تعاود السعودية احياء "عين زبيدة" أحد المصادر الرئيسية لتزويد مكةالمكرمة ومناطق المشاعر المقدسة مياه الشرب بين القرن الثاني حتى القرن الرابع عشر الهجري. ويأتي المشروع في اطار خطط تأمين المياه لحجاج بيت الله الحرام، ولزوار الآثار في المناطق السعودية، خصوصاً المرتبطة بالتراث والتاريخ الاسلامي. وتبعد "العين" التي تكفل ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز احياءها وإعمارها وترميم مساراتها وتجميع مياهها لاستخدامها مخزوناً استراتيجياً لمدينة مكةالمكرمة، نحو عشرة كيلومترات عن مناطق المشاعر المقدسة، وهي عبارة عن مجموعة من مصادر المياه الجوفية في منطقة وادي نعمان وروافده شمال المشاعر، سخرت للحجاج زمن الخليفة هارون الرشيد، وذلك من قبل زوجته السيدة زبيدة التي يعود لها الفضل في المشروع الأول، وسميت العين باسمها. تتدفق مياه "عين زبيدة" من أعلى نقطة من الجبال المحيطة بوادي نعمان باتجاه ثلاثة أودية منحدرة تدريجاً تبدأ من وادي عرفات أكبر أودية مناطق المشاعر، ثم وادي المزدلفة ووادي منى، ثم الى المسجد الحرام في مكةالمكرمة مستفيدة من تضاريس المنطقة. وتظل "عين زبيدة" شاهداً على التاريخ رغم انها أهملت خلال السنوات العشرين الماضية من دون أن يعد لتدوين تاريخها وما تعرضت له خلال 1200 سنة. وهناك بعض عمليات التحقيق والرصد، وحصل بعض السعوديين على درجات علمية في درس عمارة العين وتدفق المياه منها، ولكن لم يحظ الكثير مما كتب بفرصة النشر. واجري بعض الاصلاحات في بعض خطوط الامداد والنقل من المصدر الرئيسي للمياه، حتى خزانات تجميعها في مناطق المشاعر، ولعل آخرها اصلاحات الملك عبدالعزيز، وقدر لباحثين مهندسين من جامعة الملك عبدالعزيز يتقدمهم الدكتور المهندس عمر أبو رزيزة إعداد بحث عن "عين زبيدة" قبل نحو عشر سنين بهدف إعادة إعمارها، وهو ما تحقق أخيراً. يقول الدكتور عادل غباشي، من جامعة أم القرى، ان زوجة الخليفة هارون الرشيد عمدت الى جر مياه عين من وادي نعمان في قناة الى جبل الرحمة ثم الى منطقة حلف ثم المزدلفة ومن بعدها الى منى، لتصب في بئر سميت بئر زبيدة في منطقة قرب مشعر منى. ورغم ان خط نقل المياه ظاهر في بعض المناطق على طرق المشاعر المقدسة، إلا أن جيلاً كاملاً في السعودية يكاد لا يعرف من "عين زبيدة" سوى الاسم. ويقول بعض كبار السن في مكةالمكرمة ل"الحياة" ان العين "تاريخ" ارتبط بالنقص في المياه في مواسم الصيف قديماً لكنها "أثر أمام ابنائنا". وتؤكد الدراسات ان العين كانت تؤمن أكثر من 30 ألف متر مكعب من المياه العذبة يومياً لمناطق المشاعر المقدسة، وتناقصت مواردها الى عشرة آلاف متر مكعب الآن بسبب عوامل بينها نضوب مياه بعض الآبار، نتيجة نقص كميات المطر وعمليات التحويل الكهربائية لمياه الآبار في الوادي خلال السنوات الأخيرة. ويفيد المشرفون على مشروع احياء العين ان العناصر الأساسية ل"عين زبيدة" تتكون من الروافد وهي القنوات الفرعية التي تجمع المياه من بطون الأودية. ونقلت وكالة الأنباء السعودية أخيراً عن أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز ان كلفة الدراسة الجديدة لاحياء العين تبلغ نحو سبعة ملايين ريال سعودي 1.87 مليون دولار، وان ترميم مسارات "عين زبيدة" يأتي في اطار الاهتمام بموارد المياه لمدينة مكةالمكرمة. ولفت الى امكان الاستفادة بنحو 13 مليون غالون من المياه العذبة يومياً، مما يقلل الاعتماد على التحلية المكلفة، ويحسّن الوضع البيئي في الأماكن التي تسلكها مسارات العين.