دخول الزعيم الليبي العقيد معمر القدافي على خط مساعي لرأب الصدع بين المغرب والجزائر لن يكون من دون نتائج، فإما ان ليبيا حققت اختراقاً لحال التشكيك الذي يطبع العلاقات المغربية - الجزائرية وباتت على يقين بقرب الانفراج، واما انها ارادت التلويح بمبادرتها لتحريك الجمود. وفي أي حال فإنها لا بد ان تكون وضعت في الاعتبار ردود فعل الجزائر ازاء وساطة من هذا النوع، من منطلق ان الجزائر اصبحت تفضل الحوار من دون وساطات، او على الاقل هذا ما تصرح به كلما كانت هناك مساع بين الطرفين. وحتى حين زار الوسيط الدولي في نزاع الصحراء جيمس بيكر المغرب والجزائر سراً قبل بضعة ايام لتطويق مضاعفات تهديدات بوليساريو ضد رالي باريس - دكار اتفق على احاطة مساعيه بالكتمان. المفارقة في المبادرة الليبية الجديدة انها جاءت على خلفية تزايد المنافسة بينها وبين الجزائر في الساحة الافريقية. وثمة من يرى في مشاركتها في قمة ياوندي الفرنسية - الافريقية تأكيداً لانفتاحها على هذا النادي السياسي، فضلاً عن رغبة في كسب مودة باريس لتجاوز ازمتها مع الدول الغربية. وهي ترى في تعزيز العلاقة مع المغرب فرصة لتعزيز ذلك الانفتاح. وكما ان الرهان الليبي على افريقيا مكن طرابلس من تسجيل نقاط لمصلحتها في معركة رفع الحظر الجوي، فإن مشاركتها في قمة ياوندي بوزير الوحدة الافريقية الدكتور عبد السلام التريكي كانت ترمي الى حشد تأييد العواصم الافريقية لمشروع "الاتحاد الافريقي" الذي تعتبره الجزائر خطوة لاضعاف منظمة الوحدة الافريقية اكثر مما هي ضعيفة. وربما لهذا السبب بالذات تعذر عقد قمة تجمع العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في ياوندي، على رغم ان طابع القمة الفرنسية - الافريقية يسهل ذلك، اذ ان "الجمهورية الصحراوية" ليست عضواً في هذا التجمع، وقضية الصحراء لم تكن مطروحة للنقاش. الاتفاق على عقد اجتماع وزراء الخارجية المغاربيين في الجزائر في مارس آذار الماضي المقبل كان مخرجاً لتأكيد ان المساعي الليبية في رأب الصدع بين المغرب والجزائر اثمرت شيئاً ما، على رغم اعلان وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم ان بلاده كانت وراء الدعوة للاجتماع. لكن غير المعلن في هذه التحركات ان المشروع الليبي لاقامة "الاتحاد الافريقي" لا يمكن ان يتحقق من دون موافقة عواصم اوروبية عدة ترتبط بعلاقات خاصة مع الدول الافريقية، وقد مهد الزعيم القذافي للمشروع بمشاركته العام الماضي في القمة الافرو - اوروبية في القاهرة. وثمة من يرى ان التركيز على تقوية تجمع بلدان الساحل والصحراء هدفه تحويله نواة ل "الاتحاد الافريقي". على ان ليبيا وشركاءها في تجمع الساحل رفضوا انضمام "الجمهورية الصحراوية". وفي مقابل ذلك انضم المغرب الى التجمع على رغم ان ذلك لم يكن واردا من قبل. في لغة الرموز التي يتداولها المغاربيون اكثر من تداولهم المباشرة السياسية، ان العاهل المغربي قدم الى العقيد القدافي هدايا رمزية ضمنها ألبوم صور يجمع هذا الاخير والملك الراحل الحسن الثاني ابان فترة "الاتحاد العربي الافريقي"، وغايته التقليل من ردود الفعل الغربية حيال تقارب البلدين اكثر. وفي المقابل قدم الزعيم الليبي للعاهل المغربي سيارة صغيرة من صنع ليبي، وفي الاشارة التى تنم عنها ان الطريقة سالكة من الرباط الى طرابلس، لكن السيارة لن تعبرها من دون التوقف في الجزائر.