وصف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب اللبناني وليد جنبلاط اللقاء الذي عقده قبل نحو اسبوع مع الرئيس السوري بشار الأسد بأنه "كان صريحاً جداً وتناول كل المشكلات على الساحة اللبنانية". وقال ان اتفاقاً تم بينهما على "متابعة الحوار لترجمة ما طرح لمصلحة سورية ولبنان". جاء ذلك في لقاء موسع عقده جنبلاط مع اعضاء "نادي الصحافة العربية" في باريس الذي يترأسه الزميل ياسر هواري، في حضور النائب المنتخب غازي العريضي، فاعتبر ان الانتخابات النيابية الأخيرة "اظهرت ارادة الشعب اللبناني الدائمة في التغيير والتحدي والاثبات انه يمتلك حيوية ومقدرة ويتمسك بالديموقراطية والحريات كما عهدناه". ورأى "ان ابرز الجولات الانتخابية كانت في الجبل ثم في بيروت، ولم يتح للمواطن الجنوبي أو الشمالي أو البقاعي الفرصة نفسها نتيجة تركيبة الدوائر واللوائح الانتخابية". وأشار الى "ان المعركة المقبلة في لبنان ستكون لتثبيت الحريات والديموقراطية، والافساح في المجال امام اي صوت ليبرالي وطني لبناني باعادة النظر في قانون الانتخابات الحالي الذي عدل للمرة الثالثة ودائماً بالقول انها المرة الاستثنائية الأخيرة، وبالتالي لا يزال من الممكن تعديله مرة أخرى لنصل الى التعديل المنشود". وذكر ان طرحه على هذا الصعيد كحزب اشتراكي هو الدائرة الفردية، و"اذا تعذر التوصل الى ذلك فالمرجو هو التوصل الى الدائرة المصغرة حيث تغيب المحادل السياسية أو الديموقراطية، ويتاح لكل الاقليات السياسية وشرائح المجتمع ان تعبر عن نفسها، وهذه هي أهمية الانتخابات الأخيرة". وأضاف: "ان الأهمية الثانية تكمن في ان الشعب اللبناني قال لا للوائح المعلبة وللأجهزة المتعددة والمتنوعة، وقال نعم للارادة اللبنانية والمصالحة ونعم للمعارضة والانفتاح على كل الشرائح اللبنانية". واعتبر ان الخطاب السياسي الذي اعتمده قبل شهرين "بدأ يعطي نتائجه اليوم، وان بعض المحرمات السابقة سقطت، ويمكن الكل ان يتكلم كما يريد، بعدما كنا في حال من الكبت والخوف والارهاب، والكلام ضروري ومفيد". وتابع: "من هذا المنطلق لا بد من رؤية المستقبل في شكل عقلاني ومتابعة الحوار مع كل الافرقاء، وليس فقط الافرقاء المسيحيين، بل أيضاً المسلمين والاحزاب فهناك أصوات عدة من الجنوب الى الشمال، من حبيب صادق الى سمير فرنجية، كلها أصيلة ولا بد من ان تصل الى مراكز نيابية أو غيرها، ومن هنا أهمية الحوار وأهمية معالجة الأمور الداخلية من قضية التوطين الى العلاقات اللبنانية - السورية، بشيء من العقلانية". وقال انه "لا يعرف لِمَ هناك في لبنان اليوم موجة من العنصرية والشوفينية حيال الفلسطينيين، أما حيال سورية فهناك احياناً شعار معاد لها بالمطلق، فلا هذا مفيد ولا ذاك مفيد". ودعا الى "العمل على دراسة موضوعية وحوار موضوعي ثم انتظار الظروف المحيطة على الصعيد الفلسطيني والتسوية على صعيد الجولان، لكي يتمكن لبنان شيئاً فشيئاً من ان يستعيد ما يسمى بحرية القرار والسيادة والاستقلال ضمن اطار العلاقة المميزة مع سورية". وعن اللقاء الذي عقده أخيراً مع الرئيس السوري بشار الأسد، قال جنبلاط: "انه كان صريحاً جداً وتناول في شكل مباشر كل المشكلات على الساحة اللبنانية، الانتخابات وغيرها، وتم الاتفاق على متابعة الحوار والاتصال لترجمة ما طرح من المواضيع لمصلحة سورية ولبنان". وعن احتمال مشاركته في الحكومة المقبلة قال: "لا بد من العودة الى المنطلق وهو تثبيت الجو الديموقراطي ونهج الحريات، أما اذا كان المقصود التوصل الى تسوية وتشكيل حكومة من اجل حكومة "من كل واد عصا" من اجل تمرير تسوية معينة، فإن هذا سيكون مخالفاً للارادة الشعبية، وانه غير مستعد للمشاركة في الحكومة بأي ثمن، بل ينبغي ان تكون الحكومة متجانسة وان تحترم ارادة الشعب وتحافظ على الحريات والديموقراطية وتؤكد على قانون انتخابي جديد يعطي الجميع حرية التعبير". ورأى أن من غير الممكن الدخول في تسويات على حساب الارادة التي عبر عنها الشعب خلال الانتخابات، وأن ليس ضرورياً ان يكون الحزب الاشتراكي ممثلاً في الحكومة المقبلة، اذا لم تكن هناك صيغ منسجمة انمائياً وأيضاً ديموقراطياً. وقال انه منذ بداية عهد الرئيس اميل لحود، اكد رفضه ل"العسكرة" ولا يزال مصراً على ذلك، "باعتبار ان للجيش وظيفته التي هي لاحقاً تسلم أمن الجنوب. وبالعودة الى موضوع الطائف لا بد لهذا الجيش من ان يعود الى الثكن وان تتولى الأمن الداخلي، قوى الأمن الداخلي بعد تعزيزها، أما العسكرة وتدخل الأجهزة في الشأن العام والاقتصادي والسياسي مثلما حصل في الانتخابات، فقد أديا الى الفوضى". وذكر ان على الادارة المدنية تولي الشأن المدني والادارة العسكرية الشأن العسكري وفصل التدخلات سواء لدى القضاء أو لدى الصحافيين، والتوقف عن مراقبة الصحافة الأجنبية "فلبنان ليس كوريا الشمالية. اذ على رغم احترامي للنظام الكوري الشمالي، فأننا متقدمون عليه ومن هنا ضرورة تحديد دور الأجهزة والغاء بعضها لأن لا حاجة اليها". واعتبر ان "على المجتمع المدني اعادة النظر في القانون الانتخابي وإثارة حوار داخلي عريض خارج الأطر الرسمية في شأن مسألتي الديموقراطية والحريات والعلاقات العربية والعلاقات مع سورية والموضوع الفلسطيني اذ ما بين الحقد والشوفينية حيال الفلسطيني والحل الممكن للوضع الفلسطيني في لبنان، هناك بعض الفارق، مع مراعاة عدم حصول خروق لوثيقة الطائف التي لا يمكن تجاوزها". وأضاف ان "لا بد من التريث لمعرفة نتائج المحادثات التي تدور الآن بين الولاياتالمتحدة والفلسطينيين، خصوصاً في شأن موضوع العودة، وكما أظهرت الاتصالات التي اجراها في العاصمة الفرنسية هناك أهمية خاصة في هذا الاطار، لوضع فلسطينيي لبنان، وبعد ان يتم تثبيت حق العودة يصبح في الامكان تجاوز الجو المتوتر والسعي الى تجريد المخيمات من السلاح في شكل سلمي، ومنح الفلسطينيين بطاقات اقامة أو جوازات واعتماد معالجة لأوضاع بعض المخيمات البائسة اجتماعياً". وقال جنبلاط: "ان الطائف ينص على وجود القوات السورية في اماكن محددة في لبنان، وان في الامكان الاتفاق على تحديد هذه الأماكن بالتشاور مع القيادة السورية، استناداً الى الوضع العسكري الاستراتيجي السوري، لأن سورية مضطرة الى حماية خاصرتها الغربية من لبنان". وذكر انه سبق له ان اقترح تنظيم وجود القوات السورية في لبنان على غرار القوات الأميركية في المانيا. وأضاف: "تم التوصل اخيراً الى مسألة شديدة الأهمية تمثلت بتفعيل المجلس الأعلى السوري -اللبناني الذي ينظم العلاقة بين الحكومتين، فيكون هناك ارتقاء فيها في المجالات السياسية والاقتصادية، فهذا المجلس الذي تأسس في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد لم يجتمع سوى مرة أو مرتين وبالتالي لم يأخذ بعده". وأكد"ضرورة الانطلاق من الطائف لتفسير بعض النصوص لمصلحة علاقات متوازنة سورية -لبنانية". وعن التباين في شعارات حملته الانتخابية في الجبل والتحالفات التي اقدم عليها في مناطق اخرى مع اطراف وظفوا في معركتهم المال السياسي واعتمدوا التجييش المذهبي، اجاب جنبلاط: "عندما اقصي رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري قبل سنتين، أدى أقصاؤه الى رد فعل معين لدى شريحة معينة، ونتيجة غباء التصرف من جانب الحكومة الحالية برزت حال شعبية معينة. أما بالنسبة الى التحالفات، فلا بد منها، ولكن على رغم كل شيء فإن التحالف مع الحريري مبني على احترام الحريات والديموقراطية والمصالحة، وأن هذا التحالف العريض يجعله يؤيد تولي الحريري رئاسة الحكومة ضمن الشروط التي طرحت خلال الحملة الانتخابية". ومما يقال عن الأزمة التي يمكن ان تنشأ في حال كلف الحريري لترؤس الحكومة بسبب عدم التوافق بينه وبين لحود، أجاب جنبلاط: "لا بد من صيغة "تعايش" على غرار فرنسا، فيوجد قرب الحريري شخص مثل مدير مكتب رئيس الحكومة الفرنسية أوليفيه شراميك ويكون قرب لحود شخص مثل الأمين العام للرئاسة الفرنسية دومينيك دوفيلبان، اللذين يلتقيان سراً سعياً الى تحقيق مصلحة البلد، اما اذا اراد كل منهما ان يأتي ب"غرفة أوضاع" خاصة به، فإن الموضوع سيكون سيئاً". وقال جنبلاط ان "حزب الله" حزب من "الفاعليات اللبنانية وهو موجود في البرلمان فما المانع ان يكون ممثلاً في الحكومة". وعن الحوار بينه وبين العماد عون ذكر جنبلاط انه رغب في ان تكون قاعدته الطائف، وعلى هذا الأساس يتم اعداد ورقة سياسية، على غرار ما تم مع الرئيس السابق أمين الجميل، وان الامر بالنسبة اليه ليس مجرد محطة اعلامية لمناسبة وجوده في باريس، فهذا ليس سياسة". وعن قانون العفو الذي يفترض ان يشمل الدكتور سمير جعجع، قال انه "أول من طرح هذه المسألة. لكن المهم ادبياً وسياسياً، الأخذ برأي آل كرامي وتحديداً الرئيس عمر كرامي، في ما يتعلق باغتيال رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي". وانتقد تصرف الاجهزة والسلطة حيال تظاهرتي الاشرفية وميفوق. وقال: "كلما تصرفوا على هذا النحو، ازدادت الاحتجاجات، فمن يريد اطلاق الحريات سيسمع في البداية شعارات متطرفة وبعدها يتم التوصل الى جوامع مشتركة عبر الحوار، لكن التصرف الغبي يوصل الى هذا الواقع". وذكر ان الرئيس الأسد كان اطلع بالطبع على المواقف التي صدرت عنه قبل لقائهما، وانه لا يعتقد ان الرئيس السوري ضد الحوار والمصالحة الوطنية والوفاق والعلاقات المتوازنة السياسية والامنية والاقتصادية، فلبنان المستقل والمزدهر اقتصادياً مكسب لسورية، وليس ضاراً بها، ولكن ينبغي التروي وعدم حرق المراحل. فملف الجنوب لم يغلق والجولان محتل وسلاح المخيمات موجود. هناك عوامل ينبغي الاخذ بها". وقال "ان الناخبين في الجبل وبيروت يعقدون آمالاً كبيرة على عودة الحريري، واذا عاد مع فريق عمل سياسي واقتصادي متجانس وانمائي، وخطة مقبولة، فسيكون من الضروري اعتماد مقدار اكبر من التواضع اذ في ضوء الوضع الاقتصادي القائم، من المستحيل فرض ضرائب ورسوم جديدة، بل بالعكس ينبغي خفضها لاعادة اطلاق الحركة الاقتصادية واللجوء الى التخصيص". واعتبر "ان الموانع الرئيسية امام عودة المهجرين هي عدم تنمية الريف، فالبورجوازية اللبنانية لا يزال قسم منها موجوداً في باريس وغيرها، وهي تفرض شروطاً وتربط بين التوظيف والاستثمار في لبنان وخروج القوات السورية، وبذلك تعطل على نفسها وعلى المهجرين، وتساعد على الهجرة، لذا من مهمات الحكومة الجديدة الانماء المتوازن ونقل بعض النشاطات الاقتصادية من بيروت الى الريف". ورأى "ان اسرائيل هزمت في لبنان وان ليس هناك اليوم شخص على درجة من الغباء تجعله يراهن مجدداً عليها تحت شعار التقسيم او غيره. فهذه مرحلة انتهت وعلينا الآن ان نعيش معاً ونتفاهم وأن يكون هناك حوار بين القوى الاسلامية والمسيحية، وسواء شئنا أم أبينا علينا تطوير ميثاق الطائف لكي نتمكن من العيش معاً". ونفى ان تكون الانتخابات اتسمت كلياً بطابع طائفي. وعن امكان التعايش مع سورية في ظل نظام لبناني ديموقراطي ليبرالي، قال جنبلاط "ان هذا الأمر ممكن اذا اعتمدنا المبدأ الصيني، ففي الصين هناك نظامان احدهما في بكين والثاني في هونغ كونغ، فهذه حكمة صينية ونحن الدروز نذهب الى الصين في نهاية المطاف". وعن احتمال تشكيل شخص آخر غير الحريري للحكومة المقبلة مثل الوزير نجيب ميقاتي، قال جنبلاط: "نحن متحالفون مبدئياً مع الرئيس الحريري على موضوع الحريات والديموقراطية والأمور الأخرى التي طرحتها، وينبغي ان نرى من سترشح الكتل النيابية، ورئيس الجمهورية اكد احترامه الدستور". وأشار الى "ان الدولة في المرحلة التي سبقت الانسحاب الاسرائيلي كانت تقول ان اسرائيل لن تنسحب وانها اذا انسحبت فان خطوتها ستكون بمثابة مؤامرة، ولكن هذه الدولة نفسها ستعمل في الوقت المناسب على ارسال الجيش الى الجنوب". وأكد انه ليس في وسعه ان يرى وجوداً لسفارة اسرائيلية في لبنان في حال تحقق السلام، ورأى "ان ليست هناك حاجة الى ذلك، في ظل اتفاق الهدنة، وفي اي حال لا أستطيع القبول بسفارة اسرائيلية في لبنان، فميزان القوى فرض علينا كعرب ان نتوصل الى تسوية مع قاعدة عسكرية غربية وضخمة في قلب المنطقة العربية، واسرائيل بالتالي جسم غريب، فكيف سنتعاطى معه في المستقبل؟ هذا غير معروف فالنضال لا يزال في بدايته وهو طويل جداً. قد يكون النضال عسكرياً وديموقراطياً وقد نطل على الساحة الداخلية الاسرائيلية من خلال وطنيين من امثال النائب عزمي بشارة، لكن الأمور ليست سهلة". وعن محادثاته مع الفرنسيين، قال "انها المرة الأولى يجري محادثات متينة ووثيقة مع الحزب الاشتراكي الفرنسي، بعد الانتخابات اللبنانية ومن المفيد ان يصححوا الصورة التي لديهم كاشتراكيين فرنسيين وكأعضاء في الاشتراكية الدولية بعد ما حدث في بيرزيت"، في اشارة الى وصف رئيس وزراء فرنسا ليونيل جوسبان "حزب الله" بأنه ارهابي. وذكر انه يعمل على اعداد وثيقة العمل الوطني، "مع الصديق سمير فرنجية وانها تتطلب مشاركة عدد اكبر من الاشخاص في اعدادها ستكون مدروسة".