} هنا الحلقة الثالثة من استطلاع "الحياة" آراء السياسيين والمثقفين والصحافيين في اعلان تأجيل الدولة الفلسطينية. وفي الحلقة الأخيرة يتحدث عضو "المجلس المركزي الفلسطيني" صلاح صلاح عن الخيارين: التأجيل أو الاستقلال. ويحدد الكاتب الفلسطيني خالد الحروب الأخطاء السياسية في موضوع التأجيل. صلاح صلاح عضو المجلس المركزي الفلسطيني في ختام اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني التي عقدت في غزة ما بين 2-3 تموز يوليو الماضي، صدر بيان يتضمن نصاً صريحاً واضحاً يؤكد على إعلان الدولة بتاريخ 13 أيلول سبتمبر استناداً على الحق الطبيعي والتاريخي لشعبنا وإلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وفي مقدمتها 242 و338 و181، والى إعلان الاستقلال في عام 1988 "يعلن المجلس المركزي للشعب الفلسطيني والأمة العربية ولشعوب العالم كافة عزمه على تجسيد إعلان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني في دورة 1988 بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتجسيد سيادتها على الأرض الفلسطينية وفي حدود الرابع من حزيران مع انتهاء الفترة الانتقالية المقررة والتي تنتهي في يوم 13 أيلول عام 2000". تكرر مضمون ما سبق على لسان عدد كبير من القيادات الفلسطينية، مؤكدة إصرارها على إعلان الدولة في التاريخ المذكور، ثم أخذت هذه القيادات نفسها تتراجع عن تأكيداتها وتبدي مرونة باتجاه التأجيل. هذه المواقف المتشددة ثم المتهاونة هي تكرار لما حصل قبل حوالى العام عندما رددت قيادات فلسطينية وبالحزم نفسه أنها ستعلن قيام الدولة في أيلول الماضي، ثم جرى اتفاق فلسطيني - إسرائيلي برعاية أميركية على أن يتم تأجيل ذلك حتى الذكرى السابعة لاتفاق اوسلو أي 13 أيلول من العام الجاري. في تقديري أن مثل هذه المواقف التي ترفع وتيرة الحديث عن إعلان الدولة في مواعيد محددة ثم تتخلى عنها ستتكرر في إطار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وذلك لعدة أسباب أهمها: - الخلل الهائل في موازين القوى بين المفاوض الفلسطيني والمفاوض الإسرائيلي التي تجعل الأول يخضع لتهديدات الثاني وإجراءاته التي لا يستطيع الفلسطيني أن يتجاهلها كتوقف إسرائيل على الموافقة على ضم المزيد من أراضي الضفة والقطاع الى مناطق السلطة، توسيع المستوطنات، تعطيل التفاوض لتنفيذ ما تبقى من موضوعات المرحلة الانتقالية بما فيها المعتقلين، ميناء غزة، الطرق الالتفافية الخ...إضافة الى الحصار الاقتصادي لمناطق السلطة، وشل حركة التنقل الداخلي بين مدنها وكذلك حركة التنقل الخارجي البري والجوي. - إذاً ما قيمة إعلان دولة بلا سيادة، مقطعة الأوصال، معزولة عن الخارج، محرومة من الاستيراد والتصدير، تتحكم إسرائيل بكل شيء فيها حتى رغيف الخبز وقطرة الماء. - خضوع السلطة للضغوطات الأميركية على رغم موقفها المنحاز كلياً لوجهة النظر الإسرائيلية التي لم يعد خافياً حتى على المفاوض الفلسطيني سقوط دورها كوسيط محايد. - قبول السلطة لنصائح "الأصدقاء" الأوروبيين "بأن يتم إعلان الدولة الفلسطينية باتفاق مع إسرائيل" كشرط للاعتراف بها. - الموقف العربي المتردد عند بعض الأنظمة، واللامبالي عند البعض الآخر، أما الأخطر فتلك الأنظمة العربية التي تلعب دور الوسيط المشكوك به. - المتتبع لسير المفاوضات يرى السلطة أمام خيارين: الأول: أن تقدم باسم م.ت.ف. ومن خلال مجلسها الوطني إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، من طرف واحد على كامل مناطق الضفة والقطاع المحتلة منذ الرابع من حزيران يونيو عام 1967 بما في ذلك القدس عاصمة للدولة. يستند الفلسطينيون في ذلك على قرارات الشرعية الدولية، وعلى الأسس التي انطلقت التسوية بموجبها. لا شك في أن هذا الخيار يشكل مخاطرة لكنه في الوقت نفسه يؤدي الى: أ إعادة تجميع التيارات الفلسطينية وتوسيع دائرة قواها الفاعلة في إطار جبهوي يوفر للدولة قاعدة عريضة تحميها، ويحقق حال نهوض جماهيري أصبحت الحاجة إليها ماسة. ب أن يستنفر الفلسطينيون آلتهم السياسية والديبلوماسية والإعلامية لوضع كل دول العالم أمام مسؤوليتهم بالاستجابة لمتطلبات السلام العادل والشامل الذي يستوجب الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة على أرضها، بكل ما يعنيه ذلك من ضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي سبق واحتلتها بالقوة عام 67 إذ "لا يجوز احتلال أرض الغير بالقوة" مما يبرر للفلسطينيين واستناداً الى القرارات الدولية، استعمال كل أشكال النضال لتحرير أرضهم المحتلة. ج إحراج الموقف العربي ومطالبته الالتزام بما اتخذته هيئاته الرسمية، آخرها اجتماع وزراء الخارجية المنعقد في القاهرة خلال الأسبوع الأول من أيلول الجاري الذي "دعا المجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس عند إعلانها، التزاماً من مجلس الأمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها"، وفي السياق نفسه "أكد المجلس الجامعة العربية دعمه ومساندته لحق الشعب الفلسطيني في ممارسة سيادته الكاملة على جميع الأراضي الفلسطينية وفي مقدمها القدس". الخيار الثاني: أن يستمر التأجيل الى أن يتم التفاهم الفلسطيني - الإسرائيلي على صيغة لإعلان الدولة. هذا يمكن ان يتم في حالين كلاهما مر: 1- ان يتوصل الطرفان الى اتفاق حل نهائي يشمل كل القضايا العالقة من المرحلة الانتقالية وكذلك القضايا المطروحة على جدول أعمال المرحلة النهائية. في تقديري أن إمكان تحقيق هكذا اتفاق تعترضه عقبات لن يكون سهل تذليلها" ليس أهمها مشكلة القدس فقط وإنما مشكلة اللاجئين أىضاً. إذا كانت القدس هذا العنوان الذي يجري التركيز عليه فإن موضوع اللاجئين لا يقل عنها خطورة فهو يعني حوالى 5،4 مليون انسان لهم إرادة وقدرة على الفعل والتأثير ولا تستطيع أي قوة في العالم أن تفرض عليهم حلاً لا يضمن حقهم في العودة. 2- ان يوافق الفلسطينيون على المواصفات الإسرائيلية للدولة التي كما سربت وسائل الإعلام بعضها: ان تكون دولة مجردة من السلاح، أن لا يحق لها إبرام اي اتفاق استراتيجي مع أي دولة تعتبر في حال حرب مع إسرائيل، أن لا يكون لها حدود تماس مع الدول العربية المجاورة يسمح لها بنقاط عبور، وأن تقوم هذه الدول بالتفاوض مع إسرائيل حول القضايا الأخرى المتبقية في المرحلتين الانتقالية والنهائية، وبذلك يسقط دور منظمة التحرير الفلسطينية وتنتهي كمرجعية للمفاوضات. في كل الحالات وأياً تكن الخيارات لست من الذين يتوقعون الوصول الى اتفاق سلام قريب في المنطقة لأن إسرائيل أخذت من كلينتون ما يكفي، ومصلحتها أن تنتظر نتائج الانتخابات المقبلة التي يتنافس فيها المرشحان على كسب ودها. إضافة الى أن باراك يحضر لانتخابات مبكرة ووضعه الداخلي لا يساعد على عقد اتفاق مع الفلسطينيين إلا إذا قدموا تنازلات ترضي الرأي العام الإسرائيلي. وأعتقد أن عرفات غير مستعد لها. والمحذور الأساسي أن يتوصل الطرفان الى ما يسمى اتفاق إطار أو اتفاق مبادئ يحمل أوجه يفسره كل بطريقته. والخاسر الأكبر في ذلك هو الطرف الأضعف، أي الفلسطيني. خالد الحروب كاتب فلسطيني مقيم في بريطانيا القرار الذي اتخذه المجلس المركزي الفلسطيني القاضي بتأجيل اعلان الدولة الفلسطينية الى منتصف تشرين الثاني نوفمبر المقبل أضرّ بالمصلحة الوطنية الفلسطينية. طبعاً هناك تبريرات عدة لهذا القرار أهمها اتاحة الفرصة للوصول الى اتفاق شامل يكون الاعلان عن الدولة جزءاً منه، وتوفير المزيد من الوقت للرئيس الاميركي بيل كلينتون ليعمل بهذا الاتجاه بالسرعة القصوى وقبل نهاية فترة رئاسته بأمل "الدخول الى التاريخ" كصانع السلام في الشرق الأوسط. وبغض النظر عن الحديث حول نصائح "الاصدقاء" بتأجيل الاعلان عن الدولة فإن تخطئة هذا القرار تقوم على جملة من الأسباب، لكنها لا تُنم بمجملها الا اذا تم النظر اليها من زاوية الوضع الفلسطيني - الاسرائيلي ثم العربي الفريد الذي أعقب فشل مفاوضات كامب ديفىد-2. ففشل هذه المفاوضات اعاد ترتيب الأوراق التفاوضية بطريقة مفاجئة لمصلحة الطرف الفلسطيني وللمرة الأولى منذ انطلاق عملية السلام في مدريد سنة 1991. فإن مقاومة جماعية تضم "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وفصائل المعارضة الى قدرات الاجهزة الامنية الفلسطينية تحت راية الدفاع عن النفس في حال اعتدت اسرائيل على الحق الفلسطيني الذي شرّعه "اوسلو" نفسه في الاعلان عن الدولة، إن مثل هذه المقاومة وتخيّلها كفيل بأن يجعل الطرف الاسرائيلي يعد للألف قبل الاقدام على أي خطة. من اجل هذا فإن فشل كامب ديفىد-2وفّر فرصة تاريخية ولو ظرفية ولحظية لإقامة اجماع فلسطيني يستطيع بزخمه تعديل مسار أوسلو باستخدام اوسلو نفسه: أي بفرض الدولة الفلسطينية والتصميم على اعلانها في الوقت المقرر اي الثالث عشر من أيلول سبتمبر. ومن ناحية ثانية أدى فشل كامب ديفىد-2 الى وضع الطرف الاسرائيلي - الأميركي في مأزق الوقت واللهاث وراء ايجاد حل سريع قبل قدوم "الموعد الفلسطيني" باعلان الدولة. معنى هذا ان الامساك بزمام الموقف انتقل للطرف الفلسطيني وللمرة الأولى منذ مدريد أيضاً فيما وجد الطرف الاسرائيلي - الاميركي نفسه في موقف رد الفعل او انتظار الفعل الفلسطيني المؤيد عربياً واسلامياً. وإذا جمعنا خيار المقاومة الجماعي الذي تولّد ظرفياً الى واقع الامساك بزمام المبادرة، فإنه من الممكن ان نتوقع ان حاصل الجمع ذاك، في حال الاصرار على اعلان الدولة في الموعد المقرر، كان من شأنه ان ينتزع الدولة مهما كانت ضعيفة وشكلية من المسار الاميركي - الاسرائيلي وموضعتها على مسار فلسطيني - عربي، وبالتالي البدء بتغيير وجهتها الكلية وقلب الاهداف والغايات التي يرسمها الطرف الآخر من وراء "موافقته" على قيامها. ليس هذا معناه ان تكون هذه الدولة دولة حرب ضد اسرائيل فإن ذلك ما لا تسمح به قوانين اللعبة ولا الظروف الموضوعية، لكن على أقل القليل فإن عضوية ارتباطها ووظائفيتها بالطرف الاسرائيلي سوف تقل للحد الأدنى. سوف تكون الخيارات الاسرائيلية للرد على قرار فلسطيني بإعلان الدولة من طرف واحد محدودة للغاية: إما قبول الأمر الواقع مع اغلاق الحدود والشروع بتنفيذ بعض القرارات والخطط المعيقة عن بعد واعلان ايقاف المفاوضات، وإما أو بالاضافة الى اعادة احتلال المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية وهذا يعني الانخراط في حرب مدن لا يمكن ان تجرأ عليها اسرائيل. على ضوء هذا فإن تأجيل اعلان الدولة خضوعاً للضغوط الاميركية والتهديدات الاسرائيلية والنصائح الصديقة كان خطأ استراتيجياً بالغاً وذلك للأسباب الآتية: أولاً: هذا التأجيل بعثر الاجماع الفلسطيني الظرفي وأفقد الفلسطيني استثمار ورقة المقاومة او التهديد بها على الأقل. وعادت الجبهة الفلسطينية الآن الى الانقسام التقليدي بين سلطة ومعارضة ببرنامجين متنافرين في لحظة حاسمة ونحتاج الى كل ما من شأنه تعزيز موقف موحّد. ثانياً: هذا التأجيل أعاد موضعة موضوعة "الدولة الفلسطينية" على السكة الاسرائيلية - الاميركية وإخضاع ولادتها لرغبات وتوجيهات الخصم بما يشكك في مدى عافيتها السياسية لحظة أن تولد. وكانت قاب قوسين أو ادنى من الانفلات من تلك السكّة وأن تولّد نفسها بنفسها وتحقق "الانتزاع" بدلاً عن المنّة المشروطة باشتراطات عديدة. وبكلمة اخرى فإن اعلان الدولة في الوقت الذي كان قد تقرر كان معناه اغتنام الفرصة وفرضها، اي الدولة، على الأرض، من دون تقديم أي تنازلات جديدة لأن هذا الاعلان مقرر بحسب اوسلو المتخم بالتنازلات الفلسطينية. اما الآن فإن اعادة حشرها تحت مظلة التفاوض معناه ان الطرف الاسرائيلي - الاميركي لن يسمح بخروجها الا بعد رضاه عن شكلها اولاً وبعد ان يبتز الطرف الفلسطيني بتنازلات جديدة ثانياً وهو أمرٌ كان من الممكن الاستغناء عنه تماماً لو تم فرض اسلوب "الانتزاع". ثالثاً: باعلان هذا التأجيل، الذي ليس هو الأول، فإن الطرف الفلسطيني يتوسع في تدمير صدقيته السياسية وصلابة موقفه كما بدا في كامب ديفىد-2. فذلك الموقف تعرض لتآكل متسارع فور بدء اطلاق بالونات الاختبار وتهيئة الرأي العام الفلسطيني بأن موعد اعلان الدولة ليس مقدساً. والقضية هنا ليست التمسك المعنوي بالتعهدات العلنية وحسب، بل بإدراك مدى الخطر العملي الذي تكرسه على الأرض سياسة بلع المواقف المعلنة. انها تعني ان الموقف في جوهره هش وليس بالصلابة والعناد الذي يوحي به المظهر الخارجي والاعلامي للموقف. وفي هذا رسالة بالغة الأثر السيئ للخصم الذي بات يعلم تماماً ان صدقية الطرف الفلسطيني أو صلابته لا يمكن ان تستمر بناء على تجربة طويلة من تبنيه لسياسة "بلع المواقف". ان الطرف الاسرائيلي - الأميركي بات يعلم ان أفضل استراتيجية ضد الفلسطينيين هي مواصلة الضغط، لأن الضغط يولد ثماراً ونتائج مفيدة على الأرض كما تفيد التجربة. وكان من شأن استمرار الموقف الفلسطيني وتصلبه ان ينهي هذه اللعبة القذرة خصوصاً في ضوء معطيات وفّرت للفلسطينيين أن يقتنصوا فرصة ذهبية في فرض واقع جديد. صلاح صلاح عضو المجلس المركزي الفلسطيني في ختام اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني التي عقدت في غزة ما بين 2-3 تموز يوليو الماضي، صدر بيان يتضمن نصاً صريحاً واضحاً يؤكد على إعلان الدولة بتاريخ 13 أيلول سبتمبر استناداً على الحق الطبيعي والتاريخي لشعبنا وإلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وفي مقدمتها 242 و338 و181، والى إعلان الاستقلال في عام 1988 "يعلن المجلس المركزي للشعب الفلسطيني والأمة العربية ولشعوب العالم كافة عزمه على تجسيد إعلان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني في دورة 1988 بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتجسيد سيادتها على الأرض الفلسطينية وفي حدود الرابع من حزيران مع انتهاء الفترة الانتقالية المقررة والتي تنتهي في يوم 13 أيلول عام 2000". تكرر مضمون ما سبق على لسان عدد كبير من القيادات الفلسطينية، مؤكدة إصرارها على إعلان الدولة في التاريخ المذكور، ثم أخذت هذه القيادات نفسها تتراجع عن تأكيداتها وتبدي مرونة باتجاه التأجيل. هذه المواقف المتشددة ثم المتهاونة هي تكرار لما حصل قبل حوالى العام عندما رددت قيادات فلسطينية وبالحزم نفسه أنها ستعلن قيام الدولة في أيلول الماضي، ثم جرى اتفاق فلسطيني - إسرائيلي برعاية أميركية على أن يتم تأجيل ذلك حتى الذكرى السابعة لاتفاق اوسلو أي 13 أيلول من العام الجاري. في تقديري أن مثل هذه المواقف التي ترفع وتيرة الحديث عن إعلان الدولة في مواعيد محددة ثم تتخلى عنها ستتكرر في إطار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وذلك لعدة أسباب أهمها: - الخلل الهائل في موازين القوى بين المفاوض الفلسطيني والمفاوض الإسرائيلي التي تجعل الأول يخضع لتهديدات الثاني وإجراءاته التي لا يستطيع الفلسطيني أن يتجاهلها كتوقف إسرائيل على الموافقة على ضم المزيد من أراضي الضفة والقطاع الى مناطق السلطة، توسيع المستوطنات، تعطيل التفاوض لتنفيذ ما تبقى من موضوعات المرحلة الانتقالية بما فيها المعتقلين، ميناء غزة، الطرق الالتفافية الخ...إضافة الى الحصار الاقتصادي لمناطق السلطة، وشل حركة التنقل الداخلي بين مدنها وكذلك حركة التنقل الخارجي البري والجوي. - إذاً ما قيمة إعلان دولة بلا سيادة، مقطعة الأوصال، معزولة عن الخارج، محرومة من الاستيراد والتصدير، تتحكم إسرائيل بكل شيء فيها حتى رغيف الخبز وقطرة الماء. - خضوع السلطة للضغوطات الأميركية على رغم موقفها المنحاز كلياً لوجهة النظر الإسرائيلية التي لم يعد خافياً حتى على المفاوض الفلسطيني سقوط دورها كوسيط محايد. - قبول السلطة لنصائح "الأصدقاء" الأوروبيين "بأن يتم إعلان الدولة الفلسطينية باتفاق مع إسرائيل" كشرط للاعتراف بها. - الموقف العربي المتردد عند بعض الأنظمة، واللامبالي عند البعض الآخر، أما الأخطر فتلك الأنظمة العربية التي تلعب دور الوسيط المشكوك به. - المتتبع لسير المفاوضات يرى السلطة أمام خيارين: الأول: أن تقدم باسم م.ت.ف. ومن خلال مجلسها الوطني إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، من طرف واحد على كامل مناطق الضفة والقطاع المحتلة منذ الرابع من حزيران يونيو عام 1967 بما في ذلك القدس عاصمة للدولة. يستند الفلسطينيون في ذلك على قرارات الشرعية الدولية، وعلى الأسس التي انطلقت التسوية بموجبها. لا شك في أن هذا الخيار يشكل مخاطرة لكنه في الوقت نفسه يؤدي الى: أ إعادة تجميع التيارات الفلسطينية وتوسيع دائرة قواها الفاعلة في إطار جبهوي يوفر للدولة قاعدة عريضة تحميها، ويحقق حال نهوض جماهيري أصبحت الحاجة إليها ماسة. ب أن يستنفر الفلسطينيون آلتهم السياسية والديبلوماسية والإعلامية لوضع كل دول العالم أمام مسؤوليتهم بالاستجابة لمتطلبات السلام العادل والشامل الذي يستوجب الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة على أرضها، بكل ما يعنيه ذلك من ضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي سبق واحتلتها بالقوة عام 67 إذ "لا يجوز احتلال أرض الغير بالقوة" مما يبرر للفلسطينيين واستناداً الى القرارات الدولية، استعمال كل أشكال النضال لتحرير أرضهم المحتلة. ج إحراج الموقف العربي ومطالبته الالتزام بما اتخذته هيئاته الرسمية، آخرها اجتماع وزراء الخارجية المنعقد في القاهرة خلال الأسبوع الأول من أيلول الجاري الذي "دعا المجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس عند إعلانها، التزاماً من مجلس الأمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها"، وفي السياق نفسه "أكد المجلس الجامعة العربية دعمه ومساندته لحق الشعب الفلسطيني في ممارسة سيادته الكاملة على جميع الأراضي الفلسطينية وفي مقدمها القدس". الخيار الثاني: أن يستمر التأجيل الى أن يتم التفاهم الفلسطيني - الإسرائيلي على صيغة لإعلان الدولة. هذا يمكن ان يتم في حالين كلاهما مر: 1- ان يتوصل الطرفان الى اتفاق حل نهائي يشمل كل القضايا العالقة من المرحلة الانتقالية وكذلك القضايا المطروحة على جدول أعمال المرحلة النهائية. في تقديري أن إمكان تحقيق هكذا اتفاق تعترضه عقبات لن يكون سهل تذليلها" ليس أهمها مشكلة القدس فقط وإنما مشكلة اللاجئين أىضاً. إذا كانت القدس هذا العنوان الذي يجري التركيز عليه فإن موضوع اللاجئين لا يقل عنها خطورة فهو يعني حوالى 5،4 مليون انسان لهم إرادة وقدرة على الفعل والتأثير ولا تستطيع أي قوة في العالم أن تفرض عليهم حلاً لا يضمن حقهم في العودة. 2- ان يوافق الفلسطينيون على المواصفات الإسرائيلية للدولة التي كما سربت وسائل الإعلام بعضها: ان تكون دولة مجردة من السلاح، أن لا يحق لها إبرام اي اتفاق استراتيجي مع أي دولة تعتبر في حال حرب مع إسرائيل، أن لا يكون لها حدود تماس مع الدول العربية المجاورة يسمح لها بنقاط عبور، وأن تقوم هذه الدول بالتفاوض مع إسرائيل حول القضايا الأخرى المتبقية في المرحلتين الانتقالية والنهائية، وبذلك يسقط دور منظمة التحرير الفلسطينية وتنتهي كمرجعية للمفاوضات. في كل الحالات وأياً تكن الخيارات لست من الذين يتوقعون الوصول الى اتفاق سلام قريب في المنطقة لأن إسرائيل أخذت من كلينتون ما يكفي، ومصلحتها أن تنتظر نتائج الانتخابات المقبلة التي يتنافس فيها المرشحان على كسب ودها. إضافة الى أن باراك يحضر لانتخابات مبكرة ووضعه الداخلي لا يساعد على عقد اتفاق مع الفلسطينيين إلا إذا قدموا تنازلات ترضي الرأي العام الإسرائيلي. وأعتقد أن عرفات غير مستعد لها. والمحذور الأساسي أن يتوصل الطرفان الى ما يسمى اتفاق إطار أو اتفاق مبادئ يحمل أوجه يفسره كل بطريقته. والخاسر الأكبر في ذلك هو الطرف الأضعف، أي الفلسطيني. خالد الحروب كاتب فلسطيني مقيم في بريطانيا القرار الذي اتخذه المجلس المركزي الفلسطيني القاضي بتأجيل اعلان الدولة الفلسطينية الى منتصف تشرين الثاني نوفمبر المقبل أضرّ بالمصلحة الوطنية الفلسطينية. طبعاً هناك تبريرات عدة لهذا القرار أهمها اتاحة الفرصة للوصول الى اتفاق شامل يكون الاعلان عن الدولة جزءاً منه، وتوفير المزيد من الوقت للرئيس الاميركي بيل كلينتون ليعمل بهذا الاتجاه بالسرعة القصوى وقبل نهاية فترة رئاسته بأمل "الدخول الى التاريخ" كصانع السلام في الشرق الأوسط. وبغض النظر عن الحديث حول نصائح "الاصدقاء" بتأجيل الاعلان عن الدولة فإن تخطئة هذا القرار تقوم على جملة من الأسباب، لكنها لا تُنم بمجملها الا اذا تم النظر اليها من زاوية الوضع الفلسطيني - الاسرائيلي ثم العربي الفريد الذي أعقب فشل مفاوضات كامب ديفىد-2. ففشل هذه المفاوضات اعاد ترتيب الأوراق التفاوضية بطريقة مفاجئة لمصلحة الطرف الفلسطيني وللمرة الأولى منذ انطلاق عملية السلام في مدريد سنة 1991. فإن مقاومة جماعية تضم "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وفصائل المعارضة الى قدرات الاجهزة الامنية الفلسطينية تحت راية الدفاع عن النفس في حال اعتدت اسرائيل على الحق الفلسطيني الذي شرّعه "اوسلو" نفسه في الاعلان عن الدولة، إن مثل هذه المقاومة وتخيّلها كفيل بأن يجعل الطرف الاسرائيلي يعد للألف قبل الاقدام على أي خطة. من اجل هذا فإن فشل كامب ديفىد-2وفّر فرصة تاريخية ولو ظرفية ولحظية لإقامة اجماع فلسطيني يستطيع بزخمه تعديل مسار أوسلو باستخدام اوسلو نفسه: أي بفرض الدولة الفلسطينية والتصميم على اعلانها في الوقت المقرر اي الثالث عشر من أيلول سبتمبر. ومن ناحية ثانية أدى فشل كامب ديفىد-2 الى وضع الطرف الاسرائيلي - الأميركي في مأزق الوقت واللهاث وراء ايجاد حل سريع قبل قدوم "الموعد الفلسطيني" باعلان الدولة. معنى هذا ان الامساك بزمام الموقف انتقل للطرف الفلسطيني وللمرة الأولى منذ مدريد أيضاً فيما وجد الطرف الاسرائيلي - الاميركي نفسه في موقف رد الفعل او انتظار الفعل الفلسطيني المؤيد عربياً واسلامياً. وإذا جمعنا خيار المقاومة الجماعي الذي تولّد ظرفياً الى واقع الامساك بزمام المبادرة، فإنه من الممكن ان نتوقع ان حاصل الجمع ذاك، في حال الاصرار على اعلان الدولة في الموعد المقرر، كان من شأنه ان ينتزع الدولة مهما كانت ضعيفة وشكلية من المسار الاميركي - الاسرائيلي وموضعتها على مسار فلسطيني - عربي، وبالتالي البدء بتغيير وجهتها الكلية وقلب الاهداف والغايات التي يرسمها الطرف الآخر من وراء "موافقته" على قيامها. ليس هذا معناه ان تكون هذه الدولة دولة حرب ضد اسرائيل فإن ذلك ما لا تسمح به قوانين اللعبة ولا الظروف الموضوعية، لكن على أقل القليل فإن عضوية ارتباطها ووظائفيتها بالطرف الاسرائيلي سوف تقل للحد الأدنى. سوف تكون الخيارات الاسرائيلية للرد على قرار فلسطيني بإعلان الدولة من طرف واحد محدودة للغاية: إما قبول الأمر الواقع مع اغلاق الحدود والشروع بتنفيذ بعض القرارات والخطط المعيقة عن بعد واعلان ايقاف المفاوضات، وإما أو بالاضافة الى اعادة احتلال المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية وهذا يعني الانخراط في حرب مدن لا يمكن ان تجرأ عليها اسرائيل. على ضوء هذا فإن تأجيل اعلان الدولة خضوعاً للضغوط الاميركية والتهديدات الاسرائيلية والنصائح الصديقة كان خطأ استراتيجياً بالغاً وذلك للأسباب الآتية: أولاً: هذا التأجيل بعثر الاجماع الفلسطيني الظرفي وأفقد الفلسطيني استثمار ورقة المقاومة او التهديد بها على الأقل. وعادت الجبهة الفلسطينية الآن الى الانقسام التقليدي بين سلطة ومعارضة ببرنامجين متنافرين في لحظة حاسمة ونحتاج الى كل ما من شأنه تعزيز موقف موحّد. ثانياً: هذا التأجيل أعاد موضعة موضوعة "الدولة الفلسطينية" على السكة الاسرائيلية - الاميركية وإخضاع ولادتها لرغبات وتوجيهات الخصم بما يشكك في مدى عافيتها السياسية لحظة أن تولد. وكانت قاب قوسين أو ادنى من الانفلات من تلك السكّة وأن تولّد نفسها بنفسها وتحقق "الانتزاع" بدلاً عن المنّة المشروطة باشتراطات عديدة. وبكلمة اخرى فإن اعلان الدولة في الوقت الذي كان قد تقرر كان معناه اغتنام الفرصة وفرضها، اي الدولة، على الأرض، من دون تقديم أي تنازلات جديدة لأن هذا الاعلان مقرر بحسب اوسلو المتخم بالتنازلات الفلسطينية. اما الآن فإن اعادة حشرها تحت مظلة التفاوض معناه ان الطرف الاسرائيلي - الاميركي لن يسمح بخروجها الا بعد رضاه عن شكلها اولاً وبعد ان يبتز الطرف الفلسطيني بتنازلات جديدة ثانياً وهو أمرٌ كان من الممكن الاستغناء عنه تماماً لو تم فرض اسلوب "الانتزاع". ثالثاً: باعلان هذا التأجيل، الذي ليس هو الأول، فإن الطرف الفلسطيني يتوسع في تدمير صدقيته السياسية وصلابة موقفه كما بدا في كامب ديفىد-2. فذلك الموقف تعرض لتآكل متسارع فور بدء اطلاق بالونات الاختبار وتهيئة الرأي العام الفلسطيني بأن موعد اعلان الدولة ليس مقدساً. والقضية هنا ليست التمسك المعنوي بالتعهدات العلنية وحسب، بل بإدراك مدى الخطر العملي الذي تكرسه على الأرض سياسة بلع المواقف المعلنة. انها تعني ان الموقف في جوهره هش وليس بالصلابة والعناد الذي يوحي به المظهر الخارجي والاعلامي للموقف. وفي هذا رسالة بالغة الأثر السيئ للخصم الذي بات يعلم تماماً ان صدقية الطرف الفلسطيني أو صلابته لا يمكن ان تستمر بناء على تجربة طويلة من تبنيه لسياسة "بلع المواقف". ان الطرف الاسرائيلي - الأميركي بات يعلم ان أفضل استراتيجية ضد الفلسطينيين هي مواصلة الضغط، لأن الضغط يولد ثماراً ونتائج مفيدة على الأرض كما تفيد التجربة. وكان من شأن استمرار الموقف الفلسطيني وتصلبه ان ينهي هذه اللعبة القذرة خصوصاً في ضوء معطيات وفّرت للفلسطينيين أن يقتنصوا فرصة ذهبية في فرض واقع جديد.