ابنة كاسترو الهاربة الى الغرب من "ديكتاتورية" أبيها، لا يعرف أحد ما الذي أهاجها، في الآونة الأخيرة، على المفكر الفرنسي ريجيس ديبريه لتتهمه، دون أية اثباتات بأنه هو الذي سلم تشي غيفارا، صديقه ورفيقه، الى السلطات العسكرية البوليفية المتعاونة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. إذ، اذا استثنينا "شهادة" ابنة كاسترو هذه، لن تجد في أي كتاب أو أية وثيقة أو أية شهادة ما يعزز مثل ذلك الاتهام. علماً بأن كتباً عدة اتهمت، من ناحية ثانية، قيادة الحزب الشيوعي البوليفي ب "الغدر بغيفارا" وغالباً من دون أن تحدد كيف. مهما يكن في الأمر، فإن ريجيس ديبيريه كان في تلك الوقت، حقاً، على احتكاك مباشر بثوريي أميركا اللاتينية وبقضاياها، ولكن انطلاقاً من زنزانته في السجن البوليفي الذي اعتقل فيه. فالحال أن المفكر الفرنسي "الثوري في ذلك الحين" - حسب تعبير لاحق جاء به هو شخصياً - كان وقع في شبكة سلطات بوليفيا قبل شهور من وقع صديقه غيفارا، أي عند نهاية شهر نيسان ابريل 1967. اذ يوم العشرين من ذلك الشهر وفيما كان ديبريه في صحبة الارجنتيني تشيرو روبرتو بستوس، والصحافي جورج اندرو روث الذي كان انجز حواراً مطولاً مع غيفارا، تمكنت السلطات البوليفية من اعتقال الثلاثة في منطقة نانكاهوانزو. ما أن تم الاعتقال، حتى تكلم روث وباح بكل شيء، بل من المعروف أنه رسم 18 صورة لغيفارا ورفاقه والأماكن التي التقاهم فيها. أما ديبريه فإنه بعد أن ضرب ضرباً مبرحاً من قبل معتقليه، غاب في "الكوما" لفترة طويلة من الزمن، أفاق بعدها وهو نزيل المعتقل الذي كان يديره القومندان لويس ريكي تيران ونراه في الصورة مع ريجيس ديبريه، خلال وجود هذا الأخير في معتقله. خلال الشهور التالية راحت السلطات البوليفية تحاكم ريجيس ديبريه. وهي محاكمة اختتمت يوم 17 تشرين الثاني نوفمبر من العام نفسه، أي بعد أسابيع من مقتل غيفارا، وبعد نحو شهرين من بدء القوات الأميركية تدخلها الصريح في الادغال البوليفية. يومها حكم على ديبريه بالسجن لمدة ثلاثين عاماً. والحقيقة أن ديبريه لم يفلت من الحكم عليه بالاعدام، إلا لأن القانون الجنائي البوليفي لم يكن في ذلك الحين ينص على الحكم بالاعدام، رغم هذا لم يفلت ديبريه من الركل والضرب والتعذيب كما سوف يروي هو لاحقا، كذلك لم يفلت من الضغوط السيكولوجية التي راحت تمارس عليه، ووصلت الى ذروتها حين مثلت عملية إعدامه دون أن يدري هو مسبقاً، أن المسألة تمثيل في تمثيل. وهنا لا بد أن نذكر أنه من بين المحققين الذين تولوا بين الحين والآخر استجواب ريجيس ديبريه كان هناك شخص الماني الأصل يدعى... كلاوس باربي. وكان باربي هذا ضابطاً المانياً هارباً التجأ الى بوليفيا بعد أن اتهم بتعذيب اليهود وسجنهم في فرنساوالمانيا. وهو، بالطبع، باربي نفسه الذي سيعتقله الفرنسيون لاحقاً، وسيحاكمونه. في ذلك الحين، في بوليفيا، كان باربي يختبئ خلف اسم آخر، وهو تولى استجواب ديبريه بمشاركة مسؤول محلي كان ينتسب الى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويدعى ادواردو كونزاليس. وطوال فترة الاستجواب كان هم المحققين محصوراً في معرفة مكان غيفارا، ومدى خلافه مع كاسترو وعما إذا كان ذلك الخلاف حقيقياً أو وهمياً - ينتمي الى نوع من "توزيع الأدوار" داخل صفوف الحركة الثورية التي كانت كوبا تتطلع الى تزعمها وتفجير امكاناتها في طول أميركا اللاتينية وعرضها -. وكان غيفارا في موقعه في الادغال البوليفية يتابع محاكمة ديبريه ساعة بساعة، قبل أن يقع هو الآخر في شباك السلطات البوليفية والمخابرات الأميركية وينتهى أمره. ولقد ساءه كثيراً أن يعرف ذات مرة أن السلطات البوليفية صادرت دفاتر ديبريه ويومياته. وهو كتب يوم 3 تشرين الأول اكتوبر من العام نفسه، أي قبل مقتله بخمسة أيام: "لقد سمع ديبريه وهو يجيب بكل شجاعة على اسئلة طالب كان يريد استفزازه". وتكشف آخر يوميات غيفارا عن مدى اعجابه بديبريه وتقديره له، ما يتنافى بالطبع، مع ما حاولت ابنة كاسترو الهاربة أن تقوله بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاماً.