يحاكمون الكاتب والفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه، لأنه ثبت لهم فعلاً بالدليل القاطع بعد ثلاثين عاماً أنه خان رمز ثوار أميركا اللاتينية تشي غيفارا، أم أنهم يحاكمونه لأنه نعى مثقفي فرنسا وانتاجهم؟ "من الذي خان تشي غيفارا"؟ عنوان لبرنامج عاد عبره تلفزيون سويدي إلى حوالى 30 سنة مضت، ليتوقف عند ملابسات اعتقال أشهر الثوار وإعدامه فوراً في بوليفيا عام 1967، وليوجه اتهاماً مبطناً إلى دوبريه، بتركيزه على أقوال سيرو بوستوس، المعاون المقرب إلى غيفارا، والذي طالما اعتبر الفليسوف الفرنسي الشخص الذي اوقع بتشي. وحاولت "الحياة" الوقوف على رأي دوبريه في البرنامج، لكنه فضل التزام الصمت. إلا أن صديقته أبلغتنا أنه "متأثر جداً، لكنه يرفض الخوض في الموضوع وتوجيه أي انتقاد إلى بوستوس، ويعتبر أن كل شيء قيل في هذا الصدد، وما على المؤرخين سوى القيام بعملهم". وأضافت ان ليس لدى الكاتب الفرنسي ما يبرره، و"ان كل ما قاله وفعله خلال فترة اعتقاله في بوليفيا مدوّن لدى الاستخبارات البوليفية والأميركية، التي ما عليها سوى كشفه". وتساءلت: "لماذا انتظروا ثلاثين سنة لتحريك القضية؟ ولماذا لم يفعلوا ذلك عندما كان دوبريه مستشاراً في القصر الرئاسي، في بداية الولاية الأولى للرئيس الراحل فرنسوا ميتران"؟ ورأىت ان "كل ما في الأمر مسعى لتوجيه ضربة إعلامية إلى دوبريه، لأنه ليس من المفكرين السائرين ضمن الموجة، ويرفض الانتماء إلى الذين يعتبرون أن ما يكتبونه يشكل مساهمة في العمل الإنساني". وكان دوبريه أصدر أخيراً كتاباً عنوانه "المثقف الفرنسي، تتمة ونهاية"، قوبل باستياء في أوساط المفكرين الفرنسيين، نظراً إلى ما تضمنه من مواقف اعتبرت بمثابة نعي لهم ولانتاجهم الفكري. وكانت قناة "اس في تي اي" الحكومية السويدية بثت برنامجها الوثائقي مركزة على سلسلة مقابلات خصوصاً مع بوستوس الذي اعتقله الجيش البوليفي برفقة دوبريه في نيسان ابريل 1967، وحكما بالسجن ثلاثين سنة. وفي 8 تشرين الأول اكتوبر 1967، اعتقلت القوات البوليفية غيفارا الذي اعدم في اليوم التالي. وتردد آنذاك أن بوستوس انهار أمام المحققين وكشف مكان وجود "الكومندات" أثناء إعداده لاشعال حرب العصابات في دول أميركا اللاتينية. وتبين لاحقاً أن بوستوس، وهو رسام، زوّد البوليفيين صوراً رسمها بالفحم لعدد من الثوار في بوليفيا، كانوا يعملون إلى جانب غيفارا. ولا ينفي بوستوس ذلك في حديثه إلى التلفزيون السويدي، لكنه يوضح أنه اختار خلال التحقيق قول 80 في المئة من الحقيقة و20 في المئة من الأكاذيب، وأنه رسم صوراً لثوار معروفين لدى الجيش البوليفي، وهاجسه الأساسي كان "حماية الشبكة الثورية" السرية التي أنشأها في بلده الأرجنتين. ولا يوجه أي تهمة مباشرة إلى دوبريه، بل يكتفي بانتقاد الذين كتبوا عن تلك الفترة، وأبرزهم الكاتبان الفرنسي بيار كالفون والمكسيكي خورخي كاستانيدا اللذان أكدا في كتابين صدرا عام 1997، أنه المسؤول عن اعتقال غيفارا. وتناول دوبريه هذه الحقبة في كتاب له بعنوان "حرب عصابات التشي" صدر عام 1974. ويعتبر معدا البرنامج، أريك غانديني وطارق صالح، ان بوستوس ضحية لتاريخ كتب بناء على أقوال دوبريه، صاحب الشهرة الدولية التي كان لا بد من أخذها في الاعتبار. لكن الأخير 60 سنة لم يكن آنذاك كما هو اليوم. كان ثورياً أممياً ارتبط بعلاقة وثيقة مع الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، وكان من اتباع الكاتب والفيلسوف الفرنسي الراحل جان بول سارتر. وأثار اعتقاله في فرنسا والخارج حيث تحول رمزاً لجيل كامل، ضجة حملت السلطات الفرنسية على التدخل لدى بوليفيا، فأطلق بعد 4 سنوات أمضاها في السجن.