تأملوا مليونين ونصف مليون من البشر يسبحون دفعةً واحدة في الغانج، كما فعلوا الأحد الماضي الذي كان أول أيام الاحتفالات الهندوسية الدينية المعروفة ب"كومبه مِلا"! أكثر من هذا: فالاحتفالات التي تعود الى قرون خلت وتمتد على 42 يوماً، يقدّر ان 70 مليون هندي سيشاركون فيها، أي ما يعادل سكان بلد كتركيا او مصر. بعض الحجّاج آثروا وسائل النقل البرية التقليدية من سيارات وباصّات الى دواب وحمير. آخرون استأجروا قوارب كي تنقلهم الى مسرح الاحتفالات حيث يلتقي النهر بأنهار جامونا الصغرى، فيما تُعتبر مياه تلك البقعة بالغة القداسة. ذاك ان النصوص الدينية الهندوسية تقول إنها واحد من أربعة أمكنة اقتسم الآلهة فيها اكسير الخلود. عناقيد من "السادوه"، او الرجال المقدسين، جلسوا على الرمال شابكين أرجلهم، ووجوههم مصبوغة بخطوط ملوّنة، فيما هم يقرأون نصوصاً مقدسة. لكن الغالبية اكتفت بالصلاة ولم تسبح الا قريباً من الشاطىء في منطقة تسيّجها الحكومة وتتشدد في مراقبتها. و"كومبه ملا" يجري كل 12 سنة متيحاً للمؤمنين المتعبّدين ان يستحمّوا في الغانج كي يطهّروا ارواحهم من خطاياها. ويتدافع الناس الى ممارسة هذا الطقس الديني والملتقى القومي عائلاتٍ عائلات. لا الطقس البارد ولا المياه الثلجية تردعهم اذ يقولون ان ازعاج المناخ لا يلبث ان تبدده حرارة الايمان الذي يسخّن البرودة. وكثيرون من السياح الاجانب صاروا، منذ سنوات، يتوافدون الى حيث "كومبه ملا". فاحتفاليته غريبة وحاشدة وطقسية في آن، وهي هذا كله على نحو هيولي صاعق. لكنها أيضاً، كما قال احدهم، "حوار بديع بين البشر والنهر". الحكومة ومنظّمو الاحتفالات أنفقوا ملايين الدولارات لتأسيس بنية تحتية تضمن نجاحها، او على الأقل تخفض ضحاياها واكلافها. فقد اقيمت مدينة موقّتة لاسكان الحجاج جُرّت اليها المياه ومُدّت الكهرباء وروعيت الشروط الصحية، فضلاً عن أسباب الحماية الأمنية حيث حضرت الشرطة بكثافة وتأهّب وأعين مفتوحة. بيد أن جديد احتفالات هذا العام مزاوجة التقليد القديم بالتقنية الحديثة في تنظيم ذاك السوق التعبدي الضخم. فالانترنت وضعته الحكومة قيد الاستخدام الكثيف لتسهيل الانتقال والزيارات والاعلام عن الحدث. ومحطات الرصد زُرعت للعثور على من يضيعون في هذا الزحام البشري وهم كثيرون. وبطبيعة الحال بات ل"كومبه ملا" موقع رسمي على الشبكة، فضلاً عن مواقع كثيرة أصغر، للتعريف به، وهو: www.kumbhallahabad.com وفي وسع الهنود الذين لن يستطيعوا الحضور أن يواكبوها من بيوتهم بفضل الانترنت. لكن كبريات الشركات كانت هناك ايضاً، فاستخدمت المناسبة لتسويق منتجاتها، ولا سيما منها شركات المياه المعدنية والشاي والبيبسي كولا التي تتنافس على الحناجر العطشى. ولم تتردد صحيفة "تايمز أوف إنديا"، أهم صحف الهند، عن الاستشهاد بمؤسسة "كوكس إند كينغز" السياحية البريطانية التي ذكر ناطق باسمها ان كثيرين من نجوم هوليوود سوف يحضرون. وربما كان بين هؤلاء، حسب ما توقعت الصحيفة، مادونا وبيرس بروسنان وشارون ستون وديمي مور وريتشارد غير، ممن يُتوقع إسكانهم في أحد المخيمات الفخمة والكثيرة التي أُعدّت للمناسبة. ولكن هيهات! فالاحتفالات الماضية شهدت مآسي سُحق بنتيجتها عدد من الحجاج اذ انهارت فيهم السدود. والخوف ماثل اليوم من تداعي بعض الضفاف على مقربة من استعراض التقنية الهندية الرفيعة لقدراتها.