أدى المصريون امس صلاة الغائب على ارواح ضحايا كارثة طائرة شركة "طيران الخليج"، وتركزت خطب الجمعة في المساجد على وجوب التسليم بالقدر وضرورة مساندة اسر الضحايا ومطالبة اجهزة الدولة بتخفيف معاناه هؤلاء من خلال تسهيل اجراءات نقل الجثث ودفنها. وتخطى اهالي الضحايا مرحلة البحث عن ذويهم بعدما تأكدوا انهم جميعاً قتلوا وصار الحديث عن "إكرام المتوفي" بدفنه بسرعة هو الغالب، لكن قصصاً انسانية ظلت تدور في بيوت الضحايا وغالبيتهم ممن اضطرتهم الظروف لترك وطنهم والعمل في الخارج. وجالت "الحياة" على منازل عدد منهم غطاها الحزن وغلب اللون الاسود فيها، في حين انشغل بعض الافراد في كل بيت بترتيب اجراءات تسلّم الجثث بعد وصولها اليوم من المنامة. لكن الفجيعة تمثلت بشكل اكبر في منازل ظلت مغلقة لأن اسراً كاملة أوصدتها قبل ان تستقل الطائرة المنكوبة على امل العودة اليها مرة اخرى. هكذا كانت الحال في البناية الرقم 6 في شارع محمد صدقي في منطقة المنيل في القاهرة حيث عاش اهالي الحي النكبة بعد ما غاب عائل الاسرة محمود حسن البليدي الذي يعمل مدرساً للتاريخ في البحرين وزوجته نشوى بيومي وابنتاهما غاية 5 سنوات وخلود 4 سنوات. وكان البليدي حصل قبل سنوات على عقد عمل للتدريس في احدى مدارس المنامة واصطحب زوجته معه وهناك رزق بابنتيه، وكانت الأسرة تقضي عادة العطلة الصيفية في القاهرة، وفي المرة الاخيرة لاحظ الجيران ان البليدي قام بتجديد اثاث منزله وهو اخبرهم انها ستكون السنة الاخيرة له في الخارج وسيعود للإقامة في مصر بعد انتهاء السنة الدراسية المقبلة. وفي منطقة المنيل ايضاً منزل السيدة صافيناز محمد طه التي ماتت في الحادث ومعها طفلاها عبدالله 8 سنوات ومروة 4 سنوات. قالت والدتها سيدة محمد البحيري ان ابنتها حضرت لمصر مع طفليها قبل ثلاثة اشهر لقضاء العطلة على ان تعود لزوجها، لكنهم استقلوا الطائرة المنكوبة وتوجه زوجها صابر محمد عبدالرؤوف من السعودية الى البحرين للتعرف على جثثهم. وبين المشاهد المأسوية كان الحديث عن الرجل الذي انقذه القدر من الموت صدفة وتناقل العاملون في مطار القاهرة قصة ذلك الرجل الذي خرج من صالة السفر حزيناً بعد ما ألغت السلطات إجراءات سفره لكون أوراقه الثبوتية ناقصة. وسألت "الحياة" عنه فتبين أنه ينتمي إلى محافظة الدقهلية وأنه عاد الى منزله حزيناً. وخلال حوار هاتفي روى هشام سعد أحمد الحسيني 27 سنة ملابسات نجاته، وقال: انه توجه الى المطار في صحبة والده وشقيقيه للسفر الى البحرين ومنها الى عُمان حيث يعمل مدرساً للغة العربية هناك، لكنه صدم اثناء انهاء اجراءات السفر وقبل الصعود الى الطائرة مباشرة باعتراض ضابط الجوازات على سفره لكونه لا يحمل تصريح عمل. واضاف: "شعرت بحزن شديد واستغرق الأمر بعض الوقت حتى أعاد المسؤولون في المطار حقائبي وخشيت ان لا اتمكن من السفر خلال الأيام المقبلة بسبب الزحام الشديد على السفر الى الخليج لارتفاع أعداد المدرسين المصريين العائدين الى أعمالهم، وبعد ما عدت إلى منزلي في مدينة المنصورة رويت لخطيبتي سماح السيد شعبان ما حدث فشعرت بالحزن أيضاً، لكنها قالت لي المثل الشهير كل تأخيرة وفيها خيرة". وأوضح أنه علم بخبر سقوط الطائرة من صديق له عماني الجنسية تحدث إليه هاتفياً من مسقط، وأخبره أن "الطائرة التي كان مقرراً أن يستقلها سقطت بركابها في الخليج". وتابع: "لم أصدق الأمر لكن سرعان ما تأكدت من الخبر من وسائل الإعلام والتلفزيون فشكرت الله". لكن الحسيني عبّر، رغم سعادته بنجاته، عن حزنه لكون سيدة خليجية وطفليها ركبوا الطائرة بدلاً منه، اذ انهم كانوا على قائمة الانتظار وشعروا بالارتياح عندما أخبرهم مسؤولو المطار بأنهم سيسافرون بدلاً منه.