كرست الزيارة الرسمية الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي اتال بهاري فاجبايي الى واشنطن على رأس وفد رفيع المستوى، تعميق الروابط الاقتصادية بين الهندوالولاياتالمتحدة وفتح الأسواق الهندية على مصراعيها أمام الشركات الهندية للاستفادة من العقود الضخمة التي ستبرمها الهند خلال العقد المقبل. وأتاحت الزيارة، التي انتهت أول من أمس مع عودة فاجبايي الى بلاده بعد أربعة أيام من المحادثات، ابرام سلسلة من الاتفاقات الاقتصادية بقيمة ستة بلايين دولار وإقرار اطار أعم للتفاهم يعزز رغبة حكومتي البلدين في تطوير التعاون الاقتصادي. وكان الرئيس الأميركي بيل كلينتون زار في آذار مارس الماضي الهند برفقة وفد كبير من رجال الأعمال. وتوقف في زيارته في نيودلهي ومومباي وحيدر اباد. واعتبرت الخطوة حينها بمثابة تأكيد لرغبة واشنطن في تنشيط العلاقات التجارية والاقتصادية مع الهند، على رغم الملفات السياسية العالقة بينهما. وكان مجموع الاتفاقات الاستثمارية التي أبرمت في السنوات العشر الماضية، أي منذ اعتماد الحكومة الهندية سياسات تحرير اقتصادي تدريجية، بلغت 15 بليون دولار تعهدت الشركات والحكومة الأميركية بتوظيفها في الهند. إلا ان حجم الاستثمارات الفعلية لم يتجاوز بليوني دولار حتى الآن على رغم ان الولاياتالمتحدة تعتبر الشريك التجاري الأول للهند. وسبقت زيارة فاجبايي الى واشنطن "قمة اقتصادية" عقدت في نيويورك بدعوة من "اتحاد الصناعات الهندية" واستغل منظموها مشاركة رئيس الوزراء الهندي في قمة الألفية التي دعت اليها الأممالمتحدة. وحرص الزعيم الهندي على توجيه اشارات واضحة خلال "القمة الاقتصادية" لاستباق الشكاوى المرة التي كان ينتظر سماعها في واشنطن. إذ أعلن، أمام حشد ضم 400 من كبار مسؤولي الشركات الأميركية و25 من كبار رؤساء الشركات الهندية، انه سيجري تشكيل "مجموعة ادارة مركزية" تابعة لرئاسة الحكومة مباشرة لتسريع البت برخص المشاريع الكبيرة. وكان بذلك يرد على الشكاوى التي وجهت أكثر من مرة الى المسؤولين في الولايات والادارات الحكومية بإعاقة تنفيذ المشاريع والخطط الاستثمارية بسبب ثقل البيروقراطية وتفشي الفساد والرشوة. وقال فاجبايي انه يأمل في أن تسفر محادثاته في واشنطن عن ابرام اتفاق يتيح تدفق خمسة بلايين دولار من الاستثمارات الأميركية خلال السنة المقبلة، على أن يرتفع هذا المبلغ سنوياً ابتداء من سنة 2003 الى 15 بليون دولار كل سنة. وتحظى الهند بسمعة طيبة في أوساط الشركات الأميركية العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات والتي أقامت معاهد ومختبرات كبيرة في جنوبالهندونيودلهي للقيام بأعمال الأبحاث والتطوير. كما ان هذه الشركات تستقدم كل سنة أكثر من 50 ألف مهني متخصص في الكومبيوتر يهاجرون من الهند للعمل في مختبراتها ومصانعها في الولاياتالمتحدة. وكان بيل غيتس رئيس شركة "مايكروسوفت" الذي أعلن الأربعاء الماضي في نيودلهي تقديم منحة من "مايكروسوفت" بقيمة 50 مليون دولار، وصف الهند بأنها "قوة عظمى في مجال المعلوماتية"، وهو رأي يشاطره إياه المسؤولون في الادارة الأميركية. وبلغت قيمة الاتفاقات التي أبرمها فاجبايي خلال زيارته ستة بلايين دولار لتمويل مشاريع في مجال الطاقة والتجارة الالكترونية والمصارف. وتتضمن هذه الاتفاقات تمويل القطاع الخاص لتنفيذ ثلاث محطات عملاقة للطاقة بينها مشروع محطة هيرما في منطقة أوريسا، الذي ستبلغ طاقته الانتاجية 3800 ميغاواط، والذي يعتبر أحد أكبر المشاريع من نوعها في العالم. وسيمد هذا المشروع الذي ستنفذه "ساوذرن اينرجي" الأميركية مع "باور تريدينغ كوربوريشن" الهندية خمس ولايات بالطاقة في وسط الهند. كما وقعت الشركة الهندية نفسها اتفاقاً مع "سي. ام. اس اينرجي كوربوريشن" الأميركية لبناء محطة تحميل للغاز الطبيعي المسيّل في ولاية مدراس، وبناء محطة حرارية بقوة 1850 ميغاواط في مرفأ اينور في مدينة تشيناي. كما يتضمن الاتفاق الثالث تعاون شركات هندية وأميركية لبناء سد ومحطة كهربائية ضخمة عليه في ولاية أوتار براديش. وتعهد بنك ضمان الصادرات الأميركية كذلك تقديم قرض بقيمة 900 مليون دولار لتمويل شراء صادرات أميركية من سلع وخدمات بالروبية، وهي بادرة هدفت الى اظهار دعم الحكومة الأميركية للعملة الوطنية الهندية في وقت يهدد ارتفاع أسعار النفط بتدهور قيمة الروبية. وقبيل انتهاء زيارته عرض فاجبايي مساء الجمعة أمام حشد من رجال الأعمال في البلدين مجموعة خطط تنوي حكومته تنفيذها خلال السنوات العشر المقبلة وتقدر قيمتها بنحو 240 بليون دولار، داعياً الشركات الأميركية الى المشاركة في تنفيذها. وبين هذه المشاريع بناء 13 ألف كلم من الطرقات مع أربعة قطارات انفاق وتخصيص خمسة مطارات دولية وكذلك شركة الطيران الوطنية وتطوير قطاع التأمينات. وأبدت الشركات الأميركية اهتمامها بتعزيز حضورها في الهند، وبينها شركة "هيوز" التي تعهدت تنفيذ استثمارات بقيمة بليوني دولار في الفترة المقبلة.