"في البدء، خلق الله العالم، ثم الجنة وجهنماً، ثم خلق العراق". هل يكفي هذا المثل العراقي ليشرح معاناة شعب يعيش في ظل العقوبات التي فرضتها الولاياتالمتحدة الاميركية والأمم المتحدة عليه منذ عشرة أعوام؟ هل يمكن التحدث عن إبادة جماعية؟ هذا ما تحاول أليس بسيريني شرحه في كتابها "يوميات بغداد 197 - 1999" الصادر في باريس عن دار "لارماتان" في 241 صفحة. كان كتابها بمثابة شهادة صارخة "لهذه الحرب التي لا تفصح عن اسمها": انفجار خزانات المياه، تقنين الكهرباء، ارتفاع في نسبة الانتحار، هجرة الأدمغة، وكأن العراقيين شهداء العالم العربي. أضف الى ذلك ان 30 في المئة من الأطفال لا يتعلمون في المدارس. وبين العام 1990 والعام 1998 سقط مئات آلاف القتلى. وفي كانون الأول ديسمبر 1998 سقط على بغداد وضواحيها 400 صاروخ في ثلاث ليال، أي أكثر بأربع مرات مما سقط خلال 42 يوماً من الحرب في العام 1991. المولفة بسيريني، التي لا تخفي مشاعرها للنظام البعثي الديكتاتوري لصدام حسين، تخبر بمرارة عن "الموت المشرع" لأمة لا حياة لها ولا مستقبل. حتى الهرب الى الرسم يعبر عن الفراغ وعدم القدرة. وبالنسبة الى الفنانين العراقيين، فإن كل عمل فني مجرد جراحة للذات، صرخة يأس لبلد يفنى. أما القرار الرقم 996 للأمم المتحدة أي "النفط في مقابل الغذاء" الذي صدر عام 1995، فأعاد نفخ دينامية اقتصادية من دون أن يعطي في المقابل حلماً لأمة تموت كل يوم.