مشروع مهمّ تقوم به "دار المدى" في دمشق بغية اصدار أعمال أدباء جائزة نوبل. فهذه السلسلة المختارة تقدم لقارئي العربية، بعضاً من أبرز النتاجات الإبداعية على مدار القرن الماضي، وهي نتاجات تعكس ثقافات قارات وشعوب متعددة. وتعكس كذلك أزمنة متباعدة - نسبياً - الى حدود يمكن معها قراءة خارطة التطور الكبير في فنون الإبداع الأدبي وأجناسه، ناهيك بموضوعات هذا الإبداع، والعوامل الإنسانية التي تسكن خلفيته وتحرض عليه. تنوع الأسماء وما تحمله من تنوع مماثل في الأجناس الأدبية يمنح قارئ العربية فرصة ثمنية لإثراء معرفته وكذلك للوقوف على المرتكزات الفنية التي دفعت لجنة جائزة نوبل - في هذه السنة أو تلك - لتكريس كاتب ما في ذلك المقام العلي الذي يكسبه من يحصل على الجائزة. من المفيد هنا أن نقول ان كتاباً كثيرين ممن حصلوا على جائزة نوبل للأدب لم تكن ترجمت لهم أي آثار إبداعية قبل حصولهم على الجائزة، أي أن القارئ سوف يكتشفهم للمرّة الأولى، وهي حقيقة لا نختص بها نحن العرب دون سوانا، إذ هي موجودة - بهذه النسبة أو تلك - لدى الكثير من الأمم، خارج مركز الحضارة الأوروبية - الأميركية، ثم تأتي الجائزة، فتكرس ضوءاً هائلاً يدفع ناشرين من لغات مختلفة الى ترجمة أعمال الفائز. ما صدر من سلسلة نوبل "العربية" حتى الآن ثمين وكبير الفائدة، خصوصاً أننا نعرف محدودية من يمكنهم قراءة الآداب العالمية من لغاتها الأصلية، واضطرارهم من ثم الى التعرف الى تلك الآداب من خلال الترجمة. ومع ذلك فإن قراءة ما صدر حتى الآن من السلسلة يدعونا الى الإشارة الى حقيقة مهمة ينبغي ألا تغيب في احتدام فرحنا بما نشر، وهي أن أعمالاً عدة مما صدر سبق نشره في اللغة العربية، منذ عقود أو سنوات على الأقل. فقارئ كتب السلسلة حين يقلّب الكتاب، لن يجد سوى "الطبعة الأولى" وهي عبارة قد تفي بالإشارة الى أنها الأولى للدار صاحبة المشروع، ولكنها على أية حال ليست الطبعة الأولى على الإطلاق، فرواية أناتول فرانس "الزنبقة الحمراء"، والتي نشرت مترجمة في السلسلة سبق أن نشرها المترجم أحمد الصاوي محمد في الثلاثينات من القرن الفائت، حتى ان الطبعة الحالية ذاتها جاءت متضمنة للمقدمة التي كتبها المترجم يوم وفاة أناتول فرانس عام 1924، وكذلك لكلمة قصيرة عن الرواية كتبها طه حسين في حينه، وكان من المفيد الإشارة الى أن الطبعة الجديدة ليست الأولى. وهو ما فعلته "دار المدى" في أعمال أخرى حين قالت في طبعة رواية فرانسوا مورياك "عقدة الأفاعي" انها "طبعة خاصة" وأشارت في الوقت ذاته الى أن الطبعة الأولى كانت عام 1947 وصدرت عن دار الكاتب المصري. وكذلك فعلت مع رواية اندريه جيد "الباب الضيق" إذ أشارت على الغلاف الأخير الى أن الطبعة العربية الأولى كانت عن دار الكاتب المصري عام 1946، على رغم أنها كررت في نشرة الكتاب عبارة الطبعة الأولى، وعلى رغم أن الطبعة الجديدة تضمنت مثل الطبعة المصرية مقدمتين لكل من أندريه جيد وطه حسين. أعتقد ان الإشارة الصريحة الى تاريخ طباعة كل عمل في هذه السلسلة مسألة مفيدة وضرورية، خصوصاً أن المترجم - كما هو حال أحمد الصاوي محمد - قد يكون ممن غادروا عالمنا قبل عقود طويلة، إذ يصبح من غير المنطقي ولا المفهوم تقديم أعمالهم باعتبارها تصدر اليوم للمرة الأولى. هذه الملاحظة - على أهميتها - لا تقلل أبداً من الانجاز المتميز الذي حققته "دار المدى" بالإقدام على هذا المشروع الثقافي الرائد، والذي تستنكف عنه في العادة دور النشر الخاصة، وتتركه للمؤسسات الرسمية التي يمكنها وحدها النشر من دون حسابات الخسارة في زمان تتضاءل فيه حظوظ الكتاب وتزداد تعثراته في أسواق عربية ليست مفتوحة دائماً أمامه. لعل واحدة من أهم الملاحظات التي تفرض نفسها عند قراءة الأعمال المنشورة، المقارنة بين مستويين من الترجمة، الأول الذي حققه جيل الآباء من المترجمين العرب، والثاني ما يقوم بترجمته مترجمون وأدباء حاليون، إذ أننا نكتشف بسهولة ان جيل الآباء كان يصدر في ترجمته للأدب العالمي عن حبٍ خاص، ينعكس بالضرورة في مستوى الترجمة وأمانتها، وبالذات في مستوى اللغة العربية الناقلة للأثر الأجنبي، حيث نجد أنفسنا إزاء لغة راقية أنيقة، ما دفع الدار لإعادة نشر الكتاب بالترجمة ذاتها، وهي مسألة مفهومة إذا تذكرنا أن الترجمة في بلادنا قد انتقلت من الحالات النخبوية المحدودية، الى كثافة نسبية، على ما في الحالين كذلك من اختلاف الزمن، وأيضاً من اختلاف السويّة، ليس في الأدب وحده، بل في الفنون كلها كذلك. يبقى أن نشير الى أهمية أن تتضمن ترجمة الأعمال المختارة في هذه السلسلة مقدمة تقوم بالتعريف بالكاتب وأدبه عموماً، وبالذات عند نشر كتاب لأحد من أدباء نوبل ممن لم يسبق ترجمة أي عمل آخر له الى العربية، إذ أنه، في حال كهذه، كاتب شبه مجهول من قارئ العربية.