صدرت اخيراً في القاهرة دراسة اعدّها الدكتور فرج الكامل تحت عنوان "حوار مع المستقبل"، حول مشكلات المراهقين المصريين في فئتين من 12 الى 15 عاماً، ومن 16 الى 18 عاماً، وروعي أن تكون نصف العينة من الذكور، والنصف الآخر من الإناث. وإذا كان للمراهقين عالم خاص بهم، فإن اول ما يميزه لغتهم. "الاولاد" و"البنات" - وهما اللفظان اللذان تستخدمهما الدراسة - يستخدمون مصطلحات عدة للدلالة على معان محددة يعرفونها في ما بينهم، وهي بمثابة "كود" لا تستخدم في الحديث مع الكبار، وأغلب مصطلحاتها يستخدمه الجنسان، وان القليل منها يستخدمه جنس دون الآخر. وتشير الدراسة الى ان الكلمات التي يستخدمها الاولاد فقط تنقسم الى فئتين: تلك المستخدمة لمعاكسة البنات او الاشارة إليهن، مثل: "مكانة" او "ماشين" للاشارة الى البنت الجميلة. والفئة الثانية هي الكلمات النابية التي يخجل الاولاد من استخدامها، عكس البنات. وهكذا "فالمساواة بين البنت والولد" أبعد ما تكون عن الواقع، وهذا بشهادة المراهقين انفسهم، الجميع اكد ان معاملة الولد تختلف عن البنت في ما يتعلق بحرية الخروج، ونوع العقاب، فالاهل يخافون من تعرض البنت للمعاكسة فيفرضون توقيتاً صارماً لعودتها الى المنزل ويلبون طلبات الولد اسرع منها، وهو يأخذ قسطاً أكبر من الحقوق. وفي حال فرض العقوبات، فالاعتقاد أن الولد يتحمل عن البنت يؤدي الى تعرضه للضرب اكثر منها. والبنات يشعرن بالفرق الكبير في معاملة الاهل للجنسين. تقول فتاة في المنيا: "يقولون اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24، ولم يقولوا اكسر للواد رجل يطلع له اثنين". وتلفت الدراسة الى ان عدداً غير قليل من البنات يتعاملن مع هذه التفرقة على انها عادية ومنطقية، بل انهن ينوين اتباع النهج نفسه مع اطفالهن بعد الزواج، تقول فتاة اخرى: "أخي اكبر مني واحترمه ولا اضربه، هو يضربني وهذا لا يغضبني لأنه يعلمني الصح من الغلط". وتستنتج الدراسة ان عدداً كبيراً من البنات اصيب بعقد نقص بسبب تلك التفرقة، وغاية املهن الفوز بجانب مما يتمتع به الولد من حقوق. اما الاولاد، فيؤكدون ان هناك درجة معقولة من المساواة بينهم والبنات، وان عدم المساواة يكون احياناً لمصلحة الولد وأحياناً لمصلحة البنت. صحيح ان البنت تمنع من السهر خارج المنزل، الا ان الميكروباص يقف للبنت في المكان الذي تحدده. لكن ماذا عن العلاقة بين البنت والولد؟ تؤكد الدراسة ان العلاقة بينهما في بداية سن المراهقة 12 الى 14 سنة تتسم بالبراءة غالباً، وتكون في حدود التعاون المدرسي والزمالة، الا ان نسبة مرتفعة من الاولاد يرون ان حتى تلك العلاقة "غير مستحبة من الآخرين". لكن كل الشباب والشابات في صميم مرحلة المراهقة اتفق على ان لا صداقة بمعناها الدقيق بين الجنسين، فالاولاد لا يثقون في ان البنت ستحافظ على اسرارهم، والبنات لا يتمكّن من الحديث بصراحة مع الاولاد. ووجدت الدراسة ان العلاقات بين الجنسين في نهاية المرحلة الاعدادية وبداية المرحلة الثانوية مزيج من الزمالة والصداقة والحب والرومانسية، وتكون هناك ضغوط من قبل الاصدقاء لتكوين علاقات مع الجنس الآخر. وذكر احد افراد العينة ان اصدقاء السوء قد ينصحون الولد بتناول الاقراص التي تعطيه الشجاعة في "الكلام" مع البنت، واتفق الاولاد على انهم لا يحترمون البنت التي "تمكن الولد من الغلط معها". وذكرت البنات في المنيا ان علاقات عدة وصلت الى الزواج العرفي. وعلى عكس البنات في المنصورةوالقاهرة، اللاتي اعربن عن سهولة لقاء الاولاد والبنات في الاماكن العامة، اكدت بنات المنيا ان هذا امر صعب للغاية، خوفاً من العواقب الوخيمة في حال معرفة الاب والاخ، وهو ما قد يفسر قضية الزواج العرفي الذي يتيح اللقاء بعيداً عن الانظار. وعلى غرار الزعيم بهجت الأباصيري الفنان عادل امام في مسرحية "مدرسة المشاغبين" يؤكد الاولاد ان الشاب صاحب النفوذ وسط اقرانه، لا سيما الفتوة الذي يضرب ويحتمي به الآخرون، ينصَّب في منصب الزعيم. وهناك نوعية اخرى من "الزعماء" يفرضون انفسهم بقدرتهم المالية، ودعوة الآخرين الى الاكل والشرب. اما التفوق العلمي، فلا يضمن لصاحبه وضع الزعامة بين الاقران. كما ان للبنات متطلبات مختلفة في الولد، كرجاحة العقل، وقوة الشخصية والتفوق الدراسي. اما ابرز القضايا التي تشغل تفكير الاولاد فهي: المذكراة والنجاح، والمشكلات العاطفية، والمادية، والمدرسية، وعدم التفاهم مع الاب والأم. والطريف ان البنات اجمعن على انهن اهم ما يشغل تفكير الشباب، واكثر القضايا التي تشغل تفكيرهن هي: الملابس والمظهر، معاكسة الاولاد لهن، اعتراض الابوين على صديقاتهن والخروج معهن وافتقاد المناقشة مع الابوين. واجمع البنات والاولاد على عدد من الشخصيات يشكلون مثلاً اعلى لهم، وهم من العلماء: الدكتور احمد زويل، الدكتور مجدي يعقوب، ومن المفكرين والادباء مثل الدكتور مصطفى محمود ونجيب محفوظ وطه حسين والشيخ الشعراوي، ومن الرياضيين حسام حسن واحمد شوبير وذكرت قلة من الاولاد والبنات الاب والام. ومن الامور المؤسفة ان علاقات الاولاد والبنات بالمدرسين في غالبيتها مضطربة وسلبية، ويقولون ان اهتمام المدرسين ينصب فقط على الدروس والفلوس. قالت احدى البنات: "المدرسون بصراحة عايزين حرق". وقد أدى هذا الى فقدان الثقة وانعدام الصدقية. ومن الامور التي تفوقت فيها البنات على الاولاد حجم المعلومات لديهن عن سوء التغذية، لكن السلوك الغذائي سيئ لدى الجنسين، وهما يتفقان في استقاء معلومات النمو والبلوغ الاولية من مادة العلوم، ولكن الغالبية العظمى من الشباب اكدت ان الآباء لم يتحدثوا معهم في موضوع البلوغ، ومعظم الاحاديث في هذا الشأن تكون مع الاصدقاء، وغالباً ما تكون عن العادة السرية. وتغييرات البلوغ عادة تسعد الشباب، إذ تشعرهم بانتقالهم من الطفولة الى الرجولة، وتسبب مزيجاً من الفرح والخوف لدى البنات، فهن يسعدن مع حدوث الدورة الشهرية للمرة الاولى لاحساسهن انهن اصبحن آنسات، وتخيفهن بسبب القيود المتوقع فرضها عليهن بسبب تلك التغيرات. وتحت عنوان "السلوكيات الخطرة" تذكر الدراسة ان مشكلة التدخين لدى الشباب هي مجرد قمة جبل الجليد الذي يخفي تحته كماً هائلاً من المشكلات البالغة الخطورة على مستقبل الشباب. يقول شاب 16 عاماً "أي أحد في سننا يجب ان يدخن السجائر ليقال انه رجل، وتتحول السجائر بعد ذلك الى بانغو ومخدرات وكل حاجة". ولا يقتصر تدخين الشباب للسجائر والبانغو على الشارع والاماكن البعيدة، لكنه قد يصل الى المدرسة، بل وفي داخل الفصل الدراسي، وعلى رغم ان نسبة المدخنين بين تلك الفئة العمرية ما زالت اقلية في المدارس، الا ان هناك محاولات مستمرة من قبل الاقلية لتشجيع الآخرين على الانضمام اليها. وإضافة الى السجائر والبانغو، هناك الحبوب المخدرة التي يتعاطاها عدد غير قليل من الاولاد، واكثر تلك الانواع انتشاراً "برشام الصراصير". والوضع لا يختلف كثيراً بالنسبة الى البنات، اللاتي اضفن معرفتهن بوجود شرائط كاسيت وافلام مخلة تسمعها وتشاهدها صديقاتهن. وتصف الدراسة علاقة الشباب بالتلفزيون بالموسمية، إذ تقل المشاهدة اثناء الدراسة، وتزيد في الاجازات، والمواد الترفيهية تستحوز اعلى نسبة من المشاهدة، وعلى رأسها الافلام، ولا يقبل الاولاد كثيراً على مشاهدة المسلسلات، "الا إذا كان فيها بنات حلوة يرتدين ملابس قصيرة". ويقبل الشباب على افلام العنف التي تحوي نوعية مختلفة من "الابطال" وباستثناء برنامج "العلم والايمان" لا يقبل اغلب الاولاد على مشاهدة البرامج الدينية، لانها على حد قولهم "مملة" ولا يطيقون البرامج السياسية، وبرامج الحوار، ونشرات الاخبار. يقول احدهم واصفاً تلك البرامج: "يقدمون كلام انشاء، مثل الثروة الاقتصادية عظيمة، والشباب طيب، وقليل جداً من يقول الحقيقة". وتتفق البنات مع الاولاد في هذه الميول، وإن كن يملن الى المواضيع الرومانسية. واجمع الجميع على ان برامج التلفزيون موجهة اما الى الاطفال الصغار او شباب الجامعات او الكبار، وليس الى المراهقين وهم يقترحون فحوى وشكلاً معيناً للبرامج الموجهة اليهم. فالمواضيع التي تجذبهم كثيرة، ومنها: المساواة بين الجنسين، عدم فهم الابوين لهم، المشكلات الطبية في المراهقة، الدروس الخصوصية، الزواج العرفي، تعليم الاب والام اساليب التربية الصحيحة، والموضة، والرياضة. لم تتفق المجموعات على شكل واحد للبرنامج المثالي، لكن الجميع اكد ضرورة ان يكون معبراً عن احاسيسهم وليس توبيخاً لهم، كما اقترحوا ان يستبدل المذيعون والمذيعات بالممثلين المحبوبين، وتحديداً احمد السقا ومنى زكي، ومصطفى وحسين فهمي، وكريم عبدالعزيز. ومن العناوين المقترحة للبرامج: "اعترافات الشباب" "الحرية" و"نحن الشباب" و"مشاكل المراهقة" و"ستايل". وتخرج الدراسة بنتائج عدة، ابرزها انتماء اولئك الشباب الى عالم خاص لا يوافق ان يدخله الكبار، وربما ينتج ذلك عن تكرار التجارب السلبية في الاتصال بعالم الكبار، كما انهم يرفضون وجهة نظر الكبار في تناول مشاكلهم. وتلفت مسؤولة الاعلام في "يونيسيف" القاهرة السيدة نجوى فرج الى ان العولمة زادت من اتساع الفجوة الازلية بين الاجيال، بالاضافة الى عدم محاولة الاهل بذل المجهودات لتقربهم من الابناء. وتضيف: "عادة يتعامل الكبار مع المراهق على أنه "حالة" وليس جزءاً من ثقافة، والمشكلة الحقيقة تكمن فينا نحن الكبار". ويتطابق رأي فرج مع ما توصلت اليه الدراسة، فالكبار فشلوا في التواصل مع المراهقين، بشكل فعال، وادى ذلك الى افتقار الشباب المعلومات والمهارات الاساسية. وتبدو الحاجة ملحة لتعليم الكبار - من اهل ومدرسين - للمهارات الاساسية في التعامل والتواصل مع المراهقين، وهناك حاجة ملحة كذلك لان يقوم الاعلام بدور فعال لسد تلك الثغرة الاتصالية، واعادة الثقة المفقودة بين الجيلين. وتؤكد الدراسة على ان تكون البرامج الموجهة الى المراهقين مليئة بالنصائح الجوفاء والتعليمات النظرية، وان يكون جزءاً من البرامج موجهاً للكبار لزيادة مهاراتهم الاتصالية في التفاعل الايجابي مع الشباب. وتكشف الدراسة ايضا عن حاجة ملحة لتدخل وزارة التربية والتعليم للتأكد من حظر اهانة الطلاب والطالبات مع الرقابة الصارمة للتأكد من خلو المدارس من المخدرات والسجائر. وتشير كذلك الى ظاهرة الدروس الخصوصية التي اصبحت مصدراً اساسياً للتوتر والقلق والاحباط للطلاب. وهكذا فإن مشاكل المراهقة شر لا بد منه، فهي جزء لا يتجزأ من مراحل النمو وتطور الانسان، لكن جانباً منها يمكن ان يمر بسلام وبأقل ضرر ممكن.