حدث أمس تغير مفاجئ في الموقف السياسي المتأزم، حين انعقد مساء في غزة، لقاء فلسطيني - اسرائيلي على مستوى رفيع، ضم من الجانب الاسرائيلي: شمعون بيريز وزير التعاون الاقليمي، وشلومو بن عامي وزير الخارجية، وامنون شاحاك وزير السياحة ورئيس الأركان السابق، وغلعاد شير مستشار ايهود باراك رئيس وزراء اسرائيل المستقيل. وضم من الجانب الفلسطيني أحمد قريع ابو علاء رئيس المجلس التشريعي، وياسر عبد ربه وزير الثقافة والاعلام، ومحمد دحلان مسؤول الأمن الوقائي في قطاع غزة، وصائب عريقات مسؤول التفاوض حول قضايا الحل المرحلي. وعلمت "الحياة" من مصادر فلسطينية مطلعة ان اللقاء يتم بطلب من الرئيس الاميركي بيل كلينتون، الذي شدد على ضرورة عقده، وفهم الفلسطينيون من الأميركيين ضمناً ان الاسرائيليين سيعرضون بعض الأفكار الجديدة التي قد تساعد على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، بشأن الاقتراحات التي سبق للرئيس كلينتون أن عرضها، ووضع الفلسطينيون والاسرائيليون تحفظات عليها. وقالت مصادر قريبة من الوفد الفلسطيني، قبل اللقاء، انها لا تعرف ما سيعرضه الجانب الاسرائيلي، و"كل شيء غامض بالنسبة إلينا حتى الآن ليل أمس، وربما يغلب على الاجتماع طابع تشاوري، وربما يسير نحو المجهول". ولاحظت "أن باراك ليس مهتماً بالاجتماع وما سيناقش فيه، بمقدار ما هو مهتم بتأثيره في وضعه الداخلي الانتخابي". وقالت "إذا كان المطروح بياناً سياسياً يصدره الرئيس كلينتون فلا مانع"، أما حضور الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي حفلة اعلان البيان، بما يعني الموافقة عليه من دون تغيير جوهري للاقتراحات السابقة، "فهو مرفوض فلسطينياً". وذكرت هذه المصادر ان الاسرائيليين طلبوا أن يتم بعد لقاء الوفدين، لقاء قصير مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ولم يعرف ما إذا كان هذا اللقاء سيتم أم لا. وكانت هذا التطور المفاجئ بدأ بإعلان الاذاعة الاسرائيلية ان مندوبين من الطرفين سيعقدون مساءً اجتماعاً على مستوى عال، وأنه سيخصص لتحديد اطار محادثات التسوية السياسية، قبل انتهاء ولاية كلينتون في 20 كانون الثاني يناير الجاري. ثم اعلنت اذاعة الجيش الاسرائيلي ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سيحضر الاجتماع، إلا ان الاخير نفى مشاركته الشخصية فيه. وعلمت "الحياة" ايضاً من مصادر فلسطينية مطلعة ان محمود عباس ابو مازن فضل بدوره أن لا يشارك. وسبق هذا الاجتماع السياسي، انفراج أمني، جاء حصيلة لقاءات أمنية متكررة، وقامت فيه اسرائيل بفتح المعابر الحدودية، وفك الحصار عن مناطق قطاع غزة، مع إبقاء لأبرز مظاهر الحصار في الضفة الغربية، باستثناء ممرات فرعية عند منطقة قلقيلية. راجع ص 2 و3. وكان الاجتماع الأمني الأول الذي انعقد في القاهرة قبل أيام، وحضره رئيس المخابرات الأميركية ورئيس المخابرات المصرية، قد فشل بسبب رفض اسرائيل أن تكون البادئة بوقف العنف وازالة معالم الحصار العسكرية، وطلبها أن يكون الفلسطينيون البادئين بذلك. وتلا هذا الفشل طلب الجنرال شاحاك أن يلتقي مع عرفات في غزة، حيث أبلغه استعداد اسرائيل للبدء بوقف العنف وفك اجراءات الحصار "ولكن تدريجاً" على أن يوافق الفلسطينيون على منع اطلاق النار من المنطقة أ التي يسيطرون عليها بالكامل، كذلك الموافقة على عقد اجتماع سياسي، ووافق عرفات على ذلك. وكان كلينتون هو المبادر الى طلب هذه اللقاءات، حينن اتصل قبل يومين بكل من باراك وعرفات، وحضّ على اتخاذ اجراءات أمنية على الأرض، وعلى عقد اجتماع سياسي يتداول فيه الطرفان مقترحاته، ويحددان مدى الاتفاق أو الاختلاف حولها، ليستطيع اتخاذ قرار حاسم، بشأن طبيعة البيان النهائي الذي سيعلنه. وجاءت الاشارة الاولى الى تغير الموقف من باريس حيث أعلنت كاترين كولونا الناطقة باسم الرئاسة الفرنسية ان بن عامي "مضطر للعودة الى اسرائيل قبل الوقت المقرر، لاجتماع مهم تعقده الحكومة الاسرائيلية"، وان محادثاته مع الرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء ليونيل جوسبان لن تجرى. كذلك ألغى مواعيده مع وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف ووزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت. ثم انتقل تحديد طبيعة التطورات الى اسرائيل، حيث اوضحت وزارة الخارجية ان بن عامي يعود "لاجراء مشاورات ديبلوماسية". وقال راديو اسرائيل ان "تطورات مثيرة في عملية السلام" اضطرته للعودة. قبل ذلك اشارت تصريحات لمسؤولين اسرائيليين وفلسطينيين الى وصول الأمور الى طريق مسدود، إذ اعلن بن عامي نفسه، في باريس، بعد اجتماع مع وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين، ان التوصل الى اتفاق نهائي مع الفلسطينيين "شبه مستحيل" بحلول العشرين من الشهر الجاري موعد انتهاء ولاية كلينتون. لكنه أضاف: "انه ظرف حاسم، وعلينا في الأيام المتبقية أن ننجح في التوصل الى شيء ما" ولم يعط ايضاحات. وتحدث عن وجود خيار آخر هو "اعلان مبادئ" تشارك فيه أوروبا والأمم المتحدة لإضفاء "شرعية" عليه، كي يستخدم مستقبلاً. وقال ان الهدف من اتفاق على "اعلان مبادئ" هو "انقاذ مكاسب السنوات الأخيرة". وأمل فيدرين من جانبه بأن يجد الطرفان "القوة والارادة السياسية اللازمتين للعودة الى القرار المهم" القاضي بإحلال السلام. وتجلى التشاؤم نفسه في تصريحات فلسطينية سبقت التطور المفاجئ. اذ قال الوزير الدكتور نبيل شعث في تونس بعد انتهاء أعمال لجنة المتابعة العربية "ان الانتفاضة لن تتوقف حتى يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة". وحين أنهى الرئيس ياسر عرفات اجتماعاً مع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، شن حملة على اسرائيل التي "استخدمت في دباباتها وطائراتها صواريخ تحتوي اليورانيوم المحظور دولياً". وقال أنه بحث مع بن علي "الجهود التي يبذلها الرئيس كلينتون قبل مغادرته" البيت الأبيض. وتوجه عرفات من تونس الى القاهرة ليلتقي مع الرئيس حسني مبارك، الذي استقبله في منزله، وطلب من الصحافيين مغادرة المكان.