"نتفرج"، نحن العرب ومعنا معظم الناس في العالم الذين لم تشاورهم الولاياتالمتحدة أو تبلغهم مسبقاً، على العاصمة العراقيةبغداد وهي تقصف بالصواريخ والقنابل الأميركية "الذكية" فيما تختلط الصور الخضراء الليلية التي تبثها "سي. ان. ان" بدوي الانفجارات وعويل صفارات سيارات الاسعاف وأصوات المؤذنين. "نتفرج" على تنفيذ سياسة أميركية وبالتبعية بريطانية لا تلقى شريكاً في أوروبا تنبئ بتكرارها السقيم بأن مخططيها لا يعرفون الى أين هم ذاهبون، وما هي الغاية النهائية لخطتهم، مثلما تنبئ بعدم حساسيتهم تجاه ما تعنيه هذه السياسة الغامضة المتخبطة بالنسبة الى الشعب العراقي ومستقبل الدولة العراقية ومستقبل أمن البلدان المجاورة للعراق وللشرق الأوسط ككل. هل نشهد استمراراً لحرب الخليج الثانية، أو محاولة لإكمال مهمات لم تنجزها تلك الحرب؟ في نهاية حرب الخليج 1991 أوقف الرئيس جورج بوش القتال، كما يشرح في كتابه "عالم تحول" لأن الهدف المعلن للحرب - تحرير الكويت - كان قد تحقق. ويشرح ان الزحف على بغداد لاسقاط نظام حكم الرئيس صدام حسين حالت دونه أسباب عدة: الخسائر البشرية الفادحة، وتحول أميركا الى دولة احتلال سيتعين عليها الاشراف على تنصيب حكومة عراقية جديدة. ويقول ان احتلال العراق كان سيشكل "تجاوزاً من طرف واحد للتفويض المعطى من الأممالمتحدة". ويضيف: "بينما أملنا بأن يؤدي تمرد شعبي، انقلاب، الى اطاحة صدام، فإن لا الولاياتالمتحدة ولا دول المنطقة كانت ترغب في تجزؤ الدولة العراقية... كنا قلقين بشأن ميزان القوى في الأمد الطويل في منطقة رأس الخليج، ذلك ان تجزئة العراق ستخلق مشكلات مزعزعة للاستقرار". الآن بعد نحو ثماني سنوات على حرب الخليج ونظام العقوبات القاسي وعمليات البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وتدميرها نرى أميركا تهاجم العراق ل "ازالة قدرته على انتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية وتهديد جيرانه"، ونسمع الرئيس الأميركي بيل كلينتون، الذي صفعه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو صفعة قوية برفضه تطبيق اتفاق واي ريفر، وهو يقول ان الطريقة المثلى لانهاء "تهديد صدام" هي اقامة حكومة جديدة في بغداد "وهذا يتطلب جهداً ووقتاً". والمعنى هنا ان العقوبات لن ترفع عن العراق مهما فعل وان الهدف هو اطاحة الرئيس العراقي. ولكن كيف؟ ان السياسة التجريبية المتخبطة التي نراها قيد التطبيق الآن تحت تسمية "ثعلب الصحراء" مآلها الفشل. ذلك ان هدفها العسكري هو "اضعاف" قدرة العراق على انتاج الأسلحة، وأما هدفها السياسي، اطاحة النظام العراقي، فهو أمنية مرتبطة باحتمال غامض ضعيف هو توحيد المعارضة العراقية على هدف اثارة تمرد شعبي. وهذه وصفة ليس فقط لحمام دم أكيد وانما أيضاً لتجزئة العراق. وما دامت الادارة الأميركية غير قادرة على ارسال قوات برية فلن يتحقق هدفها ولن تقنع المعارضة العراقية بأنها جادة، خصوصاً وأن هذه المعارضة تدرك في قرارة نفسها أنها ستكون حطب حرب، ولا يغيب عن بالها ارتباط توقيت الضربة الحالية للعراق بمشكلات كلينتون مع الكونغرس. ولولا أن الأممالمتحدة صارت مثلنا "متفرجة" واختطفها الأميركيون لأمكن اقتراح تدخلها من جديد لطرح سياسة بديلة للسياسة الأميركية تحقق في آن معاً تنفيذ القرارات الدولية وتمكن الشعب العراقي من رؤية بصيص نور في نهاية النفق المظلم... نفق الذل والجوع والآلام