تبدو الالعاب الاولمبية في سيدني شبه غائبة على اجندة المواطن التونسي، فالعودة الى المدارس هي محور اهتماماته وتحقيق التوازن المالي لموازنة عائلية "ضربتها" شهوات الصيف بأعراسه ومهرجاناته والاجازات المكلفة على الشواطئ هي التحدي الحقيقي الذي يواجهه. وتعتبر سيدني في بعدها الجغرافي منطقة بعيدة جداً، لا يعرف عنها شيء سوى ان احلام الحالمين "الخرقان" او الهجرة غير الشرعية تصطدم بعوائق مادية وجغرافية عدة. واذا اضيف الى ذلك غياب منتخب كرة القدم عن هذه الالعاب تصبح الدورة بالنسبة للتونسي صورة تلفزيونية لمشاهدة الكبار، ولا حق له فيها سوى اجترار ذكريات تاريخية جميلة سجلها بطله الاولمبي محمد القمودي. وبدأت رحلة التوانسة مع الالعاب الاولمبية في روما 1920 وعادة ما كان معدل المشاركة التونسية بحجم رياضات في ألعاب القوى والسباحة والملاكمة وكرة القدم... وتحرص السلطات على إبراز الطابع الحديث للدولة عبر مشاركة النساء على رغم نتائجهن المتواضعة. وطوال اربعة عقود حقق التوانسة بعض الميداليات المتناثرة، كما توج الملاكم فتحي الميساوي بالميدالية البرونزية في اتلانتا 1996. لكن المحطة الابرز في تاريخهم القومي تمثلت في انجازات العداء القمودي... فمن ريف محافظة سيدي بوزيد بوسط تونس حيث الاراضي المفتوحة على اللانهاية، انبعث القمودي ليلتحق بالجيش برتبة ضابط مساعد، وبدأت مسيرته التي بناها بكثير من العرق والدموع الى ان شرّف بلده "بكرعيه" كما قال عند تكريمه من قبل الرئىس الراحل الحبيب بورقيبة. وتمكن البطل الاولمبي من الفوز بأربع ميداليات اولمبية في مسافتي 5 آلاف و10 آلاف متر ما بين 964 و1972. وحققت تونس1 ميدالياتها الذهبية الوحيدة في مكسيكو. ويبلغ عدد الوفد التونسي المشارك في سيدني 85 شخصاً من بينهم 48 رياضياً يبلغ معدل اعمارهم 24 عاماً. وقد تميزت الاستعدادات التونسية للاولمبياد بمعسكرات محلية وخارجية خصوصاً في فرنسا، واذا كانت الاوساط الرسمية تعتقد ان سيدني هي محطة تسويق مهمة لألعاب البحر الابيض المتوسط - "تونس 2001"، وفرصة جيدة لتحسين النتائج المحلية في انتظار الموعد المتوسطي... فإن الشارع التونسي لا يستبعد "معجزة" ربما حققها الملاكم المرموري او العداء الطاهر المنصوري في الماراتون وزميله حاتم غولة في سباق 20 كلم مشياً، او منية كارمي في رمي القرص. وبما ان زمن المعجزات ولّى وانقضى فإن التوانسة يعلقون آمالاً على منتخب كرة اليد الذي يُعدّ من أقوى المنتخبات الافريقية بجانب مصر والجزائر، لكن سوء الحظ دفع به الى مجموعة صعبة جمعت اسبانياوفرنسا والسويد. المفاجأة التونسية ربما حققها شاب لم يتجاوز بعد ال16 ربيعاً، هو السباح اسامة الملولي الذي عرف طريق الاحواض منذ سنته الثانية، قبل ان يلتحق بالمعهد الفرنسي الذي يحمل اسم احد رواد ومؤسسي الحركة الاولمبية بيار دي كوبرتان حيث يجمع بين الدراسة الاكاديمية ومزاولة السباحة. واذا كان اسامة توج بطلاً محلياً في 8 مناسبات، وبطلاً مغاربياً وعربياً فإن يوم ال23 حزيران يونيو سيبقى في ذاكرته حيث حقق المرتبة الخامسة عالمياً في سباق البدل 4 مرات 400م في اسطنبول، ولا يفصله عن تحقيق الرقم العالمي سوى ثانيتين. وبين ثلاثة عقود من تتويج القمودي وثانيتي اسامة الملولي، يبقى التوانسة في انتظار بطلهم الاولمبي للقرن الجديد.