أكد "الملتقى القومي الثاني للفنون الشعبية" الذي عُقد حديثاً في القاهرة تحت عنوان "المأثورات الشعبية في مئة عام" ضرورة ارساء قواعد منهجية لدراسة الموروث الشعبي العربي ترتكز على نظرية نقدية تفرز سلبياته، ويكون اطارها المرجعي هو حركة المجتمعات العربية "الواثبة نحو المستقبل". وكان لتعدد محاور الملتقى الذي شهده لفيف من خبراء وباحثي المأثورات الشعبية في العالم العربي، أثره الكبير في توسيع مجال النظرة إلى المأثور الشعبي الذي ارتبط في أذهان المثقفين بالجوانب الفنية من الشعر والرقص والغناء والموسيقى لتشمل الجوانب اللغوية والاجتماعية والنفسية، فضلاً عن الجوانب الحرفية والانتاجية. ومن جانب آخر أوضح الملتقى أن التعددية العربية في المأثور الشعبي ليست مجالاً لتكريس المحلية، فالخصوبة المحلية لتنويعات المأثور العربي لم تلغ تلازمها القومي أو الإنساني بحكم تشاركها في المضامين الفكرية والدلالات الاجتماعية. في البداية ركز مقرر الملتقى الباحث أحمد مرسي على أهمية استقراء البنية المعرفية للمأثورات الشعبية العربية، ذلك أنها "لا تشكل مجموعة من العناصر المتباعدة أو الجزئيات المتفرقة التي تتكون وتعمل في فراغ، وإنما هي في الأساس موجهات معرفية وعناصر فكرية وسلوكية تتضافر في تشكيل التراث الوطني وضمان استمراريته". وحاول مرسي تتبع استخدام المصطلح العالمي "فولكلور" ومرادفاته التي ترجم إليها في الثقافة العربية خلال القرن الماضي، ورصد أن الثقافة العربية قبلت مصطلح "الفولكلور" واستخدمته وحاولت أن تجد مقابلاً عربياً يحدد ملامحه وخصائصه ومقوماته، فشاع استخدام مصطلحات: "حكمة الشعب"، و"علم الشعب" و"الفنون الشعبية" و"الأدب الشعبي" و"التراث الشعبي" و"المأثورات الشعبية". والمصطلح الأخير في رأي مرسي هو المصطلح الشامل والأقرب إلى المدلول اللفظي للفولكلور، وهو الذي أخذ به المجمع اللغوي في القاهرة، واستدل مرسي في ذلك ب "لسان العرب"، فالأرث في الحب والورث في المال، والتراث يميل أكثر إلى الجانب المادي المتصف بالثبات، فيما المأثور هو ما ينقله الخلف عن السلف شفاهة ما يعطيه الحياة والتواصل. وحول الدور الاجتماعي والثقافي للمأثور الشعبي، أوضح استاذ التاريخ في جامعة الزقازيق قاسم عبده قاسم، أنه ما يزال مطلوبا باعتباره أداة ثقافية حيوية فاعلة في خدمة الجماعة الإنسانية، فالمأثور "نتاج ثقافي واجتماعي يرتبط ارتباطاً عضوياً بوجود الجماعة الإنسانية ذاتها، وما تزال الناس تفرز رؤاها ورؤيتها وقيمها ومثلها الأخلاقية وذوقها وفنها بشكل عفوي تلقائي، بعيداً عن - وفي مواجهة - الاملاء الرسمي الذي تفرضه وسائل الإعلام التي تمثل النخبة في كل مجتمع، وتعتبر أداة تعبئة سياسية في الدول التي تسيطر حكوماتها على وسائل الإعلام خصوصاً". ومن جهة أخرى دعا الباحث محمد حافظ دياب الى العناية بدراسة المعتقد الشعبي من حيث فهم مرجعياته ورموزه، وعدم الاكتفاء ببحث أنساقه الاعتقادية، فالسائد أن التباين قائم لدى معظم الباحثين في المعتقد الشعبي خصوصاً، في ما يتعلق بعلاقته بالدين الشرعي. وعرّف دياب المعتقد الشعبي بأنه "منظومة متنوعة الأصول من المعتقدات والمعارف الشعبية التي يختلط فيها الدين بالاعتقادي والبراغماتي جسدتها عادات وتقاليد وعبرت عنها آداب وفنون ولغة سرت في حياة هذه الجماعة ومثلت مستودعاً لمشاعرها وإدراكها واحتياجاتها". وتوزع البحث في المعتقد الشعبي بين اتجاهات ثلاثة: اتجاه اثنوغرافي يصف ويحلل ويوثق مفردات مادته، واتجاه وظيفي يقوم على الاستخدام النفعي لهذه المفردات بتحويلها من موضوع تراثي الى موضوع استعمالي يدور حول السحر والعرافة، واتجاه استشراقي يتوجه غالباً لدراسة الأولياء والأضرحة والموالد والاهتمام المفرط بالمهمل والغريب والشاذ، وهو مسار تتم استعادته باستمرار في فترات البلبلة وعقود الصخب، ما يجعل الخوض فيه مغامرة غير مأمونة العواقب، بسبب انفتاحه على مساحات ومناطق تتجاوز في كثير من الاحيان قواعد التحريم وحدود الأعراف وتتأبى على الاستقصاء والرصد. وقدم الباحث إبراهيم حلمي دراسة حصرية لمتاحف الفولكلور العربية العامة والخاصة، أوضح أن عددها يفوق 50 متحفاً تختص المملكة العربية السعودية منها ب18 متحفاً، في حين تختص مصر والاردن بسبعة متاحف لكل منهما، وكل من تونس والمغرب وقطر ستة متاحف، وتوجد خمسة متاحف في كل من سورية والبحرين، وثلاثة في العراق، واثنان في الكويت، وواحد في كل من الامارات العربية المتحدة، والسودان، والجزائر، وموريتانيا. تتبعت الدراسة تواريخ انشاء هذه المتاحف، ويعد اقدمها على الاطلاق "المتحف الاثنوغرافي" في القاهرة الذي افتتح في العام 1898، ويليه المتحف الوطني للخزف في مدينة سامرة في المغرب في العام 1900. وتتخذ هذه المتاحف اساليب مختلفة للعرض، فمنها ما يعرض على طريقة التسلسل التاريخي، وبعضها يختص بتقسيم العرض وفقاً لوحدة المكان ذاته، والبعض الآخر بحسب النوعية الموحدة للمعروضات والمقتنيات. وتعرض البحث لبعض المتاحف الخاصة في العالم العربي، مثل متحف رعاية النمر في مصر، ومتحف السيد عبدالجبار في العراق، ومتحف طارق السيد رجب في الكويت. إلى ذلك طالب الباحث هشام عبدالعزيز المهتمين بالمأثورات الشعبية بالالتفات إلى مخطوطات التراث العربي، فهي تشتمل على مادة فولكلورية تم جمعها قديماً، غير أنها لم تلق العناية الكافية لأسباب عدة، منها ما يتعلق بطبيعة النظر للمادة الشعبية من قبل الصفوة، وما يتعلق بنظرة الباحثين إلى مجال تحقيق التراث ذاته، فالمحقق يتجه غالباً نحو تحقيق نص يتفق برؤيته، وهو ما لم يكن يتفق وطبيعة المادة الفلكلورية من أمثال وازجال وأحاج وسير شعبية ودراسة اللهجات العامية. ومن هذه النصوص كتاب "تمثال الامثال" للقهراواني، و"القول المقتضب فيما يوافق لغة أهل مصر من لغة العرب" لابي السرور البكري، و"العقيدة الأدبية في السبعة فنون المعنوية" لمحمد الدياظلي الدمشقي، و"اصابة الاغراض في ذكر الاعراض" لابن قزمان، و"طيف الخيال" لابن دانيال، و"امثال العوام في مدينة السلام" لحسين شكري الالوسي. وثمة مخطوطات اخرى مجهولة المؤلف، ولا يعني ذلك فقدان النص قيمته، بل قد يعطي هذا بعض النصوص قيمة أكبر، وكتاب "ألف ليلة وليلة" مثال على ذلك. وأكد عبدالعزيز ان تجربته في مجال تحقيق التراث من منهج الجمع الميداني قامت على اعتبار أن كل نسخة، من النسخ المختلفة لنص ما، نصاً منفرداً له شروطه الاجتماعية والسياسية والثقافية التي أثرت عليه، والنظر إلى الاختلافات الماثلة بين النسخ في ضوء هذه الاختلافات. وخصص الملتقى محوراً لقضايا التراث الفلسطيني تناول محاولات سرقة اليهود للمأثور الشعبي الفلسطيني من حدوتة واسطورة وأغنية وزي.