كاتبة العراقية عالية ممدوح على علاقة خاصة بالمغرب، هي التي عاشت سنوات في الرباط وعملت في الصحافة العلم وعرفت المثقفين من كل الاتجاهات. تعيش الكاتبة العراقية الآن في فرنسا منفاها الاختياري. فهي لم تفر من قبضة النظام العراقي، وإنما فرت من قبضة التسلط الزوجي. قرر زوجها الموظف لدى النظام العراقي أن يتزوج مرة ثانية عليها، فما كان منها إلا أن رفضت هذا الوضع الجديد: "في العراق لم يعد لدي مكان، هناك سيكون محكوماً علي بالاصطدام اللانهائي". حلّت عالية ممدوح أخيراً ضيفة على "دار الشرق والمتوسط" في مدريد من أجل تقديم الترجمة الاسبانية لروايتها "حبات النفتالين"، تلك الرواية تحكي الحياة اليومية لطفلة في بيت عراقي تقليدي. ويمكن اعتبارها نقداً لاذعاً لوضع المرأة في المجتمع العراقي، حيث يتم استعمالها داخل مناخ سياسي مشحون بطريقة تفتقر الى الانسانية. صدرت الترجمة عن "منشورات الشرق والمتوسط" الاسبانية التي تهتم بالانتاجات الابداعية العربية عموماً، والمشرقية في شكل خاص. وتشكل "حبات النفتالين" عصب العمل الروائي لعالية ممدوح. في العراق تعامل انتاجات عالية ممدوح بصمت مريب "ليس لدي أي مشكلة مع النظام، لقد همشت ليس بسبب مواقفي السياسية ولكن بسبب خوضي في مواضيع محظورة". ولدت ممدوح في بغداد سنة 1944، وهي تنتمي إلى جيل من النساء عايش التحولات الكبرى التي عرفتها المجتمعات العربية، الناتجة من المقاومة الجماعية للاستعمار، ولذلك تمكنت من التعلم. معظم هؤلاء النسوة تعرضن للعنف المعنوي واللاتسامح أو المنفى أو السجن. جوّ "نفتالينا" كما ترجمتها الدار يتمحور حول العالم الانثوي الذي تنغمس فيه النساء العربيات. هدى، بطلة القصة، تتحمل ضربات الاب، وتستمر في عصيانها عليها، مما يثير ردود فعل من شخصيات تمثل أجيالاً مختلفة. الجدة التي تمثل التقاليد، الأم التي تتحمل عسف الزوج، والعمة التي تعيش انفصاماً على مستوى حريتها وقمع توجهاتها الجنسية: "في هذا العالم الانثوي هن يسيطرن على الرجال عبر الجنس والحب، ولكن أيضاً عبر الكراهية والاستفزاز"، تقول عالية ممدوح. في "نفتالينا" ليس هناك حريم ولا رمال. النساء في الرواية لسن سبايا من أجل الجنس، أيضاً ليس هناك حضور لذلك العالم الغرائبي الذي تعود القراء في أوروبا على ارتياده عبر قراءاتهم للادب العربي المترجم: "لم أضع في حسابي القارىء الأوروبي، عندما أكتب لا أفكر في الترجمة. أريد كتابة عمل صادق وأصيل، وفقط لدي قلمي الذي أتمنى أن يظل نظيفاً"، تضيف قائلة. سبق لرواية عالية ممدوح "الرغبة" أن ترجمت إلى ست لغات. أما المنفى في نظرها فهو أكسبها أفقاً آخر في الكتابة وفي وضعها كامرأة عراقية: "يهمني العراق بثقافته الكبيرة وبتاريخه. عندما غادرت الوطن بدأ في داخلي وطن آخر. المنفى مكنني من رؤية ما يحدث في العراق عن بعد". تعتقد عالية أن جيلها أدى ثمناً باهظاً من أجل الحرية، وبفضل هذه التضحية ستؤدي النساء الشابات ثمناً أقل بكثير. "لم يكن بمستطاعي أن أجمع بين كل الاشياء، في الفترة التي عشت فيها شبابي كان مستحيلاً الجمع بين الحرية والحب. هكذا فقدت عائلتي". اختارت ممدوح باريس كملاذ شخصي وكمنفى في الآن نفسه: "على رغم أن المنطقي كان أن أذهب إلى لندن، لأن إبني يعيش هناك، لكنه سيفضل أن يجعلني تحت عنايته". تعترف عالية أن موضوع الرواية أغرى كاتبات عربيات كثيرات بالخوض فيه: "عانينا طويلاً، ومن حقنا أن نكتب قليلاً حول حياتنا. إن الأمر أشبه ما يكون بالصراخ". استطاعت عالية أن تتحكم في خوفها: "الخوف من الآخر الذي نحمله في الداخل. قبل أن أواجه زوجي، النظام، المجتمع، كان علي أن أبحث عن مواطن الخوف فيّ، أن أفهم لماذا أشعر بكل هذا الخوف، ثم أن أقطعه من جذوره". تستطيع البطلة "هدى"، التي تشبه الفتى، أن تتغلب على الخوف: "كان أبي الشرطي الأول الذي كان علي مواجهته، كان يمثل السلطة الشرعية للنظام، جنون الأب في نهاية الرواية يعكس جنون النظام المبني على تكريس الخوف والخنوع، لأن مجتمعاً يحطم المرأة مصيره أن يصاب بالجنون في آخر المطاف" تقول عالية. وفي بيروت أصدرت دار الآداب طبعة جديدة من رواية "حبات النفتالين" وحمل الغلاف لوحة للفنان شاكر الألوسي. وقدّم الناشر الرواية قائلاً: "للحياة العراقية في هذه الرواية مذاقها الخاص: بين "أعظمية" بغداد القديمة و"كربلاء" الحسين، وما بين الأربعينات والخمسينات من هذا العصر المزدحم بالتغير وبأنواع الاضمحلال والنمو. وللغة المؤلفة العراقية خصوصيتها، التي تفرض إحساساً بأنها طالعة من هواء الأعظمية ذاته ومن تراب مساجدها وأحواشها ومن لسان البطلة/ الراوية. الطفلة ثم المراهقة، ولكنها التي تحكي الآن أشياء حفظتها في صندوق الذاكرة، كأنما صانتها من الاندثار ومن آفات النسيان والخلط. "حبات النفتالين" هي رواية، إذاً، عن "الحقائق القديمة" في أعناق انسانية بغداد العتيقة والمعاصرة، ولكنها أيضاً رواية تحكيها ذاكرة "أنثى" عربية من الأعظمية، اصطدمت منذ الطفولة بالوضع الذي فرضه عليها وعلى بنات جنسها تراث قديم بكل ما فيه من حكمة وطلاوة وحنان، أو قبح وقسوة واختلال".