي لعرفات، مما أثار ضجة في الدولة العبرية بسبب اتهام دائم يوجهه زعيم ليكود إلى باراك، وفحواه أن الأخير يستغل المفاوضات لمصلحته الانتخابية، واعتبر مسؤولون إسرائيليون أن شارون يلعب اللعبة ذاتها. وهنا دخل على الخط "كازينو أريحا" الذي أصبح أيضاً جزءاً من اللعبة الانتخابية، فخالد سلام هو صاحب فكرة انشائه، ومساهم أساسي فيه، وتديره شركة "اوستريا كازينو" النمسوية. وتردد أن الهدف من الاتصال بشارون هو مناقشة مستقبل الكازينو، في حال فوز زعيم ليكود الذي نفى ذلك، وتحدث عن "اتصال وليس مفاوضات". وأثار ذلك ردود فعل تراوحت بين الاستخفاف والغضب لدى الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال ياسر عبد ربه وزير الثقافة والإعلام الفلسطيني عضو الوفد المفاوض إن اللقاء "لم يكن رسمياً"، فيما ذكر السفير الفلسطيني في فيينا فيصل عويضة ان الفلسطينيين "لم يصلوا إلى درجة من الدونية لاجراء مفاوضات سياسية بناء على دعوة من شركة اوستريا كازينو". ووصف باراك اللقاء بأنه "مريب على المستوى الاخلاقي"، فيما ندد يوسي ساريد بمواقف شارون، وزاد: "من غير المسموح به اجراء مفاوضات في طابا لانقاذ الأرواح، ولكن من المسموح بأن تعقد لقاءات من أجل الكازينو". باول - عرفات إلى ذلك، لوحظ تسابق أربعة أطراف على الاتصال بالرئيس الفلسطيني والاتصال الأهم هو الذي أجراه الوزير باول الذي أكد لعرفات أن الولاياتالمتحدة ستلتزم في تشجيعها استمرار المفاوضات موقفاً "متوازناً". وهذه إشارة أميركية جديدة تعبر عن رغبة إدارة الرئيس جورج بوش في اتباع نهج يختلف عن نهج الرئيس السابق بيل كلينتون الذي أثار استياء الفلسطينيين والعرب بسبب انحيازه إلى إسرائيل. ولم تعين الإدارة الأميركية الجديدة بعد منسقاً خاصاً لمتابعة ملف التسوية في الشرق الأوسط، وعادت إلى الاسلوب القديم الذي يعتمد على السفراء في نقل المواقف إلى الأطراف المعنية، وتلقي التقارير عن مواقفها، علماً أن المنسق السابق دنيس روس الذي تولى مهمته فترة سنوات، قدم استقالته فور تسلم بوش منصبه. وتردد أمس ان باراك ينوي لقاء عرفات على هامش منتدى دافوس الاقتصادي الذي بدأ أعماله في سويسرا. وأعلن ميغيل موراتينوس المبعوث الأوروبي إلى الشرق الأوسط أنه أجرى محادثات مع الطرفين، فيما تضاربت الأنباء عن مدى النجاح أو الفشل المتوقع لمفاوضات طابا. وتحدث بعض كبار المسؤولين العرب عن اتفاق مبادئ أكيد سيتم التوصل إليه في غضون 48 ساعة، لكن اتصالات أجرتها "الحياة" مع عدد من المسؤولين الفلسطينيين تشير إلى أن الاحتمال المرجح هو توصل الجانبين إلى وثيقة تجمل قضايا الاتفاق والاختلاف، ولا يمكن اعتبارها في هذه الحال اتفاق مبادئ، أو اتفاقاً نهائياً. وفي هذا السياق، قال ياسر عبد ربه: "لا يمكن الحديث عن انطلاقة في مفاوضات طابا قبل الاستماع إلى الاجابات الإسرائيلية في شأن قضايا الأرض، والمستوطنات التي لا نقبل بوجودها، وفي شأن القدس واللاجئين والحدود". أما صائب عريقات عضو الوفد المفاوض، فأكد ان "الإسرائيليين لم يقدموا أي جديد، والهوة لا تزال قائمة في كل القضايا". وكان باراك استبعد في لقاء مع رجال أعمال إسرائيليين، قبل ساعات من اجتماعات طابا "التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات". وجاء في بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء: "ستستمر المشاورات بضعة أيام أخرى، وتتوقف في ضوء اقتراب الانتخابات، لتستأنف بعدها". وعلمت "الحياة" من مصادر عربية مطلعة، ان السعودية أجرت اتصالات بالإدارة الأميركية الجديدة شددت خلالها على ضرورة ايجاد تسوية لقضية فلسطين تستند إلى قرارات الشرعية الدولية. وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس أن المسؤولين في إدارة بوش "يعتبرون فرص توصل مفاوضات طابا إلى شيء ذي أهمية ضئيلة".