"سورية بدأت عصرا جديدا لا يُسجل فيه ما نقوله" ... "نحن نريد ان نمشي الى امام وعبء الماضي سنتركه" ... "نحن نطالب بالمجتمع المدني، ومطلوب منا الصفح والمسامحة والمحبة". بهذه الكلمات اختصر الدكتور شبلي الشامي محاضرة "حق القول" التي القاها مساء اول من امس في "منتدى الحوار الوطني" الذي يستضيفه النائب المستقل رياض سيف في منزله في حضور عشرات من المثقفين اليساريين - الماركسيين والمهتمين وخريجي المعتقلات بينهم فاتح جاموس واصلان عبد الكريم قياديا "حزب العمل الشيوعي" اللذان اطلقا العام الماضي بعد اكثر من 15 عاما في السجن. وقال الدكتور الشامي ان "عملية الاصلاح تحتاج الى وقت وصبر والى عدم التسرع والمطالبة بامور فورية واعطاء القيادة الجديدة الفرصة كي تتمكن من تحقيق خططها واهدافها"، لافتا الى ان الامر "الواضح هو ان الاصلاح الاقتصادي لن ينجح برنامجه ما لم يجر اصلاح سياسي. الاصلاح السياسي هو الذي يبعث الثقة في نفوس اصحاب الاموال. لا ينفصل الاصلاح السياسي عن الديموقراطية ولا يمكن تجزئة المواضيع". وتشهد سورية منذ وصول الرئيس بشار الاسد الى الحكم في 17 تموز يوليو الماضي نقاشات جريئة في مجلس الشعب البرلمان ومنتديات ثقافية منتشرة في معظم محافظات البلاد تتناول حقوق الانسان والمجتمع المدني. ورغم ان عدد حاضريها لا يتجاوز المئات، فان دائرتها بدأت "تنمو كالفطر" حسب قول احد المثقفين. كما ان الحكومة سمحت ببث جلسات البرلمان الانتقادية علنا اذ تضمنت جلسة اخيرة للبرلمان انتقادات حادة وجهها النائب الدمشقي محمد مأمون الحمصي ل"بعض" العاملين في اجهزة الامن على تجاوزات ارتكبوها، مقترحا جعل "الابنية الضخمة التي يشغلونها معاهد لتدريس المعلوماتية". واخذ عدد من الحاضرين على الدكتور شامي تركيز محاضرته على الاطار النظري واعطاء امثلة من دول افريقية واميركية لتأكيد "الاستبداد والنظام الشمولي"، الامر الذي "حمّسه" كي يقول لاحقا "كل كلمة قلتها قصدت سورية، هذا واضح". وزاد: "النظام السوري منذ 21 شباط فبراير 1958بداية الوحدة السورية-المصرية التي انتهت في 1961 هو نظام شمولي لا يأخذ بالاعتبار الاراء الفردية". وعندما طالب احد المثقفين ب"اجراءات فورية للمحاسبة"، رد استاذ الهندسة: "تحت اي شعار نجلس في هذا المكان؟ تحت شعار اقامة مجتمع مدني. نطالب بتحسين مستوى التعليم، نطالب بمزيد من التشريع المنفتح والمتحرر، نطالب بجمعيات". وبعدما تساءل عن امكان غسيل عقود باربعة ايام، قال: "لا نستطيع. المشكلة الاساسية ان القمع هو من الداخل. السوري مقموع من الداخل. هو لا يتكلم. تقول حكومتنا الان قولوا ما تشاؤون ونحن نعمل ما نريد. لذلك لا يتجرأ البعض على الكلام ويقول انهم اجهزة الامن يسجلون ذلك لنا". وزاد: "يا اخواني، لا تصدقوا ذلك. سورية دخلت عصرا جديدا وهذا العصر الجديد هو حتى على مستوى الاقتصاد اسمه القطاع الثالث. نحن نريد ان نمشي الى امام. عبء الماضي سنتركه لكن لا تنسوا، نحن نطالب بالمجتمع المدني، ومطلوب منا الصفح والمسامحة ومطلوب منا المحبة، مطلوب منا ان نبدأ من جديد". وكان الجمهور يقطع المتحدث بالتصفيق والتشجيع وبالعبارات الطريفة. ونهض عاصم ميرزو مرتديا لباسا تقليديا وواصفا نفسه ب"الفلاح وليس بالمثقف مثلكم، اذ انني انتهيت من زرع ارضي وسأعود لاطعام بقراتي"، قائلا: "احس انني مغترب في وطني. هنا رأي واحد، لم نتعود على رأيين. الكل يجب ان يكون له خط واحد. الكل يجب ان يؤيد". واشار الى انه عندما سافر الى اوروبا قبل عقود "اكتشف" ان الروائي جورج اورويل "ليس عكروتا" ليس سيئا كما قال له استاذه "بل انني اكتشف انه روائي وكتب "حديقة الحيوان" و"1984". واعتذر علي ورّاد عن تلعثمه لدى القائه مداخلته. واشار الى شفته العليا قائلا "لم تتعود الكلام منذ عقود"، فعلق احد الحضور "كانت صائمة عن الكلام". ويأتي كل ذلك في اطار توسع هامش الحرية والانتقاد في البلاد، ذلك ان وزارة الاعلام سمحت امس بتوزيع عدد من الصحف بينها "الحياة" التي نشرت نص "الوثيقة الاساسية" ل"لجان المجتمع المدني" التي قدمت تقويما للعقود السابقة وطالبت باجراء انتخابات ديموقراطية "في جميع المستويات" و"استقلال القضاء" وعدم الاكتفاء ب"تفعيل" دور "الجبهة الوطنية التقدمية" التي تضم الاحزاب السياسية المرخصة بقيادة "البعث" الحاكم منذ العام 1963، مع "اعادة النظر" في مبدأ "الحزب القائد للدولة والمجتمع واي مبدأ يقصي الشعب عن الحياة السياسية". وكان لافتا ان "الوثيقة" لم تحظ ب"الاجماع ذاته" الذي ناله "بيان المثقفين ال99" الذي صدر قبل اشهرفي دمشق.