شهدت السنوات القليلة المنصرمة من حياة الصحافة السورية، بروز ظاهرة تلفت الأنظار، هي أسماء جديدة لصحافيين شباب تحاول أن ترسم ملامحها وتؤسس لمستقبلها بعيداً عن لغة الاعلام الرسمي الرصينة ولكن الباهتة. وكان على هؤلاء الصحافيين أن ينشطوا ويعبروا عن امكاناتهم المهنية ولغتهم المتميزة عن السائد من خلال مواقع ومنابر اعلامية عربية أخرى عرفت كيف تستقطب اقلامهم وتعطيها فرصتها ومكانها. ولوحظ على كتابات هؤلاء الصحافيين الجدد، نقديتها وجرأتها في طرحها للشأن المحلي حينما غابت اللغة التحليلية عن الصحافة المحلية وطغى الانشاء. وعلى النقيض من تميز الجيل الجديد، كان ثمة واقع غير سوي من ممارسة العمل الصحافي يمارسه اصحاب المكاتب ومراسلو الصحافة والتلفزة العربية الذين اقتربوا مع الوقت في ممارستهم للمهنة من ذهنية "البيزنس" الذي ينظر لعمله بمنظار الربح والخسارة، فعمل بعض منهم على الاستحواذ واحتكار الاعتماد لأكثر من وسيلة اعلامية عربية وحتى في المشاركة غير المباشرة في أعمال فنية ليس لها أي علاقة بالعمل الاعلامي، وقد سيطرت على هؤلاء عقلية صاحب الشركة الصغيرة الذي ينتج أي شيء يحقق الربح، ومن أجل الايحاء لوسائل الاعلام التي يتبعونها بأهميتهم الصحافية يعملون على تصوير الحجم الهائل من العلاقات التي يمتلكونها مع المسؤولين في الدولة، ولا ينسون أن يبالغوا في تصوير صعوبة الحصول على الخبر تحت ذرائع مثل "لا يوجد إلا الخبر الرسمي، يتدخل الآخرون في عملنا، يراقبوننا، قد نتأذى من جراء تحدثنا عن كذا".. كل ذلك في محاولة للتغطية على الضعف الذي يعانون منه والأداء السييء، غير ان الحقيقة وكما يعرف كل الذين يشتغلون في الصحافة غير ذلك. وطالما أن الشيء بالشيء يذكر لا بد من التنويه ببعض المراسلين أصحاب الكفايات المتميزة من الجيل الجديد من خريجي كلية الصحافة السورية الذين أثبتوا تميزاً في هذا الحقل وتحملوا متاعب المهنة وتضييق الجيل القديم وحربه عليهم حينما اضطروا للعمل معهم تحت وطأة الظروف المعيشية والبحث عن الفرصة، فدفعوا جراء ذلك الضريبة المتمثلة في ابعادهم ومنعهم من التطور واغلاق كل السبل في وجوههم عبر علاقة مشوهة قائمة على التسلط والاستغلال وقمع المؤهلات وتحجيمها واستنفادها أيضاً لمصلحة المراسل المحتكر، وحين تتم المطالبة بحق ظهور الاسم الذي يشكل رأسمال الصحافي الوحيد، يفهم المراسل هذا الحق أنه بداية للنهاية. نهايته وفضح تواضعه المهني. هذه الحال البائسة تنتهي بوجود شفافية اعلامية وواقع عمل صحافي سماته التنافس الايجابي بين وسائل الاعلام وبين الصحافيين أنفسهم. ان التطورات المنشودة على مستوى الاعلام في سورية ربما تضع حداً لنجومية كاذبة فرضتها رمادية المشهد وغياب الهامش المطلوب للعمل الاعلامي. * صحافي سوري.