يتداول الناس في المجتمع البريطاني وربما غالبية المجتمعات البشرية عبارة تقول: "المال ليس كل شيء". ويقصد من هذه العبارة، التي يرددها غالباً أشخاص ليسوا أغنياء بالمعنى المادي للكلمة لكنهم يحلمون بالثراء، نشدان الراحة ورضى النفس على رغم أنها تخفي في الحقيقة مدى أهمية المال وضرورة توافره بسخاء لكل من يرغب في السفر ولكل من يريد الحصول على تأشيرة دخول أو الاقامة في أي بلد من بلدان العالم تقريباً. وتستخدم غالبية البلدان قوانين الهجرة ليس فقط لتوفير الحماية لقواها العاملة وصيانة كياناتها السياسية بل أيضاً لدعم إقتصاداتها المحلية. وليست بريطانيا إستثناء. وتثير الهجرة إلى بريطانيا في الوقت الراهن جدلاً واسعاً وتتعرض الحكومة للانتقاد بسبب موقفها من طالبي اللجوء الذين يتدفقون على بريطانيا بأعداد متزايدة باستمرار. وتجد صحافة الاثارة التابلويد البريطانية في التزام الحكومة تقديم السكن والغذاء لطالبي اللجوء مبرراً سهلاً لشحن حملات الانتقاد ضدها متناسية أن الحكومة لا تفعل أكثر من الوفاء بالتزاماتها الدولية التي تفرض عليها استقبال اللاجئين ورعايتهم. ولا تحظى هذه الضيافة دائماً بالتقدير وكثيراً ما تتعرض للاساءة، لكن هناك جانب مادي للهجرة يدعمه سياسة ضريبية تتيح للمهاجر الذي يتملك سكناً في بريطانيا العيش دونما حاجة لدفع الضرائب. ويتمثل هذا الجانب الايجابي في حقن الاقتصادي البريطاني بالتدفقات الرأس مالية لجالية عالمية كبيرة اختارت أن تتخذ من بريطانيا، والعاصمة لندن على وجه الخصوص، وطناً لها. وكان المال حتى وقت مبكر من الشهر الجاري عنصراً جوهرياً لابد من توافره لنجاح مساعي الراغبين في القدوم إلى بريطانيا من أجل إقامة مشروع تجاري أو الاستثمار. وكان يتحتم على رجل الأعمال الراغب في الانتقال إلى بريطانيا أن يثبت لسلطات الهجرة حيازته مبلغ 200 ألف جنيه إسترليني 280 الف دولار من ماله الخاص واستعداده لانفاقه في إقامة مشروع تجاري. ويرتفع هذا المبلغ إلى مليون جنيه بالنسبة للمستمثر الذي لا بد له من وضع 750 ألف جنيه في استثمارات مقيدة. ولا زال دربا الهجرة هذان مفتوحين أمام الراغبين في الهجرة إلى بريطانيا، لكن تم أخيراً استحداث درب جديد يمكن أن يكون مثيراً، إذ أطلقت الحكومة البريطانية في الرابع من أيلول سبتمبر الجاري خطة سيجري العمل بها لمدة سنتين وتسمح بقدوم "المبتكرين" إلى بريطانيا. والمبتكر شخص ربما لا يملك المال لاقامة مشروع تجاري لكن لديه أفكاراً جيدة ومهارات مناسبة. وتريد الحكومة البريطانية أشخاصاً قادرين على أن يصبحوا نسخاً مستقبلية من "بيل غيتس". وتتوقع أن تجد لدى الراغب في الهجرة توليفة من المهارات العملية والتقنية علاوة على فكرة لمشروع جيد يساهم في تطوير التجارة الالكترونية والتقنيات المتقدمة الأخرى في بريطانيا. ولن تكون عملية إتخاذ القرار في مسألة تحديد هوية المؤهلين لسلوك الدرب الجديد سهلة. وتقول وزارة الداخلية الهيئة الحكومية المعنية بشؤون الهجرة أنها وضعت نظاماً دقيقاً لتقويم المرشحين المؤهلين للنجاح. ويشترط هذا النظام على المرشح الحصول على عدد معين من النقاط في نواح ثلاث وهي الصفات الشخصية وميزات المشروع المقترح والفوائد التي سيجنيها الاقتصاد البريطاني من هذا المشروع. وأكدت الحكومة بشدة على أن درب الهجرة المستحدث موجه إلى أصحاب المهارات في مجالات التكنولوجيا والعلوم والأعمال. وأكدت كذلك على أن تكون الطلبات مكتملة ومستوفية حقها من التفكير. ومن الواضح أن وزارة الداخلية قلقة من إحتمال أن تغرق في بحر من المراسلات لذلك شددت على ضرورة أن تكون الأوراق الثبوتية والحواشي المرسلة إليها ذات علاقة بموضوع الطلب. وتأخر الطلبات في مكاتب وزارة الداخلية ظاهرة معروفة ومشهورة لكن يبدو أن طلبات أصحاب المهارات ستحظى بالأولوية، إذ تم التأكيد لنا على أن الوزارة ستبت في هذه الطلبات في غضون اسبوعين من تاريخ تسلمها من قبل وحدة الأعمال التابعة للوزارة المذكورة. ويحظى "سيليكون فالي" الواقع في ولاية كاليفورنيا بمكانة مرموقة ومعترف بها كمركز للجودة في صناعة تقنية المعلومات. وبدأت المنطقة المحيطة بمدينة كامبريدج، مدينة الجامعة المشهورة التي تقع في شرق بريطانيا، تكتسب لقب "سيليكون فين" بسبب تواجد الكثير من شركات المعلوماتية فيها، كما هو الحال في سيليكون فالي. وتريد الحكومة البريطانية تشجيع هذا التوجه، ويشكل الدرب الجديد الموجه لاجتذاب المبتكرين خطوة على طريق تطوير سياسة تصب في هذا الاتجاه. وربما لن تحتاج إلى إمتلاك المال لسلوك الدرب الجديد لكنك ستحتاج إلى جهة تدعمك وتمدك بالتمويل اللازم لتطوير مشروع تقتنع وزارة الداخلية بجديته. وعندما تنجح في إقناع الوزارة بأن لديك فكرة جيدة سيسمح لك بالاقامة في بريطانيا لمدة 18 شهراً واستقدام أسرتك للعيش معك. وسيطلب منك تقديم طلبك من جديد في وقت لاحق وسيتوجب عليك حينئذ إطلاع الوزارة على التقدم الذي حققه مشروعك. وبعد مضي أربعة أعوام على إقامتك المؤقته يفترض أن تصبح مؤهلاً للحصول على الاقامة الدائمة. ولابد للأفكار من أن تكون جيدة بما فيه الكفاية لاجتذاب أموال المستثمرين الذين سيقدمون لك الدعم والمساعدة وستجد حينئذ أنه من الجيد أن تقر الحكومة البريطانية بأن "المال ليس كل شيء". * محام بريطاني للاتصال والحصول على المزيد من المعلومات هاتف: 00442079362818 فاكس:00442079362813 بريد الكتروني: [email protected]