جديد المؤرخ الفرنسي المتخصص بتاريخ قرطاج سارج لونسال كتاب عن "القديس أوغسطينوس" الذي أرسى دعائم الكنيسة الكاثوليكية في شمال أفريقيا قبل نحو أربعة قرون من الفتح الإسلامي وصار أحد الأفارقة القلائل الذين قادوا الكنيسة. وارتبط اسم لونسال بقرطاج منذ كتاباته المبكرة وهو غدا أحد المتخصصين البارزين في تاريخها، خصوصاً أن دراسته الشهيرة الصادرة في كتاب بعنوان "قرطاج" عن دار فايار عام 1992 تعد من أهم الكتب العلمية المنصفة لهذه المدينة - الدولة عموماً ومرجعاً أساسياً عن الحضارة القرطاجية خصوصاً. ومضى سارج لونسال بعد هذه الدراسة الشهيرة قدماً حتى توقف عند القائد القرطاجي هانيبعل ليؤلف عام 1995 كتابه الثاني بعنوان "هانيبعل" مسلطاً الضوء على هذه الشخصية التاريخية فجعلها أكثر وضوحاً بعيداً من تلك الصورة التي يختلط فيها الخيال بالأسطورة. ويعتبر لونسال المؤرخ والباحث الأركيولوجي من ذلك الجيل الفرنسي الذي يؤمن بأن تونس أرض حضارة أساساً ومدرسة لإنتاج التاريخ الإنساني وهو يعرف بوصفه من كبار المختصين في تاريخ شمال أفريقيا القديم، وسبق أن أدار ورشات أبحاث أركيولوجية في الجزائروتونس وخصوصاً تلك التي قام بها في قرطاج بين 1974 و1981 في اطار الحملة التي قامت بها منظمة اليونسكو لإنقاذ آثارها، وهو الى ذلك يدرس التاريخ القديم في جامعة غرونوبل الفرنسية. بعد "قرطاج" و"هانيبعل" تابع لونسال مغامرته في البحث فاهتم هذه المرة بشخصية جديدة يسمونها "دكتور الغرب" وهي لا تخرج عن المناخ القرطاجي الأفريقي، فأصدر كتابه الثالث "القديس أوغسطينوس" عن دار فايار في 792 صفحة. ويعد هذا الكتاب حدثاً في الدراسات التاريخية المختصة بالفترة المسيحية المبكرة والمرتبطة بالقديس الأفريقي أوغسطينوس المولود في عام 354 ميلادية في تاكاست أو سوق أهراس المدينة الواقعة اليوم على الحدود الجزائرية - التونسية في أسرة فقيرة من أب وثني وأم مسيحية. وتربى هذا الرجل على الثقافة اللاتينية بمداومته قراءة الشاعر المسرحي فرجيل والشاعر الساخر ابولي وحملته لاحقاً للتأمل الفلسفي من خلال اطلاعه الدقيق على كتابات شيرشيرون الخطابية والأخلاقية والسياسية ومدارات الفكر المانوي نسبة الى تعاليم ماني، التي أيقظت عنده الأسئلة الملحة حول مفهوم الخير والشر ومبدأ الطبيعة البشرية. وقاده هذا النزوع الى حب الفلسفة والانتقال الى قرطاجالرومانية والتدريس فيها ثم الرحيل الى روما التي خيبت آماله بسبب هويته الأفريقية الغالبة فنفد منها ليستقر به المقام في ميلانو. وفي هذه المدينة في أحد أيام آب أغسطس من عام 386 ميلادية اعتنق تعاليم السيد المسيح بعد قراءة كتاب القديس بول وظل منذ ذلك التاريخ يعمل من أجل التأسيس النظري والتأمل اللاهوتي لمدة 45 عاماً فوطد دعائم الكنيسة الكاثوليكية الأفريقية من خلال كتاباته اللاهوتية والفلسفية مثل كتابه "مدينة الله" وكتابه "اعترافات" وغيرها من المؤلفات الأخرى التي كانت حصيلة معاركه الفكرية الفلسفية وتفاسيره الفقهية وتأملاته الروحية. وهكذا كان للقديس أوغسطينوس ولفكره الدور المركزي في بلورة مفهوم الغرب في الديانة المسيحية على رغم كونه آتياً من الضفة الجنوبية للمتوسط.